[دعبل نجد]

تابعت كما تابع غير بكل استياء وألم ما حصل لاسطول الحرية القادم من القارة الأوروبية بمشاركات عربية مخجلة وغالبية وقيادة تركية قاصدا فك الحصار عن غزة حاملا معه المؤن والأدوية والمساعدات لذلك الشعب المنكوب الذي خذله أقرب الناس له وأرخصوه وأرخصوا دمه ومعاناته وكأنه شعب لا يستحق الحياة ولا ينتمي إلى البشرية التي أصموا آذاننا بحقوقها واحترامها ..

كنت متابعا من بعد صلاة الفجر لما يحدث ولم أجد في إعلامنا الحر الأبي من تحدث عن هذه الحملة وتابعها فجرا سوى قناة الجزيرة , وفي كل لحظة أقلب القناة هنا وهناك علِّي أجد من قنواتنا سواء الرسمية او غير الرسمية من تابع أو انضم للمتابعة ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل ولا ملامة مادامهم لم يناموا إلا قبيل الفجر بعد أن انتهت فترة المسلسلات والسهرات الخادشة ومن ثم أعملوا الإعادات ليغطوا في نومهم بعيدا عن ما يجري لإخوانهم ,,

رأيت أولا بعض الصور المباشرة والاتصالات من المراسل إلى القناة ومن ثم إعلان الهجوم وانقطاع الاتصال والتشويش المتعمد ثم انقطعت الأخبار عنهم وبدأ النقل عن مصدر العدو بعدد المصابين والقتلى الذين بلغوا حتى الآن العشرين نفسا , لم يحملوا معهم سلاحا واحدا لا أبيضا ولا أسودا , إنما حملوا معهم الدواء والطعام والخيام لمساعدة إخوانهم بني الإنسان المحاصرون منذ أكثر من أربع سنوات ..

ما فعله اليهود ليس بمستغرب لأن من أمن العقوبة أساء الأدب وهم المدعومون من أكبر قوة عالمية وهم لها كالابن المدلل يفعل ويخرب ولا يحاسب ولو جرت محاولات لمحاسبته أو تقريعه لوجدت أن السحر بطرفة عين ينقلب على الساحر وأن اللوم يقع دائما على الضحايا وما أحداث العام وقتل أكثر من ألف وثلاثمائة نفس عنا ببعيد وما تقرير قولدستون عنا بخفي , فهم معطون الضوء الأخضر أن يفعلوا ما شاءوا وأعطوا العهود والمواثيق بأنهم محميون وأن أمنهم هو المهمة الكبرى على عاتق الحكومات الأمريكية المتعاقبة وهذا ليس بخفي بل يعلن في كل حين وآن ..!

وليس الغريب أيضا فيما فعله أحفاد محمد الفاتح وما سعوا إليه لأن مجدهم قريب وعروقهم ما زالت تضخ دماء العزة والكرامة لأنهم قريبوا عهد بدولتهم وقوتهم وعزتهم , وليس المستغرب أيضا مجازفة الرجال الكبار كرائد صلاح الذي يعلم أنه مستهدف وأن قتله بالنسبة لليهود مطلب وأنهم يبحثون عن الحجج والتبريرات لقتله وقتل كل من على شاكلته لأنه ابن فلسطين الذي ينام ويصحوا على صوت الرصاص وهدير الدبابات ومثله لا يوجد في قاموسه كلمة خوف بل ولا أظنه يعرف معنى الخوف الذي يتحدث الناس عنه ..!

ولا عجب أن تضم تلك الحملة مختلف الطوائف والديانات والجنسيات لأن المسألة مسألة إنسانية لا تقبل التاخير ولأن القضية جاوزت كل الحدود فلزم من الأحرار وقفة جادة لرد الظلم وردع الظالم بكافة السبل والطرق لأن مايعانيه أهل غزة من الموت البطيء أثر حتى في أعدائهم من داخل الدولة اليهودية الذين نسمع بين الفينة والفينة اعتراضهم على مثل هذا الحصار الغاشم الذي أهلك الحرث والنسل بمباركة وتواطؤ من بعض الأقربين الذين كان يعول عليهم أهل غزة النصرة والإعانة فتفجأوا بأن حصار إخوانهم أشد وأعتى من حصار اعدائهم

وظلم ذوي القربى اشد مضاضة * * على المرء من وقع الحسام المهند



العجب في هذا الصمت المخزي من كافة الدول الإسلامية على مايجري هناك وكنت أظن أن الضمير سيقوم وسيهب هبة قوية بعد أحداث غزة الدامية في العام الماضي واحمد الله ان قام الضمير فشجب واستنكر وندد ونُظمت المظاهرات ورفعت اللافتات المعبرة عن كره اليهود وعن عدم الرضى عن فعلهم واليهود يقتلون والدماء تجري بها الطرق هناك حتى جاوزوا الألف قتيل , فلما فعلوا تلك الفعلة وجب أن يفعل حكام العالم الإسلامي شيئا فأجروا الإتصالات بكافة المنظمات الحقوقية وقيادات الدول العظمى ومن ثم أقاموا قمة من أجل غزة تبادلوا فيها الصور والضحكات وانصرفوا إلى حين نكبة أخرى وجرح جديد , ويظنون أنهم بذلك أدوا ماعليهم واستفرغوا جهدهم وطاقتهم بالذب عن إخوانهم والدفاع عنهم كما يزعمون والدم ما زال يجري ولم يتوقف وكذلك الشجب والاستنكار مازال يردد في خطاباتهم وخطبهم كما يقول الأول وقد صدق :

سنحرر الأقصى بغير إراقةٍ * * لدمٍ ولا إطلاق طلقة نارِ

وقع الكلام على اليهود أشد من * * وقع الحسام الصارم البتارِ

فلتبنِ إسرائيلُ ألفَ مفاعل * * ولتملأ الأجواء بالأقمار

فالمعجم العربي بات مدججاً * * بالشجب والتنديد والإنكار ..!

وأحمد الله أن كافة الدول الإسلامية بالأمس شجبوا واستنكروا ما حدث وبعضهم استدعى سفراء اليهود وممثليهم ليعبر له عن استياءه مما جرى ويطلب منه توضيحا أي تبريرا .

إن ما يحدث أمر مخجل للغاية وإنه من أعظم المحرمات , ومامهمة المسلمين إن لم تكن مهمتهم رفع الظلم عن المظلوم بما استطاعوا وهم يملكون أكبر المدخرات الإقتصادية والاحتياطات النفطية وهم يشكلون أغلب وأكبر ديانة تسكن الأرض فهم ليسوا ضعفاء وباستطاعتهم فعل الكثير الكثير وما تاريخنا القريب ووقفة الفيصل عنا بقريب , وإن تعذر متعذرٌ بأن هناك عهودا دولية ومواثيقا مرعية فإن كل المواثيق وكل العهود تتهاوى أمام ما يحدث ولا يجوز في حال من الأحوال أن يتوقف المسلمون عند العهود والمواثيق وعدوهم ينقضها في اليوم الواحد عشرات المرات وإن لم يستيقظ الضمير اليوم ويتنبه فمتى سيستيقظ , أعندما تعلق الصلبان على الكعبة أم عندما تنصب النجمة الخماسية فوق قبر النبي صلى الله عليه وسلم وما الفائدة حينها من استيقاظه ..!

الحمل كبير على الحكام والشعوب تنتظر هبة قوية منهم وتنتظر منهم ردة فعل قوية تعيد لهم ثقتهم بأنفسهم وثقة شعوبهم بهم ووالله إنه من العيب أن يتحدثوا الآن عن مفاوضات مباشرة وغير مباشرة وعن مبادرة عربية مخزية لو قبلها اليهود فمابالكم وقد جعلوها مسخرة القرن الواحد والعشرين من العيب أن يتحدثوا عن مثل هذه الأمور والدماء تسيل والرؤوس تتطاير وقواقل الأموات والضحايا ملأت الطرق والممرات ..

إن قوة الحكام الحقيقة بشعوبهم وإن الشعوب مازال فيها قبس نبوة وجينة خالدية ومازالت قصص البطولات والشجاعة تملأ أذانهم وقلوبهم وهم مستعدون لنصرة إخوانهم بكل ما يستطيعونه حتى ولو بأنفسهم وأرواحهم فليجربوا فإنهم أهل لذلك . .

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأعنا على حمل الامانة ونصرة المظلوم وإقامة الحق ..!