بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » تشتيت الضباب وتبديد السحـاب ..مقال رائع للفاضل حسين بن محمود

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 25-08-2004, 01:10 PM   #1
جهاد
عـضـو
 
صورة جهاد الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
البلد: في بـلاد الحرميــن
المشاركات: 364
تشتيت الضباب وتبديد السحـاب ..مقال رائع للفاضل حسين بن محمود

بسم الله الرحمن الرحيم

تشتيت الضباب وتبديد السحاب


في موقع "الإسلام اليوم" ، وبتاريخ 28\06\1425هـ ، وتحت عنوان "جهاد العراقيين للأمريكيين" سُئل الشيخ "عبد الرحمن بن ناصر البراك" عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -حفظه الله - هذا السؤال :

فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك: - حفظك الله وسدد خطاك - سماحة الوالد: ما حكم جهاد الأمريكان بالنسبة لأهل العراق أنفسهم؟ لأنه وقع بيننا وبين بعض الإخوة نقاش حول هذه القضية؛ فنريد من سماحتكم بيان هذه القضية. وأسأل الله أن يسدد خطاكم لما يحبه ويرضاه.

[فكان جوابه ، حفظه الله]

الحمد لله. وبعد:
إن الكفرة الأمريكان وأعوانهم في غزوهم للعراق ظالمون معتدون، فهم كفرة محاربون، يجب على المسلمين جهادهم وطردهم.
وصمت الدول الإسلامية عن الاستنكار لهذا الظلم والعدوان -فضلاً عن اتخاذ الوسائل الممكنة الدبلوماسية والاقتصادية- موقف مخز شرعاً وعقلاً.
ومنشأ ذلك بعدهم عن دين الله الذي به العز والتمكين والنصر المبين، فالمقاتلون في العراق للأمريكان وأعوانهم من أراد منهم إعلاء كلمة الله وإذلال الكافرين فهو مجاهد في سبيل الله، ومن أراد مقاومة الاحتلال الأجنبي عن وطنه فلا لوم عليه، بل هذا ما تقتضيه الشهامة والأصالة والأنفة من عدم الخضوع للمستعمر المعتدي، وبذلك يعلم أنه يجب على المسلمين نصر المجاهدين في العراق وفلسطين، وفي الشيشان، وفي الأفغان، ومد يد العون والمساعدة بما يستطيعون، وأقل ذلك الدعاء لهم ومواساتهم بالمال؛ لإطعام جائعهم وعلاج جريحهم ومريضهم.
وذلك من الوفاء بحق أخوة الإيمان، كما قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة"[الحجرات: 10]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم، وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري(6011)، ومسلم(2586). والله أعلم. (انتهى كلامه أحسن الله إليه) ..

والشيخ ذاته – حفظه الله - هو الذي قال ، ابان غزو أمريكا للعراق ، ما يلي " مما لا شك فيه أن إعلان أمريكا الحرب على حكومة طالبان في أفغانستان ظلم وعدوان وحرب صليبية على الإسلام كما ذُكر ذلك عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن تخلي الدول في العالم الإسلامي عن نصرتهم في هذا الموقف الحرج مصيبة عظيمة ، فكيف بمناصرة الكفار عليهم ، فإن ذلك من تولي الكافرين.." (انتهى كلامه رحمه الله) ..

أقول :

إن كلام الشيخ ليس بدعاً من القول ، فهذا الكلام هو عين ما أفتى به علماء المسلمين على مر العصور ، غير أن الشيخ – أحسن الله إليه – لم يذكر كلام أهل العلم بتمامه وتفصيله !! وسأحاول هنا على عجالة ذكر بعض التفاصيل من كلام أهل العلم لزيادة البيان .. فالله المستعان ، وعليه التكلان :

قال الإمام الشوكاني رحمه الله (في السيل الجرار : ج4) "أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية ولأجله بعث الله رسله وأنزل كتبه ومازال رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعثه الله سبحانه إلى أن قبضه إليه جاعلا لهذا الأمر من أعظم مقاصده ومن أهم شئونه وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها وما ورد في موادعتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال مع ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم [هذا في جهاد الطلب] .... إلى أن قال رحمه الله ... "قد صار الدفع عن هذا القطر الذي خشي استئصاله واجب على كل مسلم ومتحتم على كل من له قدرة على الجهاد أن يجاهدهم بماله ونفسه ومن الإستعداد له للجهاد كالباعة في الأسواق والحراثين تجب عليهم الإعانة للمجاهدين بما فضل من أموالهم فإن هذا من أهم ما أوجبه الله على عباده والأدلة الكلية والجزئية من الكتاب والسنة تدل عليه وعلى الإمام أن لا يدع في بيت المال صفراء ولا بيضاء ويعين بفاضل ماله الخالص .." (انتهى) ..

وذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره ما نصه : " قد تكون حالة يجب فيها نفير الكل ... وذلك إذا تعيّن الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر فإذا كان ذلك ؛ وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا أو يخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباباً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته ومن كان له أب بغير إذنه ، ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثّر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ، ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعْفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو إليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين ... " (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/97) .

فالعراق قطر إسلامي صال الكفار عليه فوجب على أهل العراق وجوباً عينياً رد العدو الصائل عن بلادهم ، ولا نعني بأهل العراق من يحمل الجنسية العراقية ، بل كل مسلم موجود في العراق مفروض عليه حمل السلاح ، فالمسألة ليست قومية جاهلية ، بل المسألة مسألة قطر إسلامي وجب على من فيه من المسلمين الجهاد ، ولا تُعتبر الحدود الجغرافية المصطنعة في تحديد هويّة أهل العراق ، فكل من كان بجوار المعارك من المسلمين سواء كان على الحدود الشامية أو الفارسة أو التركية أو جزيرة العرب معنيّون بهذا الحكم ، ثم إذا لم تحصل الكفاية بهؤلاء ولم يتم بهم صد العدو فإن الوجوب ينتقل إلى من خلفهم من المسلمين حتى يتم دحر العدو وتحصل الكفاية وإلا عمّ الفرض المسلمين في الأرض كلها ..

قال ابن عابدين رحمه الله : "وفرض عين إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسلام فيصير فرض عين على من قرب منه، فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو أو لم يعجزوا عنها ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه، وثم وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا على هذا التدريج" [وبمثل هذا أفتى الكاساني ، وابن نجيم ، وابن الهمام من الحنفية .. انظر : حاشية ابن عابدين (3/238) ، وبدائع الصنائع (7/72) ، والبحر الرائق لابن نجيم (5/191) ، وفتح القدير لابن الهمام (5/191) ]

وجاء في حاشية الدسوقي: "ويتعين الجهاد بفجء العدو، قال الدسوقي: (أي توجه الدفع بفجئ (مفاجأة) على كل أحد وإن امرأة أو عبدا أو صبيا، ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدين" [حاشية الدسوقي (2/174)]

ولا ندري من أين أتانا اليوم من يقول بأن جهاد الدفع يحتاج إلى إذن ولي الأمر !! إنّ كلام السلف كان على الخليفة نفسه أو حاكم الإقليم الشرعي الذي يحكم بشرع الله ولم يُعرف عنه تعطيل الجهاد ، أما حكام اليوم فكيف يستأذنهم الناس في الجهاد وهم يقتلون المجاهدين ويأسرونهم ويسلمونهم للنصارى !!

إن مثَل هؤلاء في مسألة استئذان الحكام لجهاد الدفع في هذا الزمان كمثل أبناء عدى رجل على بيتهم وشرع في هتك عرض أُمهم أمام أعينهم فتفرّق الأبناء يبحثون عن أبيهم ليستأذنوه في الدفاع عن عرضهم !!
أقول : كيف إذا كان هذا الأب دُيّوث لا يبالي بعرضه !! وكيف إذا كان هذا ليس أبوهم حقيقة وإنما رجل غصب بيتهم بالقوّة وفرض عليهم هذه الأبوّة !! وكيف إذا كان هذا الرجل الغاصب قد تواطئ مع الدخيل لهتك عرض أم هؤلاء الإخوة !! وكيف إذا قام هذا الرجل - الغاصب المتواطئ - بتقييد الإخوة وحبسهم لينظروا إلى عِرض أمهم يُنتَهك !!

لقد قبضت الحكومة "الكويتية" على مجموعة من الشباب ووجهت لهم تهمة رسمية في المحكمة عنوانها "الجهاد في العراق" !! هكذا قالوها !! لم يقولوا "إرهاب" أو "أصولية" أو غيرها من المصطلحات الشائعة التي عوّدونا عليها ، بل التهمة هذه المرّة "الجهاد" صراحة !! فهل بعد هذا الكفر : كفر !!

يُقتل أمريكي صائل في جزيرة العرب فتُستنفر الجيوش وإمكانات "دولة التوحيد" للثأر ممن قتل عدو الله المأمور بقتله من فوق سبع سموات ، ثم يزعم هؤلاء أنهم يطبقون الشرع !! شرعهم الذي يقول : بقتل المسلم المجاهد بالكافر الصائل ، شرعهم الذي يأمرهم بإغضاء الطرف عن قتل المسلمين وإبادتهم في فلسطين والعراق وأفغانستان وسائر الأرض !! يُقتل المسلمين في فلسطين والعراق على مرئى ومسمع العالم أجمع فيُطالِبون "الأمم المتحدة" بالتدخل ، ويُقتل الكافر فلا يشفي غليلهم إلا الإقتصاص له بأنفسهم من المجاهدين !! كيف بالله يُستأذن أمثال هؤلاء للجهاد في سبيل الله !!

وقل مثل هذا لمن يقول بوجوب التربية قبل القتال في هذا الزمان !! كيف تريد من هؤلاء الأبناء أن يذهبوا ليُربوا أنفسهم قبل أن يدافعوا عن أمهم !! وهل ينتظرهم المعتدي ريثما تنتهي تربيتهم !! كيف تُريدون من شباب الإسلام أن يدخلوا المعاهد والمدارس ويجلسوا في حلق العلم وهم يرون أخواتهم وأمهاتهم يُنتهك أعراضهن في سجون العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان وغيرها من البلاد الإسلامية !! في أي شرع أم بأي عقل يُستساغ مثل هذا المنطق المُشين !!

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :" بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر.." (الدرر السنية5/97-99) .. إذا كان الإمام المتبع لا يُستأذن في الجهاد المتعين ، فكيف بمن ذكرنا حالهم آنفاً !!

جاء في التاج والإكليل لمختصر خليل (كتاب الجهاد) "يتعين على كل أحد إن حل العدو بدار الإسلام محاربا لهم فيخرج إليه أهل تلك الدار خفافا وثقالا شبانا وشيوخا ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر ، وإن عجز أهل تلك البلاد عن القيام بعدوهم كان على من جاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة . وكذلك من علم أيضا بضعفهم وأمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج ، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ..... وقال ابن بشير : إذا نزل قوم من العدو بأحد من المسلمين وكانت فيهم قوة على مدافعتهم فإنه يتعين عليهم المدافعة ، فإن عجزوا تعين على من قرب منهم نصرتهم . وتقدم نص المازري : إذا عصى الأقرب وجب على الأبعد" . (انتهى) ..

وجاء في نهاية المحتاج للرملي: " فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم، من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة " [نهاية المحتاج (8/58)] ، وأين هذا ممن يصرف الرجال الأحرار البالغين القادرين عن الجهاد في العراق !!

وجاء في المغني لابن قدامة: "ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصَّفان حَرُمَ على من حضر الانصراف وتعيَّن عليه المقام لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا - إلى قوله - واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال : 45-46). وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله} (الأنفال : 15-16).
الثاني: إذا نـزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
الثالث: إذا استنفر الإمامُ قوماً لزمهم النفير معه، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض} (التوبة : 38) الآية والتي بعدها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا استنفرتم فانفروا" متفق عليه. [المغني (8/345)]

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ، وأنه يجب النفير اليه بلا إذن والد ولا غريم ، ونصوص أحمد صريحة بهذا" [الفتاوى الكبرى (4/608)] ..

وقال ابن تيمية رحمه الله أيظا (الفتاوى ج28) "فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين، فإنه يصير دفعه واجبًا على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين؛ لإعانتهم، كما قال الله تعالى‏:{‏وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعليكم النَّصْرُ إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ‏} (الأنفال : 72) ، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن‏.‏ وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله، مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو، الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج‏.‏ بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم‏{‏يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا‏} (الأحزاب : 13)‏‏ فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار ...." (انتهى كلامه رحمه الله) ..

وقد انقلبت الآية في أيامنا هذه فأصبح الذي يريد الجهاد ويعد له العدة : مذموم عند من يدعي اتباع الكتاب والسنة !!

قال ابن كثير في قول الله تعالى "إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير " (التوبة: 29) :
"أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وقد بوب البخاري (باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية) وأورد هذه الآية، وكان النفير العام بسبب أنه ترامي إلى أسماع المسلمين أن الروم يتعدون على تخوم الجزيرة لغزو المدينة، فكيف إذا دخل الكفار بلد المسلمين، أفلا يكون النفير أولى؟ قال أبو طلحة رضي الله عنه في معنى قوله تعالى: "خفافا وثقالا " ، كهولا وشبابا ما سمع الله عذر أحد " [مختصر ابن كثير (2/144)] ..

وقال القرطبي رحمه الله : " كل من علم بضعف المسلمين عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج اليهم " [فتح الباري (6/30)] ، فكيف يقول بعض الناس اليوم بأنه لا يلزم الخروج للجهاد وهذه نصوص السلف ، وهم يدعون أنهم يتبعون السلف !!

وجاء في الفتاوى الهندية (كتاب السير) ما نصه : "... ومعنى النفير أن يخبر أهل مدينة أن العدو قد جاء يريد أنفسكم وذراريكم وأموالكم فإذا أخبروا على هذا الوجه افترض على كل من قدر على الجهاد من أهل تلك البلدة أن يخرج للجهاد وقبل هذا الخبر كانوا في سعة من أن يخرجوا ، ثم بعد مجيء النفير العام لا يفترض الجهاد على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا فرض عين وإن بلغهم النفير ، وإنما يفرض فرض عين على من كان يقرب من العدو ، وهم يقدرون على الجهاد . أما على من وراءهم ممن يبعد من العدو ، فإنه يفترض فرض كفاية لا فرض عين حتى يسعهم تركه ، فإذا احتيج إليهم بأن عجز من كان يقرب من العدو عن المقاومة مع العدو أو تكاسلوا ، ولم يجاهدوا ، فإنه يفترض على من يليهم فرض عين ثم وثم إلى أن يفرض على جميع أهل الأرض شرقا وغربا على هذا الترتيب (اتنهى) ..

والأمر هنا ليس رأياً فقهياً تفرد به هؤلاء العلماء الأفذاذ ، بل هو إجماع من علماء الأمة قاطبة على أن العدو إذا دخل قطر إسلامي تعيّن الجهاد لدفعه :

قال ابن عبد البر في كتاب الإجماع "اتفق (علماء المسلمين) على أن قتال المشركين ، وأهل الكفر ، ودفعهم عن بيضة أهل الإسلام ، وقراهم ، وحصونهم ، وحريمهم ، إذا نزلوا على المسلمين ، فرض على الأحرار ، البالغين ، المطيقين " (انظر : مراتب الإجماع ص 119 ، وبداية المجتهد 1\368 ، والإستذكار) ..

وقال شيخ الإسلام بن تيمية: " وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعاً ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط (كالزاد والراحلة) بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم" (الإختيارات العلمية لابن تيمية ، وهي في الفتاوى الكبرى) ..

ولا يقف الأمر عند مداهمة الكفار لبلاد المسلمين ، بل يكفي أن ينوي الكفار غزو قطر إسلامي ليكون الجهاد فرض عين باتفاق العلماء ، قال الجصاص رحمه الله : " ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم فخافوا على بلادهم ، وأنفسهم ، وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين ، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم" (أحكام القرآن للجصاص : 3/114) .

وقال القرطبي رحمه الله "ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة ، وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ولا خلاف في هذا" (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/97) .

فماذا يقول من يُفتي بعدم الجهاد في العراق وفلسطين وقد دخل العدو واستباح الأعراض والدماء !! إن الإستباق يصدُق في أيامنا هذه على "دارفور" و"سوريا" وغيرها من الأقطار الإسلامية التي ينوي الكفار غزوها بعد العراق ، أما العراق فقد تعين الجهاد فيها من أول يوم أعلن فيه الكفار النية على غزوها .. وقتال الكفار الأمريكان تعيّن من أوّل يوم أعلن الأمريكان نيتهم غزو أول بلد إسلامي ..

لقد اختصر الشيخ المجاهد عبد الله عزام رحمه الله هذه الأحكام وساقها في سياق لا يحتمل التأويل ، فقال رحمه الله : "ففي هذه الحالة (إذا هاجم العدو دولة إسلامية) اتفق السلف والخلف وفقهاء المذاهب الأربعة والمحدثون والمفسرون في جميع العصور الإسلامية إطلاقا أن الجهاد في هذه الحالة يصبح فرض عين على أهل هذه البلدة -التي هاجمها الكفار- وعلى من قرب منهم، بحيث يخرج الولد دون إذن والده، والزوجة دون إذن زوجها، والمدين دون إذن دائنه، فإن لم يكف أهل تلك البلدة أو قصروا أو تكاسلوا أو قعدوا يتوسع فرض العين على شكل دوائر الأقرب فالأقرب، فإن لم يكفوا أو قصروا فعلى من يليهم ثم على من يليهم حتى يعم فرض العين الأرض كلها " (انتهى)

وأنا أنصح من أراد معرفة أحكام الجهاد أن يقرأ للشيخ عبد الله عزام ويُكثر من مطالعة كتبه ، فالرجل عالم مجاهد صادق لم يكن يخشى في الله لومة لائم ، ما كان يُحابي ولا يداهن حاكم أو دولة أو أي مخلوق كائنا من كان (نحسبه كذلك والله حسيبه) ، أو ينظر من شاء في كتب السلف ففيها غنىً عن كتب علماء هذا الزمان الذين لا يملكون من الحرية والرأي إلا ما يتفضل به عليهم حكامهم (إلا من رحم الله) !!

لكني هنا لا أبحث في فرضية الجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان والفلبين والسودان والشيشان وطاجيكستان وكشمير والهند والصين وغيرها من البلاد التي كانت يوماً للمسلمين فأستلبها الكفار وعدو عليها وصالوا ، فحكم هذا معروف مشهور ، ولولا خشية الإطالة لنقلت أضعاف ما نقلت آنفاً ، بل أريد هنا بيان حكم من يتجرأ على تغيير هذه الأحكام التي ذكرها الله في كتابه وبينها النبي في سنته وأجمع عليها الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين ..

من المعلوم لدى المسلمين أن مصادر التلقي في الإسلام هي : الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب والسنة فظاهر كونهما من مصادر التشريع (بل هما أصلي التشريع) ، وأما الإجماع فقد دل على كونه مصدر للتشريع قول الله تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء : 115) قال القرطبي رحمه الله " قال العلماء في قوله تعالى‏{‏ومن يشاقق الرسول‏} ‏دليل على صحة القول بالإجماع..." (انتهى) .. وغيرها من الآيات ..

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في ما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "لن تجتمع أمتي على الضلالة" وتقرير الاستدلال بهذا الحديث – كما قال الشوكاني في ارشاد الفحول - أن عمومه ينفي وجود الضلالة ، والخطأ ضلالة فلا يجوز الإجماع عليه فيكون ما أجمعوا عليه حقاً ..

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة" (قال الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1331 : حسن بمجموع طرقه)

وقال صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يجمع أمتي - أو قال : أمة محمد – على ضلالة ، ويد الله على الجماعة ، ومن شذ شذ إلى النار" (قال الألباني في صحيح الترمذي 1759 : صحيح دون "ومن شذ")

وقال عليه الصلاة والسلام "إن الله تعالى : لا يجمع أمتي على ضلالة ، و يد الله على الجماعة" (قال الألباني في صحيح الجامع 1848: صحيح)
__________________
جهاد غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 04:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)