[د. صالح التويجري]

بسم الله الرحمن الرحيم

فوضى العلاقات الاجتماعية 29/3/1424هـ

[align=justify]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ورضي عن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً ، ، ، أما بعد عباد الله :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فقد أوصى بها أنبيائه ورسله والمؤمنين ( يا أيها الـذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ) . . .

أيها الأخوة المؤمنون : وكما جاءت الشريعة بالعبادات والمعاملات واضحة منضبطة كذلك جاءت بالضوابط تحكم علاقات الناس وتحدد معالمها، وكلما كثر الناسُ وتنوعت أسباب التداخل وأساليب التواصل تأكدت الحاجة إلى الأخذ بالضوابط الشرعية وهي كفيلة بحماية الإنسان من الدخول فيما لا يعنيه، أو الخوض في جوٍ لا يحسنه .
ومن نماذج النصوص الشرعية التي لها مساس في العلاقات الاجتماعية قرباً وبعداً قوله تعالى : ( إنما المؤمنون أخوة ) ، وقوله تعالى : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد : "لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب" رواه أحمد وغيره، وعن أبي هريرة رضي الله عنه "والرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي.
عباد الله : ولقائل أن يقول: لماذا الحديث عن هذا الموضوع وما هي أسباب هذه الظاهرة ومفاسدها، فأقول:
إن الفوضى في تنوع العلاقات في تبيان الأعمار واختلاف المستوى العلمي، واختلاف الجنس بين الذكر والأنثى، مظاهر الصداقة مع الكفار أو الكلاب كلها نماذج من فوضى العلاقات وشاهدٌ ظاهرٌ للعيان في الأسواق والحدائق والمراسلات.

ومن أسباب الحديث الخلطُ الواضح بين المعرفة العابرة والصداقة، فإن الصداقة مرحلة متأخرة، أما المعارف فبمجرد اللقاء تزول النكارة، ومع هذا سوف تبقى الهيبة والحيطة والخصوصيات بمنأً عن التناول، وهذا ما لا يحسنه أبناء هذا الزمان من الشباب المراهقين، فهل يأخذون درساً تربوياً من الآباء والأخوة الكبار والأساتذة في تحديد معالم الصحبة والمعرفة حتى لا يكون هذا الخلط المذموم.

ومن أسباب ذلك وهو من مولدات الخلط ظهر تجاهل الخصوصيات وزحف التعامل إلى استهلاك الثقة وظاهرة المقايضات والتعويض، فلم يعد أمامك شخصية مستقلة ذاتُ حقوق واعتبار وإنما أشباح مهلهلة يسهل اختراقها، وتجاوزها بأدنى كلمة أو موقف .

أما أسباب هذه الفوضى والعشوائية في نشوء علاقاتنا فهي ترجع إلى أمور منها الفراغ الإيماني والروحي، فحين يخلو القلب أو يضعف فيه الإيمان يعوِّض صاحبُه بكثرة الأصحاب ليُذهب الوحشة ويملأ الفراغ وهذا بحد ذاته يزيد الطين بلة والكدر قتامة .
ومن ذلك الفراغ العاطفي فحين يخلو البيت من الحنان والحب والعطف والرحمة يحاول أفراده المحرومون تلمس مصادر أخرى تروي هذا العطش وتعوض ذلك النقص بأي علاقة كانت حتى ولو فيها حتفُه أو تدميرُ مستقبله .
ألا فلا نلجئُ أنفسنا وأهلنا وأبناءنا وبناتنا إلى البحث عن سوانا ولنخلق جواً هادئاً يؤلف ولا ينفر ويجمعُ ولا يفرق .

ومن أسباب فوضى العلاقات ضعف الشخصية، فإن الإنسان الضعيف لا يتحكم بمشاعره وعواطفه بل تعصف به في تيارات متنوعة، أما معالم الشخصية القوية من الصمت والتأني والهيبة والوقار، فإنها وقاية من الاختراق والاستهلاك . ومن ذلك ظاهرة التقليد الأعمى كمن يحب ويبغض بناء على الشهرة أو الشائعة أو بدعوى سعة المعارف وهواية جمع الطوابع .

وأخيراً دور وسائل الإعلام بتلميع من لا يستحق عبر المقابلات والمجلات ونسج مواقف وهمية لا تستحق الإشادة والثناء، هذه كلها شاركت في ظاهرة الفوضى، وجرّت على المجتمع مفاسد لا تحصى، وفي الشريعة وقاية من الغلو والجفاء .
واستغفروا ربكم إنه كان غفـارا . .[/CENTER]

الخطبة الثانية

[align=justify]الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد عباد الله :
وكما هو معلوم أن الأصل في الإسلام الجماعة ونصوص الشريعة تحذر من الوحدة، وهنا تأتي الموازنة والمفاضلة بين الخلطة والعزلة، ومحاسن كلٍ ومفاسده، وما يرجع إلى طبائع النفوس واختلاف الزمان والمصالح والمفاسد وخطورة الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، غلبةُ مفاسد الخلطة وانعدام المقاصد في نشوء العلائق واجتياحُ التبعية على غير هدى، وانسياق الأقران خلف بعضهم كأسراب القطا، في الأزياء والحركات والأكلات والقصات، بل ويتوارثون أمراضاً معدية في الأخلاق والعقائد والعبادات، والصاحب ساحب كما لا يخفى .

ومن شؤم تلك الفوضى :
أنها سبيل إلى كشف الأسرار لكثرة الخوض في الفضول والرغبة في ملء الوقت بالحديث ولو كان محرماً، ومنها تراكم الحقوق وضعف الوفاء وانقلابها إلى خصومات وعداوات ومراجعة للإرشيف وكشف المغطى وإخراج الوثائق ؟؟؟؟ .
وهكذا رفيق السوء :

عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الأصحاب

ومن مفاسد فوضى العلاقات فساد المزاج وتغلبه لكثرة الطبائع المؤثرة فيه فإن ظاهرة التذبذب والاضطرابات في المواقف والتحولات بين الجد والفتور والنشاط والخمول ترجع إلى تنوع المشارب والتلاعب بالعواطف وفي كلام من سلف : "لا تصاحب الأشرار الفارغين فإنك إن صاحبتهم كنت مثلهم"، "وشر بقاع الأرض الأسواق فإياك والتواجد فيها لغير حاجة"، "ومن فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه"، "واعتبروا الناس بأخدانهم فإن المرء لا يخادن إلا من يعجبه"، "ومن ستر علينا بدعته لم تخف علينا أُلفته"، "وإذا تلاحمت بالقلوب النسبة تواصلت بالأبدان الصحبة"، "وإخوان السوء ينصرفون عند النكبة ويقبلون مع النعمة"، "ومجالس أهل الأهواء ممرضة للقلوب" كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقال إبراهيم: "لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين"، "ولمجالسة أصحاب الأهواء معرّة كمعرة الجرب".

فينبغي للمسلم أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن رتبه في الخير قائمة من غير فتور .
ألا وإن مما يجب علينا تجاه أنفسنا وأهلينا أن نكون قدوة لهم في الاختيار والحديث عن معالم الصحبة ومخاطر الأشرار، والصبر معهم وعليهم حتى لا يختاروا غيرنا أو يجروا إلى بيوتنا من لا يُرضى خلُقه ودينه .

وصلوا وسلموا على عبدالله ورسوله كما أمركم الله في محكم كتابه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسلميا ).
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الدعاء . . .[/CENTER]

خطبة د. صالح بن عبد العزيز التويجري
جامع الرواف - بريدة