[غــيــر]

ذهبت لأستمتع برفقة العائلة في أبها(الأبهى هذا الصيف) وكنت قد عودت نفسي في مثل تلك المناسبات الاسترخاء والبعد عن الضجيج حتى من اتصالات الجوال والتي لم أعرها أي اهتمام إلا من اتصالات الوالدة وأخص الخواص ، ولا أرد على أي اتصال إلا ما ندر ، معتبرًا أن من يتصل ولم يكرر اتصاله أو يتبعه برسالة ليس أمره ذا بال أو أنه قد اكتفى عما يريد .
وهذه مسألة مهمة وخلافية من مسائل فقه الاتصالات التي يندر من يناقشها أو يبحثها !!
ذات يوم .. وجدت نفسي راغبًا في تقليب الجوال والنظر فيمن لم أرد على اتصاله ، فاخترت شخصًا زاملته لمدة سنتين فقط إلا أني رغبت أن أهاتفه حياءً منه، وبادرته بالاعتذار لعدم الرد ، ثم بدأت المفاجآت :
قال لي:عذر أقبح من فعل !!
تمالكت نفسي وقلت بكل أدب أبدًا يابو ... أنا لم أطنش مكالمتك ها أنا أهاتفك .
يبدو أنه ظن أنه والدي أو أني أحد أبنائه إذ جاءني بقصة خيل لي من خلال سرده لها أنه حفظها للتو ، فقال :
قال هارون الرشيد : من يأتيني بعذر أقبح من فعل؟
فغمزه أحدهم من قفاه ذات مرة ، فالتفت غاضبًا أشد الغضب فقال له الرجل : عذرًا يا أمير المؤمنين ظننتك زبيدة !! (زوجة هارون الرشيد)
أرجوا ألا تنسوا كاتب هذه المأساة وماذا جرى له ، مقابل قصة هارون الرشيد هذه مع أبي نواس ..
تمالكت نفسي _ والله العظيم _ مرة أخرى رجاء ماعند الله من ثواب كظم الغيظ والصبر على حماقة صاحبي ، وكان باستطاعتي وبكل هدوء أن أردها له بأسوأ منها ، لكني انتصرت صابرا وقلت مباشرة :
(تآمر على شي) قال بكل برود : لا . قلت : السلام . فرد السلام وانتهت المكالمة .
كنت على أمل أنه يمازحني وسيعتذر أو يرسل رسالة يبارك لي فيها حلمي الجم ..
شيئا من هذا لم يحدث ألبتة !!
صبرت يوما كاملا حتى كرهت اسمه في جوالي ولم أطق أن يكون ضمن قائمة الأسماء التي أتشرف بها ، فما كان مني إلا أن مسحت الاسم كليا لعلي أطفئ شيئًا من ذاكرة استخفافه واستحقاره ، ولا أكتمكم سرًا أني لازلت متأثرا بهذه المكالمة حتى الآن ، ولا أزيدكم بشئ مما جرى لي خشية أن أطيل أو أوصف بالمبالغة لكني أحتسب ذلك عند الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نسيت أن أقول لكم شيئا مهما ..
هذا الزميل لم يكن بيني وبينه أثناء تزاملنا أي علاقة غير العمل ولم يسبق أن قابلته أو شربت معه فنجال قهوة خارج العمل !!

إشارة :
(أكثر الناس لاينقطع لهم كلام ولا تهدأ لألسنتهم حركة،فإذا ذهبت لتحصي ما قالوا وجدت جله اللغو الضائع أوالهذر الضائع ، وما لهذا ركب الله الألسنة في الأفواه... وأكثر الذين يتصدرون المجالس وينحدر منهم الكلام متتابعا، يجزم مستمعهم أنهم لا يستمدون حديثهم من وعي يقظ أو فكر عميق ... فإذا تكلم المرء فليقل خيرا، وليعود لسانه الجميل من القول، فإن التعبير الحسن عما يجول بالنفس أدب عالٍ ...) .
الشيخ محمد الغزالي