|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#11 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الثالثة عشرة : اقتداء الفاضل بالمفضول : قال الله تعالى : {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (90) سورة الأنعام . تتحدث هذه الآية عن أنبياء الله تعالى الوارد ذكرهم في سورة الأنعام , وأن الله هداهم وأمر نبيهم بالاقتداء بهم . فاسم الإشارة : أولئك يعود على أنبياء الله تعالى المذكورين قبل هذه الآية , وذلك في لآيات التالية : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ , وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ , وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ , وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (83-86) سورة الأنعام . وهؤلاء الأنبياء عليهم السلام هم صفوة خلقه , منذ بدء الخليقة إلى نهايتها , وأفضلهم وأكرمهم وأشرفهم هو خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم , ومع ذلك فإن الله تعالى يأمر هذا النبي العظيم بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء , ولو كانوا أقل منه منزلة , لأن الحق أحقُّ أن يُتَّبَع . والسورة الكريمة ( سورة الأنعام ) مليئة بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء قبله , والاتعاظ بسيرتهم , لأنهم واجهوا في ذات الله من العَنَتِ والضيق من قومهم مثل ما واجهه صلى الله عليه وسلم فصبروا واحتسبوا , فليكن في ذلك قدوة لك يا محمد على صبرك واحتسابك . {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} (10) سورة الأنعام , {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (34) سورة الأنعام . وإن قصص الأنبياء عليهم السلام تثبيت لمقام خاتم المرسلين , لأن له فيهم أسوة حسنة , {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (120) سورة هود . نعود للآية في أول الوقفة . الآية مبدوءة باسم الإشارة ( أولئك ) وهو مكون من ( أولاء ) وكاف الخطاب , وهو جمع لاسم الإشارة : ذا , وقد يبدأ بهاء التنبيه فيقال : هؤلاء , ولكن حين تأتي كاف الخطاب في آخرها فإن الهاء في أولها تحذف لئلا تجتمع الزوائد على اسم الإشارة , فلا يقول : هؤلائك . واسم الإشارة هنا يعود على الأنبياء , فَتَمَّ جَمْعُه , والمخاطب به واحد وهو محمد صلى الله عليه وسلم , فتم إفراد حرف الخطاب وهو الكاف , ولو كان المخاطب جماعة ذكور أو جماعة إناث لأتى الضمير مطابقاً لحال المخاطبين كما قال تعالى : {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} (43) سورة القمر . والبدء باسم الإشارة هنا دال على تعظيم المشار إليه كما قال تعالى : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (2) سورة البقرة , {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } (88) سورة الأنعام . ثم أتى بعد اسم الإشارة اسم الموصول : الذين , وهو اسم مبهم لا يفهم إلا بصلته , وأتت الصلة بأعظم وصف وأشرفه , فقال : الذين هَدَى الله , أي هداهم الله , فأتى بالفعل مجرداً عن ضمير المفعول , ومتصلاً بالفاعل , ربما لعظم اتصال الهداية بالله تعالى , ولأن المهديين ( وهم الرسل ) معروفون بما سبق من الآيات , فلم يُحْتَجْ إلى إعادة الضمير , إضافة إلى أن الضمير مكني عنه قبلاً باسم الإشارة الدال على التعظيم . ثم قال سبحانه : فَبهداهم اقتدِه , الفاء سببية تدل على أن ما بعدها مُسَبَّبٌّ عما قبلها , أي أن هداية الله سبب للأمر بالاقتداء , والجار والمجرور ( بهداهم ) متعلق بالفعل بعده ( اقتدِ ) وقُدِّمَ الجار والمجرور لإرادة الحصر , أي لا تقتدِ إلا بِهُداهم , كما قال تعالى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (122) سورة آل عمران . ونسبة الهُدى إلى الأنبياء بعد نسبته إلى الله فيه إضافة تشريف لأنبيائه عليهم السلام . ثم ( اقْتَدِ ) أمرٌ من الله لنبيه بأن يقتديَ بهؤلاءِ القوم العظماء . والهاء هنا للسكت , وهو ما يسمى بالوقف , كما قال تعالى : { لَمْ يَتَسَنَّهْ } (259) سورة البقرة . وكأن الله تعالى أراد أن يبين أن الصلة بين محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء تنتهي بالاقتداء , ونِعمَ القدوة والمقتدِي والمقْتَدى به . ومن خلال هذا العرض الموجز للآية يتبين لنا كيف أن الله تعالى يأمر نبيّه أ يقتدي بمن دونه في الفضل ؛ لأنهم على الحق والهدى , ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة , فَحَقٌّ على المسلم أن يَقْبَلَ الحقَّ مهما كان , وأن يقتدِيَ بِمَن يحمل الحق ولو كان أقل منه فضلاً أو علماً . 13 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|