|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2004
البلد: في مهب الريح
المشاركات: 154
|
مظاهر الغلو في قصائد المديح النبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لانبي بعده و بعد منذ أن انتشر الإسلام أقبل الأدباء على مدح نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بمدائح كثيرة ، حفظ لنا التاريخ شيئاً منها ، ومن أقدمها ما جاء عن أم معبد - رضي الله عنها - من وصفها للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما حل بخيمتها في طريق هجرته إلى المدينة ، وكان من وصفها : ( إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق ، لانزر ولا هزر ) [1] . كما كان لشعراء الرسول - صلى الله عليه وسلم - كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير وكعب بن مالك والعباس بن مرداس وغيرهم قصائد عدة في مدحه ورثائه ، منها قصيدة حسان بن ثابت - رضي الله عنه - التي مطلعها : بطيبة رَسْم للرسول ومَعهد * * * منير ، وقد تعفو الرسوم وتهْمَد ولا تنمحي الآيات من دار حُرْمة * * * بها منبر الهادي الذي كان يصعد ومنها قصيدة كعب بن زهير - رضي الله عنه - التي قالها عند إسلامه ، واعتذر بها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وألقاها بين يديه في مسجده وسط صحابته ، ومطلعها : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * * * مُتَيَّم إثرها لم يُجْزَ مكبول وفيها يقول : أنبئت أن رسول الله أوعدني * * * والعفو عند رسول الله مأمول مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة * * * القرآن فيها مواعيظ وتفصيل لذاك هيب عندي إذ أكلمه * * * وقيل إنك مسبور ومسؤول من ضيغم من ضراء الأُسْد مُخْدرة * * * ببطن عثَّر غيل دونه غيل إن الرسول لسيف يُستضاء به * * * مهند من سيوف الله مسلول بل إن هناك من شعراء الكفار من مدحه وأثنى على أخلاقه الكريمة ، كعمه أبي طالب في قصيدته المشهورة ، ومنها قوله : وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجهه * * * ثمالُ اليتامى ، عصمة للأرامل وكالأعشى الكبير ميمون بن قيس الذي مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصيدة رائعة ، وجاء بها ليسلم عنده ويلقيها بين يديه ، ولكن قريشاً أغرته بالدنيا فعاد ومات كافراً . ومن قصيدته قوله : نبيٌ يرى ما لا ترون ، وذكره * * * أغار لعمري في البلاد وأنجدا له صَدَقاتٌ ما تُغِبُّ ونائل * * * وليس عطاءُ اليوم مانعه غدا وهكذا اتصل مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته ورثائه بعد مماته ، وذكر أخلاقه وأوصافه عند أصحابه والتابعين دون غلو أو تجاوز لحدود المشروع . وبعد قيام دولة بني أمية والحوادث التي جرت لآل بيت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وتشيع من تشيع لهم بدأت المبالغة في مدحهم والثناء عليهم ، حتى اشتهر شعراء بذلك ، وأكثروا منه ، كالكميت الأسدي ودعبل الخزاعي والشريف الرضي ومهيار الديلمي ، وهؤلاء جاءت مبالغتهم من غلوهم في رجالات آل البيت ، وتفضيلهم على من يرونهم أعداء لهم من الأمويين وغيرهم ؛ فموقفهم في الحقيقة سياسي أكثر من كونه معتمداً على اقتناعاتهم الشرعية ؛ فلهذا جاء كلامهم على آل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - دون غيرهم ، حتى النبي -صلى الله عليه وسلم- قل مديحهم له في مقابل مديحهم لآل بيت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - . ومن أشعارهم هاشميات الكميت وأشهرها : البائيتان واللامية والميمية ، يقول في إحدى البائيتين : إلى النفر البيض الذين بحبِّهم * * * إلى الله فيما نالني أتقرِّب بني هاشم رهط النبي فإنني * * * بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب وما جاء عن هؤلاء من المدح الخاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يكاد يكون مدحاً معتاداً لا نجد فيه ما سنجده في مدائح الصوفية في القرن السابع . ومن ذلك قول الكميت : وأنت أمين الله في الناس كلهم * * * عليها وفيها احتار شرق ومغرب فبوركت مولوداً وبوركت ناشئاً * * * وبوركت عند الشيب إذ انت أشيب وبورك قبرٌ أنت فيه وبوركت * * * به وله أهـل لذلك يثرب لقد غيَّبوا بِراً وصدقاً ونائلاً * * * عشية واراك الصفيح المنصَّب ومع ذلك كان مدح من مضى لآل البيت أكثره صادقاً ، لأنهم يمدحونهم والدنيا ليست بأيديهم خلاف شعراء الدولة العبيدية المنتسبة - زوراً - إلى فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - التي كان الشعراء يتزلفون إلى حكامهم بمدحهم ومدح آل البيت ومنه مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وهذا المدح غير داخل في حقيقته في المدائح النبوية ، لأنه مدح من أجل الدنيا ، لا لحبهم أو التقرب إلى الله بمدحهم ، ولهذا وصل الأمر ببعضهم إلى حد الشرك كابن هانئ الأندلسي ، حيث يقول في مدح المعز لدين الله الفاطمي : ما شئتَ ، لا ما شاءت الأقدار * * * فاحكم فأنت الواحد القهار ويقول : ولك الجواري المنشآت مواخراً * * * تجري بأمرك والرياح رخاءُ ولهذا كان مدح هؤلاء منصباً على حكام الدولة العبيدية ومن يزعم هؤلاء الحكام محبتهم من رجالات آل البيت ، ويقل فيه مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - . وتستمر المدائح النبوية دائرة حول أوصاف النبي -صلى الله عليه وسلم- الخُلُقية والخَلْقية المعروفة ، ولا نجد ذلك الغلو الذي يخرج بالمدائح النبوية إلى رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- فوق مقامه البشري ، وإضفاء بعض الصفات الإلهية عليه إلا في القرن السابع الذي يعرف في التاريخ الإسلامي بانتشار التصوف فيه إلى حد كبير ، مما أثر تأثيراً كبيراً على الشعراء الذين تسابقوا في مضمار المدائح النبوية ، بنَفَسٍ يخالف المدائح السابقة ، ويوافق الفكر التصوفي . وكانت البداية الفعلية لهذه المدائح بهذا النَفَس الصوفي المتميز على يد محمد بن سعيد البوصيري ، المتوفى في الإسكندرية سنة695 هـ ، فقد نظم عدة قصائد في المدائح النبوية ، وأشهرها قصيدتان : الأولى الميمية ، وهي على رواية الديوان (160) بيتاً ومطلعها : أمن تذكُّر جيرانٍ بذي سلم * * * مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم والأخرى الهمزية ، ومطلعها : كيف ترقى رقيَّك الأنبياء * * * يا سماء ما طاولتها سماءُ والميمية أشهر وأذيع عند عامة المتصوفين ومقلديهم ، وقد نسجت حولها المنامات والأساطير ، ابتداء بناظمها الذي جاء عنه أنه بسبب استشفائه بهذه القصيدة مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام عليه فبرئ من فالج كان أبطل نصفه وألقى عليه بردة ، فسميت القصيدة لذلك بالبردة ، ونسجت الأساطير لكل بيت من أبياتها ، وشاع التبرك والاستشفاء بها ، فصارت تسمى أيضاً : البُرْأَة ، والبُروة ، وقصيدة الشدائد ، وغالى المتصوفة وأتباعهم فيها ( حتى عملوها تميمة تعلق على الرؤوس ، وزعموا فيها مزاعم كثيرة من أنواع البركة ، وهم على ذلك إلى يومنا هذا ) [2] . ويظهر أن كل هذه التسميات كانت بعد موت البوصيري ، أما هو فسماها : (الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية) . وقد أجمع معظم الباحثين على أن ميمية البوصيري أفضل قصيدة في المديح النبوي من الناحية الفنية الأدبية - لا الشرعية - إذا استثنينا لامية كعب بن مالك (البردة الأم) ، حتى قيل : إنها أشهر قصيدة في الشعر العربي بين العامة والخاصة . ومهما يكن من أمر فقد أثّرت ميمية البوصيري في المدائح النبوية تأثيراً عميقاً ، حيث نقلتها مضموناً وقالباً . أما من حيث المضمون فقد نقلت المدائح النبوية من المدح المعتاد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأوصافه المشهورة المعروفة إلى أوصاف غلو ومبالغة ( على نحو إعجازي خارق ، بالغ المثالية ، بالغ الكمال ، وبالغ الجلال ... يرقى بالنبي إلى درجة ربانية ) [3] ، ويسمون هذه الأوصاف : (الحقيقة المحمدية) التي يدعي المتصوفة أن غيرهم لا يعرفونها ؛ ولهذا فهم يحملون كل غلو في ميمية البوصيري وغيره ممن سار على دربه على أنه من الحقيقة المحمدية التي ينفردون بمعرفتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - . أما من حيث القالب فقد جعل المدائح النبوية تتكون من ثلاثة أجزاء : الأول يسمى النسيب النبوي ، وهو التشوق إلى المدينة النبوية التي تضم قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها جرى أغلب أحداث سيرته ، ويتلو هذا النسيب بعض الحِكَم التي تحذر من الدنيا وأهواء النفس ، وهذا الجزء يمثل من ميمية البوصيري الأبيات من (1 - 33) ، ومن أجملها قوله : والنفس كالطفل إن تهمله شب على * * * حب الرضاع ، وإن تفطمه ينفطم وقوله : وخالف النفس والشيطان واعصهما* * * وإن هما محَّضاك النصح فاتهم ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً * * * فأنت تعرف كيد الخصم والحكم والجزء الثاني مديح النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرض سيرته ، وهذا الجزء هو غرض القصيدة ، وفيه يذكر الشاعر سيرته من مولده إلى وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، ويتكلم على معجزاته وخصائصه ... ويمثل هذا الجزء من القصيدة الأبيات من (34-139) ، ويبدؤه بقوله : محمد سيد الكونين والثقلي * * * ن والفريقين من عُرب ومن عجم وفي هذا الجزء أغلب الغلو المشار إليه من قبل ، وكأن بعض المتأخرين عن البوصيري أحسَّ شدة هذا الغلو فأراد أن يخففه فزاد في القصيدة - وما أكثر ما زيد عليها - بيتاً ناشزاً ألقاه في مكان غير مناسب في القصيدة ، وهو قوله : فمبلغ العلم فيه أنه بشر * * * وأنه خير خلق الله كلهم ولم يرض كثير من الصوفية هذا البيت للنص فيه على بشريته وأنها منتهى العلم فيه ، فغيروه إلى : مولاي صلِّ وسلم دائماً أبداً * * * على حبيبك خير الخلق كلهم ونسبوا فيه مناماً خاصاً للبوصيري ، فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي ألقى بشطره الثاني على البوصيري . والجزء الثالث هو إقرار الشاعر بذنوبه وطلب العفو عنها ، ويشمل هذا الجزء الأبيات من (140-160) ويبدأ إقراره بقوله : خدمته بمديح أستقيل به * * * ذنوب عُمْرٍ مضى في الشعر والخدم ثم يقول : لم تشتر الدين بالدنيا ولم تَسم * * * فيا خسارة نفس في تجارتها ولكن طلبه للعفو كان موجهاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا من أكبر انحرافات البوصيري ، وقد كرر هذا في عدة أبيات ، منها : إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض * * * من النبي ، ولا حبلي بمنصرم فإن لي ذمةً منه بتسميتي * * * محمداً ، وهو أوفى الخلق بالذمم إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي * * * فضلاً فقل يا زلة القدم يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به * * * سواك عند حلول الحادث العَمِمِ وعندما ذكر العفو والرحمة من الله رجا أن تكون الرحمة مقسومة حسب العصيان ، لا الإحسان ، فقال : لعل رحمة ربي حين يقسمها * * * تأتي على حسب العصيان في القسم وفي آخر هذا الجزء يختم القصيدة بالصلاة والسلام الدائمين على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الجزء يكثر فيه دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستغاثة به وإضافة صفات ربانية إليه ، وإن كان الجزءان السابقان لا يخلوان من مثل ذلك ، كقوله : أقسمت بالقمر المنشق أن له * * * من قلبه نسبة مبرورة القسم وقوله : ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به * * * إلا ونلت جواراً منه لم يُضم هذه هي ميمية البوصيري التي كان لها أعظم الأثر في المديح النبوي ، وتحويلها من مسارها السليم إلى مسار مليء بالانحرافات الشرعية ، وقد ساعد المتصوفة وأصحاب الطرق على نشرها بغنائها وانشادها وتلحينها في كل مناسبة حتى الحروب فضلاً عن الأفراح والأحزان والموالد المبتدعة واحتفالات الحجيج . ولم يقتصر أثرها على العامة ، بل تعداه إلى الخاصة ؛ إذ تزاحم الشعراء العرب وغير العرب على تقليدها ، وتفننوا في ذلك حتى أنشؤوا فيها فنوناً أدبية منها : أ- البديعيات التي تسير على نهجها وزناً وروياً ومضموناً وأجزاءً ، ويكون كل بيت من أبياتها خاصاً بلون من ألوان علم البديع في البلاغة كبديعية صفي الدين الحلي (750 هـ) ومطلعها : إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم * * * واقرا السلام على عرب بذي سلم وبديعية عز الدين الموصلي ومطلعها : براعة تستهل الدمع في العلم * * * عبارة عن نداء المفرد العلم ب- المدائح النبوية التي فيها التورية بكل سور القرآن ، ومن أشهرها قصيدة ابن جابر الأندلسي (780 هـ) ، ومطلعها : في كل فاتحة للقول معتبرة * * * حق الثناء على المبعوث بالبقرة وقد عارض ابن جابر في قصيدته هذه عدة شعراء حتى أُلِّف فيها كتاب مستقل وهو كتاب : (المدائح النبوية المتضمنة لسور القرآن الكريم لهاشم الخطيب) . ج - معارضتها وتشطيرها وتخميسها وتسبيعها ... ومن أشهر من عارضها من المحدثين : محمود سامي البارودي بمطولة بلغت (447 بيتاً) هي : (كشف الغمة في مدح سيد الأمة ! ) ، ومطلعها : يا رائد البرق يمم دارة العلم * * * واحْدُ الغمام إلى حي بذي سلم وأحمد شوقي في قصيدة في (190 بيتاً) سماها : (نهج البردة) ، مطلعها : ريم على القاع بين البان والعلم * * * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم وقد زاد الغلو في المدائح النبوية منذ عهد البوصيري إلى بدايات العهد الحديث ، ومن أمثلة هذا الغلو والمغالين محمد بن أبي بكر البغدادي الذي صنف ديواناً كاملاً باسم : (القصائد الوترية في مدح خير البرية) نظم فيه 29 قصيدة ، وكل قصيدة منها 21 بيتاً . بحيث تبدأ أبيات كل قصيدة بحرف وتنتهي به نفسه ، ومن مدحه الغالي قوله : أغثني ، أجرني ، ضاع عمري إلى متى * * * بأثقال أوزاري أراني أُرزأُ وقوله : ذهاباً ذهاباً يا عصاةُ لأحمد * * * ولوذوا به مما جرى وتعوَّذوا ذنوبكم تُمحى وتعطون جنة * * * بها دُرَرٌ حصباؤها وزمرد ومن أشد الغالين : عبد الرحيم البرعي اليماني ، فله ديوان شعر أكثره مدائح نبوية ، ومن مدحه الغالي قوله : سيد السادات من مضر * * * غوث أهل البدو الحضر وقوله : يا سيدي يا رسول الله ، يا أملي * * * يا موئلي ، يا ملاذي ، يوم تلقاني هب لي بجاهك ما قدمت من زلل * * * جوداً ورجح بفضل منك ميزاني واسمع دعائي واكشف ما يساورني * * * من الخطوب ونفِّس كُلَّ أحزاني وكذلك أكثر من عارض البردة قديماً وحديثاً - وما أكثرهم - تأثر بما فيها من غلو . وقد تأثر كذلك المتأخرون بهذا الغلو ، فمستكثر ومستقل ، فهذا البارودي يقول : أبكاني الدهر حتى إذ لجأت به * * * حنا علي وأبدى ثغر مبتسم وهذا أحمد شوقي يقول : فالطف لأجل رسول العالمين بنا * * * ولا تزد قومه خسفاً ولا تسُمِ ويقول في أحد المدائح الخديوية : إذا زرت يا مولاي قبر محمد * * * وقبَّلت مثوى الأعظم العطرات فقل لرسول الله : يا خير مرسل * * * أبثك ما تدري من الحسرات وهذه شاعرة معاصرة ألفت كتاباً كاملاً من شعر التفعيلة باسم : (بردة الرسول) من أجل أن تشفى من مرض عانت منه طويلاً ، ملأته بالغلو ، ومن مثل قولها : يا سيدي ، اسمع دعائي ... كن مًعين وأجب رجائي ، يا محمدنا الأمين أما هذا الغلو عند شعراء الصوفية ومقلديهم فأشهر من أن أشير إليه هنا . ومما سبق نستخلص أن المدائح النبوية الغالية منذ البوصيري ومن قلده لا علاقة لها بالمدائح النبوية قبلها ؛ لأنه شتان بين التصور الواقعي البشري كما صوره شعراء المديح النبوي الأوائل من أمثال كعب بن زهير وكعب بن مالك وحسان بن ثابت ، ومعاصريهم ، وبين التصور المتأخر للرسول - عليه الصلاة والسلام - عند شعراء المديح النبوي المتأخرين الذين أحالوا شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى سلسلة طويلة من الخوارق والمعجزات والقدرات فوق الطبعية ، حتى بات النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا طبيعة إلهية لا بشرية [4] . ومع هذا فقد بقي كثير من الشعراء قديماً وحديثاً بمعزل عن هذا الغلو ، ولكن الحديث الآن ليس عنهم ، والله أعلم . سليمان بن عبد العزيز الفريجي ________________________ (1) المستدرك على الصحيحين ، 9/3 ، وغريب الحديث لابن قتيبة 1/ 463 ، وانظر الإصابة في ترجمة أم معبد . (2) دراسة محمد النجار لبردة البوصيري ، ص 62 عن كتاب المقفى للمقريري . (3) دراسة محمد النجار للبردة ، ص 11 . المصدر : مجلة البيان - العدد 139 - ربيع الأول 1420 هـ
__________________
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|