[المتينيات]

رغم الفرح الغامر وانا اشتم رائحة الرمث والطرفاء وبعض (القحويان) والنفل النابت لتوه بالأرض ورغم الرمال المذهبة بحبيبات الرمل المصفر والتلال شبه الصدفية على نفود الطرفية شرق بريدة ورغم هذا وذاك فقد شعرت يوم الاربعاء الماضي بسحابة حزن عاصفة (مرعدة) لا ممطرة هذه السحابة المجللة بالعتاب والملامة المفتوحة ليس بسبب ذاكرة التاريخ وان كنت دائماً اتذكره واترحم عليهم اسكنهم الله في جناته وتقبلهم بواسع رحمته شهداء إن شاء الله معركة الصريف والطريفة ومعركة الطرفية الثانية في بداية توحيد هذه البلاد على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز يرحمه الله. لم اقصد استرجاع ماضي قوافل الحج والتجارة التي تفد من البصرة والخليج العربي لتخترق منطقة القصيم مارة بالطرفية والصريف بطريقها إلى مكة المكرمة ولا حتى الذاكرة القريبة في رحلات العقيلات المتجهة إلى العراق أو متياسرة غرباً إلى الشام ومصر.. أنا لم اقصد تلك الذاكرة القديمة طريق الحج البصري ولا طريق العقيلات ولا ذكرى معركة الصريف والطرفية انما اتحدث عن حاضر الطرفية تلك الرمال المتموجة والمتعاشقة تلك التلال المخضبة بحب الناس تلك الهضاب الرعوية المنساحة بتودد على الحافات الجبلية والمنفصلة في حداً (برزخي) ما بين السباخ المحلية ورمال (طرفية القلب) كما يسميها أهلها.
عندما وقفت معتلياً رمال الطرفية وانا امد النظر الافقي لأرى رمال صعافيق ونفود بريدة وصفراء الاسياح وارى الزحف السكاني في عصر ذلك اليوم باتجاه نفود الطرفية والذي اطلق عليه رسمياً «منتزه القصيم الوطني» اي انه ليس منتزهاً محلياً بل على مستوى المنطقة. فقد شاهدت تحركا سكانيا ليس من مدينة بريدة بل من النواحي البعيدة أو ربما من خارج المنطقة وأرى الخيام بتعاشق ابيض ورمادي وزيتي لخيام متلاحمة وكما يقول عشاق الطرفية : «انها تماثل خيام منى في ايام الحج» وان كان هذا مبالغة لكنه شكل من اشكال خيام منى في المشعر المقدس.. حقيقة زحف من السكان قرروا ان يعيشوا لايام أو لأشهر في هذا المنتزه الجميل.

وعتبي المبطن بالامل إلى امارة منطقة القصيم وإلى وزارة الداخلية، ووزارة النقل ووزارة البلديات، ووزارة المياه، ووزارة الزراعة، ووزارة الصحة وهيئة السياحة بأن يشكلوا المنتزه ويضعوه حقيقة على أرض الواقع لا على خرائط السياحة فإذا كانت الجهات الرسمية قد اقرت وحددت ان نفود الطرفية متنزه للمنطقة ووضعت لوحاتها التعريفية والارشادية فلماذا لا تستكمل جميع احتياجات المتنزه البري، لماذا العمل على استحياء من وزارة النقل ووزارة المياه ولماذا اللامبالاة من وزارة الداخلية وتحديداً اجهزة الدفاع المدني والشرطة والمرور ووزارة الصحة وهذا الموقع الطرفية يَضُم الاهالي والشباب وتجمعا سكانيا كبيرا تركوا منازلهم وبيوتهم للاستمتاع بتلك الرمال والامسيات الربيعية.

ادرك جيداً ان امارة منطقة القصيم لا تستطيع ان تمد خدماتها لكل تجمع ترويحي ولكل متنزه لكنها قادرة على تحديد أولويات تلك المنتزهات والضغط على اجهزة أو لنقل توجيهها لمد الخدمات لتلك المتنزهات فما يتعلق بوزارة النقل فإن هناك طريقين يوصلان إلى نفود الطرفية هما طريق (التطعيس) بريدة عسيلان الطرفية والآخر طريق بريدة الطرفية الاسياح. وهذان الطريقان بحاجة إلى اعادة تخطيطهما ورسمهما وبخاصة الطريق المؤدي إلى الطرفية وفي المسارين لا يتجاوز (30) كلم أو يقل عن ذلك وفي هذين المسارين يحدث زحام شديد وحوادث قد تؤدي إلى وفيات أو تشوهات والاسفلت متعرج ومتآكل نظراً لقدمه وتأثير الامطار فالخطورة فيه متوقعة في كل لحظة.. أما ما يتعلق بوزارة المياه فقد قدمت خدمتها على استحياء بأن اوجدت بعض صهاريج المياه (وايت) من وقت لآخر وهذا بالطبع ليس كافياً ونحن نعلم ان مياه الطرفية مياه فوارة حين كانت عيون المياه في بعض مزارعها فوارة وتسيح على وجه الأرض وهذا مشجع لأن تقوم وزارة المياه بحفر احدى الآبار للمتنزهين صيفاً وشتاءً وللبادية الرعاة وعابري السبيل والجميع يدرك ان هذا ليس مستحيلاً فهناك رخص تمنح لحفر الآبار داخل المنازل لمساحة أراض لا تتجاوز (900 م) ولمزارع صغيرة واستراحات متواضعة فلماذا لا تبادر الوزارة لايجاد موقع مائي دائم.. أما وزارة الزراعة فهي مسؤولة عن زراعة بعض المسطحات الحدودية للمتنزه وتشجير بعض المنخفضات والرياض بأشجار دائمة واستزراع اطراف المنتزه ونشر البذور الموسمية في نواحيه.

(يتبع الاثنين القادم).

د.عبدالعزيز جارالله الجارالله / جريدة الرياض .