بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » بين الرمزية والوضوح ..!

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 24-11-2010, 03:57 AM   #1
دعبل نجد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
البلد: !!!
المشاركات: 2,024
بين الرمزية والوضوح ..!

من حكمة الله تعالى ورحمته بخلقه أن جعل بينهم وسائل وقنوات للتواصل وتبادل المعلومات والمشاعر , فمن خلال هذه الوسائل يتعرف الناس على أخبار الأقارب والأباعد واستلام وتوصيل الرسائل وغير ذلك مما يحتاجونه لتسيير حياتهم ..
ومن نعمته سبحانه على العرب أن أرسل لهم الرسول الذين يبلغهم الرسالة بلغتهم هم ولم يكلفهم عناء البحث والتفسير لتقوم بذلك عليهم الحجة وليكلفوا بتبليغ الرسالة لغيرهم لما منحهم الله من صفات تؤهلهم للقيام بمثل هذه الأمور .
فقيام الحجة مرهون بفهم المتلقي وحتى يفهم المتلقي لا بد أن يخاطب بلغته التي يعرفها ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها , ومن المحال في الميزان السماوي أن يؤاخذ إنسان بذنب قبل أن تثبت عليه الحجة , ولو كان لكان ظلما والميزان السماوي منزه عن الظلم , ولأن فيه تكليف بما لا يطاق والله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها وطاقتها .
إننا عندما نريد إيصال رسالة ما لأحد ما يتوجب علينا أن نتيقن من بلوغها له وفهمه لها وإلا فإننا لن نقوم بحق التبليغ حق القيام ..
أن أجمع مجموعة من العجم ثم أخطب فيهم بلغة عربية وآمرهم بأمر وأنهاهم عن أمر ثم بعد الخطبة مباشرة أجدهم يرتكبون ما نهيتهم عنه ويتركون ما أمرتهم به لا يجوز أن أقول أنهم يستحقون العقاب أو الزجر بل أنا من يستحق العقاب والزجر فهم جلسوا أمامي وفغروا أفواههم وأصغوا لي أسماعهم ولكني لم أحسن الوصول إلى أفهامهم ولم أحترم أسماعهم أن أسمعتهم ما لا يفهمونه ..!
وهذا منهج رباني وهو الاهتمام بحال المدعو حالا ولغة وأكبر دليل على ذلك التدرج في التشريع وإرسال كل رسول بلسان قومه وضرب الحجج العقلية والحسية حتى يتوصل المراد وهو بعيد كل البعد عن اللبس والاشتباه حينها تقوم الحجة ويتم البلاغ .!
و أدبيا فإن التحدث أمام أحد بلغة لا يجيدها نوع من الخفة والاحتقار لهذا المخاطَب وأيضا نوع من العلو والبطر من المتحدث نفسه مادام عالما بأن المخاطب لا يفهم ما يريد وفي النهاية هو استعراض للعضلات ومضيعة للوقت لا أقل ولا أكثر ..
وقد يتحدث المتحدث بلغةٍ معروفة لدى المتلقي ولكنها غير مفهومة لما فيها من التقعر والتشدق والتفيهق وقد ورد الوعيد في النص النبوي المشهور لمثل أولئك ونتيجتها كنتيجة سابقتها تماما مادام أنه لن يخرج منها بفائدة .
حتى ولو كان حديثه صحيح لغويا إلا أن العرف متبع في اصطلاحات كل جيل كما يقول الدكتور عيد الطيب في كتابه علم اللغة ص12 حيث يقول (( وسواء أكانت اللغة صوتية أم كتابية أم إشارية فإنها لا تؤدي مهمتها ولا تقوم بوظيفتها على الوجه الأكمل إلا إذا خضعت لعرف الجماعة وما اتفقوا واصطلحوا عليه فالأصوات تصدر بطريقة تعارف عليها أبناء الجماعة وتوارثوها عن آبائهم وأجدادهم ))
ويؤيد ما ذهب إليه الدكتور عيد ما قاله ابن خلدون ونقله عنه الدكتور في نفس المصدر السابق , حيث قال: (( فإن العرف عقد اجتماعي غير مكتوب , لا يجوز الإخلال به , وفي تعريف ابن خلدون ما يفهم منه ذلك إذ قال : وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم )).

نخلص من هذا أن التحدث بلغة صحيحة أمام أهلها وهم لا يفهمونها بمعنى التحدث في غرائبها أو التحدث فيها بتقعر بعيد عن فهم السامعين فهو تماما كما لو تحدث بلغة غير لغتهم إذ أن النتيجة واحدة و في كلا الحالتين سيخرج الجمع بلا فائدة .

ومن ذلك أيضا كثرة الترميز الغير مفهوم وخصوصا في الأعمال الأدبية التي بدأ الأدباء مؤخرا يكثرونها في نصوصهم حتى أصبحنا لا نفهم كثيرا مما يقولون بسبب هذا الغموض الذي يضفونه على كلامهم وكأنهم يلغزون ما يريدونه ويطلبون من المستمع أن يضيع الساعة والساعتين حتى يركب جملة يفهمها مما يقولونه وكأن المسألة أصبحت مسألة من مسائل الحساب التي تحتاج إلى حساب وتقديم وتأخير وشطحوا وأبعدوا كل البعد عن الهدف الأساسي من النص الأدبي وهو إيصال رسالة سامية بمظهر جميل يتقبله المتلقي بسلاسة , ولكن للأسف أصبح المتلقي هنا يأخذ ويعيد ويجمع ويطرح ويقف ويسأل ويعود للقاموس إلى آخر هذه الأمور حتى يشكل جملة مفيدة مما سمعه والمصيبة عندما يكون المعنى تافها بعد كل هذا الجهد ..
لست هنا أعترض على الترميز عموما بل الترميز القليل الممتع المفهوم لا بأس به وقد ورد في كثير من النصوص الأدبية القديمة ولكنه كما أسلفت ترميز ممتع لا معجز وهنا المحك إذا أننا نتحدث عن وسيلة تواصل وإفهام وهذا هو أصل اللغة التي تتعارض تماما مع الترميز الغير مفهوم ولو رجعنا إلى معنى اللغة عموما لوجدناها عند ابن جني مثلا (( أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم )) ونقف كثيرا هنا عند الفعل يعبر ونقف أكثر عند كيفية التعبير بين السامع والمستمع ..!
واللغة عند ابن فارس بكل بساطة هي (( ما سُمع وما فُهِم )) فقط ..!
أرأيتم أسهل من هذا التعريف وأجمع منه , إذا كل ما سمع ولم يفهم لا يمت للغة بصلة أي لغة وكل ما فهم ولم يسمع فهو من قبيل الإشارة الحركية وليس هذا محل حديثنا ..

ولو وضعنا الترميز في هذا الميزان اللغوي لخرجنا بقيد مهم وهو أن يكون الترميز غير ممتنع الفهم فإن كان ممتنعا فهو مصادم للغة عموما ولا يجوز أيضا أن نلغي الترميز بناء على ذلك التعريف ولكننا نقيده بذلك القيد .

يقول الدكتور عبدالرحمن العشماوي في كتابه علاقة الادب بشخصية الأمة عندما تحدث عن الوضوح والمباشرة حيث أدرج لنا تحت هذه النقطة كلاما عن الترميز بين فيه حقيقته وهدفه وما هو المقبول منه وما هو المردود فيقول : (( ولا بد من الاشارة إلى " الرمزية " عندما نتحدث عن الوضوح والمباشرة لأنها إنما طرحت في شكل قضية أدبية ملحة بعد اجتياح موجة الغموض والإبهام لمساحة كبيرة من النصوص الأدبية في العالم . وكان ذلك الغموض الموهم نتيجة طبيعية للرمزية التي نادت بتغيير وظيفة اللغة الوضعية بإيجاد علاقات لغوية جديدة تشير إلى موضوعات غير معهودة تؤدي إلى تغيير مقام الكلمات ومجرى الصياغات المألوفة .. ولذلك لا يستطيع القارئ أو السامع أن يجد المعنى الواضح المعهود في الأدب الرمزي ..))
وتأمل معي قوله ((ولذلك لا يستطيع القارئ أو السامع أن يجد المعنى الواضح المعهود )) .

إن الرسالة الملقاة على عاتق كل أديب وصاحب دعوة : أن يحاول الوصول للمستمع بأي شكل من الأشكال بعيدا عن فتل العضلات والتشدق والتفيهق الممجوج وإلا فليدع أدبه في أوراقه وليرح الناس منه والنتيجة واحدة ..!
__________________
مَـنْ يـُعَـمّـَرْ يـَجِـدْ أَحِـبّـَاءَهُ فِـيْ الأَرْضِ أَوْفـَى مِمَّنْ عَـلَيْـهَا وَأَحْـنَـى ..!
دعبل نجد غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:11 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)