بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » أحقّا ماتت ؟!

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 19-12-2010, 04:40 PM   #1
مجنون بريده
عـضـو
 
صورة مجنون بريده الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 441
أحقّا ماتت ؟!

أحقّا ماتت صائمة النهار وقائمة الليل ؟!


أحقّا ماتت من تنهمر دموعها خشية لله كالسيل ؟!


أحقّا ماتت من قضت أيّامها بين سجود وركوع وقيام لله ربّ العالمين ؟!


أحقّا ماتت بلسم العين ومهجة الفؤاد ؟! أحقّا لا أستطيع تقبيل الجبين ؟!


أحقّا لا تلاقي ؟! أجيبوني فقد مللت سكب دموع المآقي !!


..........................


أريد أن أستجمع قواي لأتكلّم عنها في بضعة سطور ,, ولن أفيها حقّها لو أكتب عنها _ دون توقّف _ لشهور !!


فلإن كان الهمّ في داخلي مستور ,, ولإن صعبت عليّ مهمّة وصف الشعور ,, ولإن كنت حينها بصمتي مبهور


فلن أستكين بعد أن قتلت لوعة الفراق ماتبقّى من سرور ,, وأقست كثيرا على قلبي المكسور !


..........................


ودّعت والدتي وبوداعها حرمت نعمة الأمومة ,, وبوداعها انطفأت مصابيح الأمومة الثلاث !!


فا الظلام يكسوني من كل جانب ,, ولم تعد للحياة نكهة بعد أن أقضت مضجعي النوائب !


أتسائل بيني وبين نفسي , أحقيقة فقدها أم خيال ؟! , رحمتك وسكينتك أرجو ياذا الجلال


.........................


بكاها الصغير والكبير ,, القريب والبعيد ,, الذكر والأنثى , وبني الإنسان عامّة


وستبكيها الحيوانات والطيور وستتلوّى حزنا على فقد من كان يعطيها طعامها ليلا ونهارا , سرّا وجهارا


كيف لا تبيكها , ووالدتي _ رحمها الله _ تؤثر الطيور على نفسها في حال لم تجد ماتطعمه للحيوانات ؟!!


والله ثمّ والله ثمّ والله , إنّي لأدخل على والدتي _ رحمها الله _ في بيتها القديم فأجدها حاملة الأكياس المملوءة بالأرز


فنذهب سويّا لإطعام القطط والطيور , فنجدهنّ بإنتظار والدتي بكل شوق وحبّ !!


فيأكلن سويّا ولامكان للخوف في قلوب الطيور من وحشيّة القطط , فالطيور بوجود والدتي _ رحمها الله _ في أمن وأمان ورغد عيش واطمئنان !!


وستبكيها الجمادات لوعة وأسى على فراق الحبيبة ,, ستبيكها أركان البيت , سيبيكها مصلّاها وسجّادتها , سيبيكها كلّ شيء وحقّ لهم أن يبكون !!


.........................................


أحبّ بين الحين والآخر أن أسمع والدتي _ رحمها الله _ كلاما معسولا وأتغزّل بها ,, لأرى إبتسامتها المشرقة رغم ملامحها المرهقة , وقد زيّنت وجهها لتدعوا لي بالخير وتسمعني كلاما سأتلذّّذ بترديده مادمت حيّا !


أذكر في آخر أيّامها _ رحمها الله _ وبحضرة أخواتي ,, جئت إليها في غرفة الجلوس فقبّلت رأسها فبدأت تصرخ في وجهي , فقلت بلهجتي العامّية : وش بك يابعد روحي أنتي ؟


فوالله وتالله لقد أمسكت برأسي بكل ما أوتيت من قوّة لتطبع في خدّي قبلة أضحكتني وأبكتني في الوقت نفسه !


لا أخفيكم في آخر أيّامها كانت تساورني الشكوك في فقدها وتهلكني المخاوف والشكوك عندما أذهب للنوم


فعندما أكون على فراشي ,, أسمع صراخ الأطفال وبكائهم فينقبض قلبي فأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ووساوسه !


وقبل وفاتها _ رحمها الله _ بثلاثة أيّام ذهبت إلى إحدى بناتها لتنام عندها بضعة أيّام , ولتعاود بعدها لبيتها عند والدي الغالي


وعند إركابها في سيّارتي كانت لاتودّ الركوب , ولكن تلبية لطلب العمّة ونداءاتها المتكرّرة أن تبيت في بيتها , أرغمت والدي على تنفيذ طلبها وهو مكره !


فكان والدي يقول : أميمتي راحت لأختي وأنا ماودّي تروح !!


وفي ليلة وفاتها يرى والدي في منامه بعضا من أسنانه تتساقط فانقبض قلبه , ليتّصل في الصباح الباكر على أخته ولكن جوّالها مغلق ,ويكرّر الإتصالات ولكن لا فائدة !


وفي ظهيرة لاتنسى , وفي يوم عاشوراء بالتحديد , وبعد أدائي لصلاة الظهر والجلوس مع الأهل , أردت الإسترخاء قليلا لحين دخول وقت صلاة العصر


وفجأة سمعت صوت طرق باب أخي محمّد وصوت صراخ أبي , فنظرت للساعة فإذا وقت الصلاة بقي عليه طويلا ,, فساورتني الشكوك , وقبل أن أقوم دخل عليّ أبي وهو ينادي وينشج بكلام لم أفهم منه إلا قوله : أمّي أمّي !


فذهبنا مسرعين والله لكأننا سكارى ومانحن بسكارى ولكنّ الموقف وأيم الله لعصيب , ووصلنا لبيت العمّة ولا أدري كيف اهتدينا للطريق ؟!


فدخلنا على الغرفة فوجدنا والدتي ممدّدة على فراشها لا حراك ,, ناديتها وقلّبتها ولكن لا من مجيب !!


جلسنا نبكي ونقبّلها , فوبّخنا والدي وقال : بإذن الله أنّها اغماءة سكّر ولنتدارك الوقت فالبكاء لن يجدي نفعا !


فأركبناها في سيّارة أخي محمّد وبصحبته عمّتي ,, أمّا أنا فركبت مع والدي متّجهين للمستشفى وأعيننا تفيض من الدمع , وقلوبنا مملوءة بالرجاء أن تكون اغماءة سكّر


وصلنا للمستشفى وبدأوا الأطبّاء بمحاولة إنعاشها قرابة الربع ساعة التي مرّت وكأنّها ساعات طوال


جلسنا بمقربة منها , وحالنا يرثى لها , فكلّنا بإنتظار الخبر أهي اغماءة طبيعية أم خيار آخر سينزل علينا كالصاعقة ؟!


جلست بجانب أبي ولم أتمالك نفسي من البكاء ,, فيبكي والدي ويحاول تهدئتي ويقول : بإذن الله أنّها اغماءة سكّر فحرارة جسمها عالية !


بعد وقت قصير يأتينا موظّف الإستقبال ليأمرنا بالخروج إلى مكان الإنتظار فوقوفنا عندها لن يقدّم ولن يؤخّر من الأمر شيء


فبعد أن جلسنا في مكان الإنتظار ,, ينادي الموظّف على والدي فلحقته مباشرة كالمجنون فيدخل والدي عند الموظّف ليعطيه الخبر , فأجلس من خلف الباب فأراهم يتكلّمون ولا أدري مالخبر ؟!


حينها إلتفت إليّ والدي وبدأ ينشج عاليا ويبكي بكاء الأطفال فاتجهت مسرعا لوالدي خوفا عليه من أن يصيبه أذى !


فأمسكته وحاولت تهدئته فأجلسته خارج المستشفى قليلا حتى يرتاح قليلا لحين المعاودة لإكمال الإجرائات اللازمة !


أنهى والدي الإجرائات اللازمة واتفقنا على أن نستلم الفقيدة في صباح الغد ليتم تغسيل جسدها الطاهر في جامع الونيان عند التاسعة صباحا


رجعنا للبيت ,ولا أدري كيف سأدخله دون أن أقبّل رأس والدتي ؟ ولكن هذه هي سنّة الحياة , فلم تصفى للأنبياء والرسل فضلا عن غيرهم !


دخلنا البيت واستقبلنا الأخوات, وبدأ والدي يعاود البكاء والنشيج , فمصيبة فقد والدته أقوى من مقاومة قلبه المكلوم !!


ذهبنا لأداء الصلاة في المسجد , وأمّ بنا الوالد _ حفظه الله _ في جماعة أخرى لتأخّرنا لظروفنا !


فلم أكاد أن أستمع لتكبيرات الوالد من حشرجة صدره ,,

وعندما يسجد يبدأ بالنشيج والبكاء حتى أثار إستغراب من حوله !


.....................................


وفي صباح الغد , وعند التاسعة صباحا , نستقبل الفقيدة _ رحمها الله _ ليتم تغسيلها وتجهيزها للصلاة عليها مع جموع المصلّين


وعند الإنتهاء من غسلها , جاء وقت دخولنا لرؤيتها رؤية أخيرة وتوديعها على أمل أن نلتقي بها في جنّة عرضها السماوات والأرض !


أحببت أن أكون آخر من يدخل عليها لكي أنعم بتقبيلها فوضعت رأسي على صدرها , ولم أرفع رأسي عنها إلا بإجبار أخي سليمان ,ولن أنسى هذا الموقف ماحييت !


انتهينا من الصلاة عليها , وتمّ دفنها في قبرها بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره , وحينها عاود والدي البكاء فأيقنت حينها
أنّ الأم مهما كبرت وشاخت فستبقى لها مكانتها وسيصعب كثيرا فقدها ,, وبالمقابل فإن الولد مهما كبر فإنه يبقى كالطفل الذي يحتاج لحنان والدته , ولن يصبر على فراقها !


بعد خروجنا من المقبرة تمثّلت بقول الشاعر مع قليل من التحريف : ودّعتها وبودّي لو يودّعني ... صفو الحياة وأنّي لا أودّعها
ولكنّها حكمة أحكم الحاكمين , ونحمد الله على كل حال , والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه !


.................................


إلى والدي الغالي :


جزاك الله جنّة عرضها السماوات والأرض


كنت أستمع إليك بعد موت جدّتي تقول : لقد ذهبت ولم نبرّ بها !


فأقولها بملء فمي : والله لقد ماتت وأنت بارّ بها , وأنت بارّ بها , وأنت بارّ بها


ماقمت به تجاه جدّتي من برّ وإحسان لم يفعله أحد غيرك ولن يصلوا معشار مافعلته !


فليهنأ بالك , وليبارك لك الله في أهلك وولدك ووقتك ومالك , وليطيل الله في عمرك على عمل صالح


فوالله لقد أتعبت من بعدك , وأعلم أنّ هذا واجبك ولكن ... , وأسأل الرب أن يعيننا على القيام ببرّك لنرّد بعض جميل مافعلته


أنسيت ياوالدي في مغرب كلّ يوم عندما نأكل ماشاء الله ,, لايمكن أن تأكل قبل أن تأكل والدتي من يدك المباركة حرمها الله من النار


أنسيت .. وأنسيت .. وأنسيت


أعتذر منك والدي على ماستقرأه , ولكن رغبة منّي أحببت أن تكون خاطرتي كذلك ,, فلتستبيحني العذر يا أيّها الإبن البار



تمّت بتاريخ 13 _ 1 _ 1432 ه


أرق التحايا والتقدير
مجنون بريده غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 08:42 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)