|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
22-04-2002, 12:41 AM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2002
المشاركات: 76
|
د/تركي الحمد "يسأل بوش: هل لك أن تتصور ......
د/تركي الحمد "يسأل بوش: هل لك أن تتصور نفسك فلسطينيا للحظات؟
سيادة الرئيس جورج دبليو بوش.. في احد الأفلام الاميركية الجميلة، والحزينة في ذات الوقت، والمستوحاة من قصة واقعية، يقوم بعض الشبان البيض في احدى المدن الصغيرة في الجنوب الاميركي، باختطاف طفلة سوداء صغيرة لا تتجاوز العاشرة من عمرها، كانت في الطريق الى منزلها، فيغتصبونها ومن ثم يلقونها من فوق جسر في نهر المدينة بغية قتلها. ولولا لطف الله، لماتت الفتاة وانتهت القضية. ولكن ربك شاء لها ان تعيش، ولكن بعد ان دُمر جهازها التناسلي الى الأبد، فما عاد من الممكن ان تحمل مستقبلاً، وتحول جسدها الصغير الى ساحة من الجروح، ناهيك من الآثار النفسية لهذه الحادثة التي سترافق هذه الفتاة الى نهاية عمرها. المهم في الموضوع، انه لم تثبت على هؤلاء الشباب اية جريمة، بعد انكارهم وعدم شهادة احد ضدهم، في مدينة تسودها العنصرية المقيتة، وتتحكم فيها العصبية البغيضة في كل شأن من شؤونها. وقد كانت الضحية سوداء، والمجرمون من العرق الابيض «النقي»، فكان لا بد ان يضيع الحق وتضيع العدالة وسط ذلك كله. لم يستطع والد الفتاة ان يتحمل الموقف، فقتل احد المغتصبين وهو خارج من قاعة المحكمة التي برأته، وقُبض عليه بتهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد، وهي تهمة لم ينفها، مطالباً بالبحث في الجريمة الاولى التي ادت الى ارتكابه لجريمته. لم يدافع احد من المحامين المعينين عن الأب بشكل جدي، وكانت الامور تسير نحو ادانته، والحكم عليه بأقصى عقوبة ممكنة، كما كان يُطالب بذلك المدعي العام والرأي العام الابيض في تلك المدينة. لم يحاول احد ان يربط بين الجريمة الاولى والجريمة الثانية، ولم يُرَد لهذا الربط ان يكون في مثل ذلك المجتمع القائم على الكراهية. ولكن شاءت الاقدار ان يؤمن بقضية هذا الرجل محام شاب ابيض، فتبناها مضحياً بسمعته في تلك البلدة، ومعرضاً نفسه للتهديد بالقتل لخيانته بني جنسه، ودفاعه عن «Nigger» (عبد) لا قيمة له ولا لجنسه في النهاية. ولكن المحامي الشاب تمسك بالقضية رغم كل التضحيات، وكسب القضية في النهاية، وبُرئ الرجل الاسود، وعاد الى عائلته وابنته التي شُفيت من جراحها الجسدية. لم يكسب المحامي الشاب القضية بالأدلة والبراهين والقرائن، فهذه كانت متوفرة بشكل كبير دون فائدة، ولكن عن طريق اسلوب آخر. فقد طلب المحامي من هيئة المحلفين ان يغمضوا اعينهم لبرهة، ويتصوروا، مجرد تصور سريع، ان الفتاة المغتصبة لم تكن سوداء «ملوثة»، بل كانت من العرق الابيض «النقي»: شعر ذهبي براق كسبائك الذهب في يوم ربيعي مشمس، وعينان بزرقة البحر في احد ايام الصيف، وبشرة بيضاء مشربة بحمرة، كما المشمش في عز اوانه، وان يتصوروا كيف ان الغاصبين نهشوا جسد هذه الطفلة النقي الصغير بلا رحمة، ثم افلتوا بجريمتهم من العقاب. ولو ان احدهم كان والداً لهذه الطفلة البيضاء، فماذا كان من الممكن له ان يفعل، وقد مال ميزان العدل، وهو يرى من مزق جسد ابنته يمرح ويلعب من حوله؟ سادت لحظات من الصمت في قاعة المحكمة، سالت فيها دموع البعض، وصدر قرار المحلفين ببراءة المتهم من الجريمة. سيدي الرئيس.. بمثل ما طالب ذلك المحامي الشاب المحلفين ان يفعلوا، نطالبك ان تفعل ولو للحظات. فنحن هنا لا نريد العدل من ادارتكم، فذاك شيء فقدنا فيه الأمل منذ زمن، الا ان تحدث معجزة وتفيق اميركا من غفوتها، فتعود الى مبادئها المؤسسة، التي نسيتها بطول الأمد وغبار السنين وثمالة القوة المجردة. ونحن لا نطالب بالمساواة بين ابناء الحرة وابناء الجارية من نسل ابراهيم، فذاك امر هو الى الأحلام اقرب، بعد ان جُعلت اليهودية، ووفق تفسير معين، رافداً أساسياً الى جانب المسيحية من روافد التراث الاميركي. كما اننا لا نريد منكم مراعاة مصالح اميركا في المنطقة، اذ يبدو انه حتى المنطق الجاف المجرد في هذه المسائل قد اصبح مستحيلاً رابعاً بالنسبة لنا، الى جانب العنقاء والغول والخل الوفي. ولا نريد ان نذكركم، سيادة الرئيس، بأنكم تدمرون سمعة اميركا في العالم كله، اذ يبدو ان مبادئ جفرسون وهاملتون وفرانكلين وادامز ولينكولن وويلسون وروزفلت وايزنهاور وكينيدي، قد اصبحت مجرد ذكرى، او هي مجرد تاريخ درس لا علاقة له بحاضر او مستقبل. كل ما نطلبه منكم هو مجرد لحظات من وقتكم، ولا نريدها ان تكون على حساب مشاغلكم في البيت الابيض، بل لتكن في استراحة كامب ديفيد، او في المزرعة في تكساس، حيث الهدوء والسكينة، وبين احضان الطبيعة في «أميركا الجميلة» America, the Beautiful، حسب كلمات «كاثرين لي بايتس»، حيث «ارض الحرية وموطن الشجعان The land of the Free and the home of the brave، كما تقول كلمات «فرانسيس سكوت كي»، ويقول نشيدكم القومي. مجرد لحظات صافية من وقتكم، فهل هذا كثير يا سيادة الرئيس؟ سيدي الرئيس، لقد ذكرت مراراً وتكراراً في خطبك البليغة، ومؤتمراتك الصحافية المثيرة، ان ارييل شارون رجل سلام، وان ما يفعله «جيش الدفاع الاسرائيلي» في الاراضي الفلسطينية المحتلة هو نوع من الدفاع عن النفس، وان «الارهابيين» الفلسطينيين يعيثون فساداً في دولة اسرائيل، وان عرفات رجل لا يمكن الوثوق به، وغير ذلك من تصريحات تبرر للاسرائيليين كل شيء وأي شيء، في الوقت الذي تتهم فيه الفلسطينيين بكل شيء وأي شيء، وتتغاضى عن مجازر جنين ونابلس ورام الله وبيت لحم، حيث تلقت الارض جسد المسيح الطاهر لأول مرة، وما نعرف وما لا نعرف. سيادة الرئيس، لك الحق في ان تؤمن بما تشاء، وتحب ما تشاء وتكره من تشاء، ولا نطالبك بأي شيء بهذا الخصوص. ولكن، سيادة الرئيس، اغمض عينيك للحظات، وتخيل نفسك فلسطينياً في تلك اللحظات السريعة، او حتى مجرد عربي او مسلم من عامة الناس، وحاول ان تشعر بما يشعر به هؤلاء. لأكثر من نصف قرن من الزمان، هناك اناس اقتلعوا من ارضهم اقتلاعاً، وحوربوا في لقمة عيشهم، وذبحوا كالخراف يوم عيد عندنا، او كالديك الرومي في اعياد الشكر والميلاد عندكم، وقدموا من التنازلات ما لا يمكن التنازل بعده، وكل هدفهم هو العيش كبقية خلق الله: في وطن آمن، ودولة تمثلهم وتحتويهم. تخيل للحظات سيدي الرئيس انك هذا الفلسطيني التائه، بل هذا الفلسطيني المشرد، فكيف يكون تفكيرك يا ترى، وكيف تكون مشاعرك؟ ستجد، في ظل هذه الظروف، انك في النهاية ميت ميت، فتيأس من كل شيء، وتذهب للموت اختياراً راجياً ان تأخذ حياة بعض مضطهديك في طريقك، او من تظن انهم مضطهدوك، فلا فرق هنا. قد نشجب هذا العمل ونصفه بالارهاب، ونحن على ارائكنا المريحة نتسامر، ولكن ضع نفسك في حذاء هذا الفلسطيني، كما تقولون، وعندها تصور كيف يكون المشهد. والفلسطيني اليوم، وهو المتهم بالارهاب على اية حال، انما يفعل ما فعله شمشون عندما هدم المعبد على رأسه ورأس اعدائه، وهو يقول: «علي وعلى اعدائي يا رب»، فكان شمشون بطلاً من ابطال اسفار العهد القديم، ولكن الفلسطيني يوصم بالارهاب لفعله ذات الشيء، حين يصل الى مرحلة من اليأس اسهم الجميع في وصوله اليها، ولا استثني احداً هنا، ومنا ومنكم على السواء. من ناحية المبدأ، وأتحدث عن نفسي هنا، فقد كنت دائما من معارضي العنف وشاجبي الارهاب بكل انواعه، فالغاية لا تبرر الوسيلة في اية حال. سيلان الدم البشري، عربياً كان او اميركيا او اسرائيليا، يثير الأسى والحزن لدي، فالموت واحد في كل الاحوال، وصراخ الأم الثكلى واحد في كل مكان. ولكن ان نشجب العنف والارهاب وانسفاك الدم لا يعني ان لا نبحث عن جذور كل ذلك من اجل وقف المجازر في كل مكان. ولكن المشكلة، يا سيادة الرئيس، انكم تسمعون صراخ الأرملة الحزينة ونحيب الأم الاسرائيلية الثكلى في حيفا، ولا تسمعون توجع الأرملة المكلومة وأنين الأم الفلسطينية الثكلى في نابلس، مع انه ذات الصراخ والنحيب، وذات التوجع والأنين، وربما اشد. ترون حمرة الدماء السائلة على الاسفلت في نتانيا والقدس، ولا ترون اي لون لذلك السائل الذي يملأ شوارع جنين ورام الله، مع ان دم البشر في النهاية واحد. تتذكرون المحرقة اليهودية والأسى يملأ القلوب، ولا ترون المحرقة الفلسطينية الجارية امام الجميع اليوم. لقد كانت المحرقة اليهودية نتيجة تقاعس العالم عن وقف هتلر في ايامه الاولى، فهل تتكرر المأساة حين تتقاعسون انتم عن وقف شارون عند حده؟ ان ما يحدث للفلسطينيين اليوم هو ذات الشيء الذي حدث في ذلك الفيلم، في تلك المدينة الاميركية الجميلة، حيث دم السود لم يكن بحمرة دم البيض، رغم ان كل الدماء حمراء. تصور يا سيادة الرئيس، وانت تسترخي بعد العشاء على كرسيك الهزاز في المزرعة، لو كان من في جنين وبيت لحم ونابلس ورام الله، هم من الاسرائيليين، او حتى من الاميركيين، ولا علاقة لهم بفلسطين او عرب او اسلام، فماذا يكون الموقف؟ تصور.. مجرد تصور. نحن نعلم يا سيادة الرئيس ان ما حدث في سبتمبر قد اصابكم بنوع من الكره لكل ما له علاقة بعرب او اسلام، وليكن ذلك، فالمشاعر لا رقيب عليها ولا قيد، ونحن غير قادرين على تغيير المشاعر حتى لو اردنا. ولكن كل ما نرجوه هو عدم اختلاط المشاعر الخاصة بالحكم على امة كاملة وشعوب كاملة، نتيجة حدث شجبناه بمثل ما فعلتم، وكان وقعه المأساوي علينا بمثل وقعه عليكم، الا من فئة متوترة لم تعرف الطريق، فضاعت من قدمها الطريق. نحن اليوم في موقف والد تلك الفتاة السوداء في المحكمة، وأنتم في موقف المحلفين، فلا تدعوا مشاعركم الخاصة، والمتأثرة باختلاط الألوان نتيجة ما حدث في سبتمبر، ان تقودكم بمثل ما قادت المحلفين الى الحكم مسبقاً على والد الفتاة، قبل ان يتصوروا ان الفتاة بيضاء لا سوداء. كل ما نرجوه يا سيادة الرئيس هو ان تتخلى عن قيود منصبك وجنسيتك وثقافتك «اليهودية ـ المسيحية» للحظات، تُصبح فيها مجرد انسان بفطرته الاولى دون اضافات، وانظر الى العالم من خلال موقعك هذا، ومن ثم احكم. انا واثق انك سترى اشياء ما كنت تراها قبل ذلك، حين كان المنصب وكانت الجنسية والثقافة تغطي البصر والبصيرة معاً، وستدهش مما قد ترى. كل ما نريده هو ان تتصور نفسك انساناً مجرداً ولو للحظات.. فهل ذلك كثير يا سيادة الرئيس؟ جريدة الشرق الأوسط. الأحد 8/2/1423هـ |
الإشارات المرجعية |
|
|