بسم الله الرحمن الرحيم

( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )
لم أجد أعظم من هذه الآية ، ولا أشمل ولا ألصق بمثل مواضيعنا هذه منها ، فآثرت أن أجمّل بها فاتحة المقال لتكون ذكرى للكاتب والقارئ .

خرج فيلم المرأة السعودية في الظل ، او بلا ظل ، أو ليكن ما يكون ، الذي تمكنت فيه المخرجة ( هيفاء المنصور ) أن تمرر هدفها وتسوق لمنتجها من خلال سمعة شيخ فاضل هو الشيخ عائض القرني ، فلقد تمكنت من إيقاع الشيخ في هذه المزلة ، ومكرت به وكادته حتى زلق الشيخ فغدا في وضع لا يحسد عليه ، وعرضته لحرج وضيق ، فلا هو سلم من هذه المرأة أو رضيت عنه ، ولا هو إذ وافق أهواءهم رضوا عنه أو تقربوا منه ، بل كادوه وخدعوه ، وفي المقابل لم يسلم من انتقادات الغيورين ، وسطوة المتحمسين ، وسخط الطيبين .

لقد مشى الشيخ عائض إلى هذا الحرج بنفسه ، وساقته نفسه إليه مختارا راضيا ، حتى لقد غدا مع فضله وسابقته أضحوكة للقوم ، ومتندرا للناس ، واستغل الموقف بمهارة للطعن في منهج المشايخ والفضلاء ، والغمز فيهم وفي تقلباتهم وتغيراتهم ، والنيل من مقدراتهم وكفاءاتهم ، وهو درس قاسي ، وموقف شديد ، أرجو أن يكون فيه عبرة للشيخ لكي لا يكون معملا لمثل هذه التجارب .

ما أدري ما ضر الشيخ لو أنه تروى في هذا الأمر ، فلم يكن طيبا لهذه الدرجة التي يستضيف فيها أي امرأة ليعطيها ثقته ، فيحدثها بهمومه وآراءه ، ويأتمنها على اجتهاداته ، ويثني على مجهودها ويراه من التعاون على البر والتقوى ، خاصة في زمن تتعشعش فيه مذاهب منحرفة ، ويتربص أناس فيه بأهل الفضل الدوائر ، ما ضره لو أمهلها أياما ، ليسأل عن حالها ، وعملها ، وشأنها كله ، وليتبصر في برنامجها ، حتى لا يحرج نفسه ويحرج الناس معه .

البلد يموج بصراعات ، والمجتمع فيه توجهات وتيارات ، والمفروض شي والواقع شي آخر ، فحين يتعامل مع الواقع على ما هو المفترض تمرر كثير من مخططات المفسدين على ظهور المصلحين ، وتستغل كثير من الفتاوى في تقوية الباطل وأهله ، والتفريق بين اهل الخير وبث الفرقة والشقاق بينهم.

هل ضاقت السبل والمجالات بالشيخ عائض القرني فلم يجد وسيلة صالحة ليوضح فيها رأيه في الحجاب الشرعي إلا من خلال هذه الوسيلة ..!

ولم يجد طالبا أمينا يبلغه رأيه واجتهاده الا التلميذ النجيب ( هيفاء المنصور ) .. !

إن تغطية الوجه أو كشفه من المسائل الاجتهادية - في الجملة - يا شيخ عائض ، وهذا شي لا يخفى على أدنى طالب علم ، والنزاع فيه معروف ومتداول ، وحين ترى ما يخالفه فمن حقك أن تطرحه بالطريقة المناسبة التي لا تستغل لتكون رقما في مسيرة الإفساد من حيث لا تشعر .

العجب لا ينقضي حين نجد أن كثيرا من أهل العلم يتوقفون ، ويصمتون عن مسائل قطعية ، وظاهرة الدلالة ، ترجيحا لمصلحة ، أو درءا لمفسدة ، أو لأي تعليل آخر ، ولا يسعه الصمت في مثل هذه المسائل الاجتهادية .!

إن قيادة المرأة للسيارة وحجاب المرأة ونحوها من المسائل العامة ، هي مسائل اجتهادية أرتأ العلماء في هذا البلد ، من عشرات السنين أن يقولوا فيها قولا معينا ، وألزم الناس به من قبل ولاة الأمر لظهور المصلحة فيه ، ولدفع المفاسد المترتبة على تركه ، فهو من السياسات الشرعية المعتبرة ، عدا كونها مؤيدة بالأدلة والبراهين ، مع رضا الناس به ، واقتناعهم بأثره ، وان لم تكن واجبة فلا أقل من أن تكون مندوبة ومستحبة ، وهذا الرأي لم يتمسك به العلماء لهوى ولا لشهوة ، بل تمسكوا لما يرون فيه من حفظ للمجتمع ، وحماية له ، ورعاية لسفينة الإصلاح لئلا تموج بها أمواج الشر والفساد .

فما الداعي بعد هذا كله ، ليخرج الشيخ عائض في القنوات الفضائية فيشوش على الناس ، ويبلبل الجميع بقيادة المرأة ووجه المرأة ، خاصة أن الفتوى لن يتبعها عمل ، فالمرأة ملزمة نظاما بالحجاب ، وملزمة نظاما بعدم قيادة المرأة للسيارة ، فالفتيا لن تثمر عملا ، ولن تقدم شيئا ، سوى استقواء المفسدين بها ، وإثارة الناس ضد قائلها ، وليست هي من المسائل الاجتهادية الفردية التي يقلد فيها العامي من شاء من العلماء ، وليت الشيخ إذ بلبل الناس وشوش عليهم ، ليته قرر لهم أن الواجب إتباع ما ألزمته الدولة مما أقره العلماء ، بل أجاز لهم ما حرمه العلماء ، ولم يعلمهم كيف يتعاملون مع ما حرموه ، فلا أعتبر برأي العلماء مبدأ ، ولا اعتبره واقعا .

وان كان للشيخ أو لغيره رأي فيها فليضعه بين أهله وطلابه والمتخصصين فيه ، ليتم البحث والتحقيق ، ولينظر في المصالح والمفاسد ،ويتوصل بعدها إلى الرأي الحق .

وهذا عتب على الشيخ ، اعتب بعده أضعافا لمن غيب العدل والقسط والرحمة ، فرمى الشيخ وفضله ومكانته وجهده لأجل هذه الأخطاء ، فهذا من البغي والظلم والعدوان ، وكما نقمت على الشيخ هنا ، ورددت خطأه ، فلي عودة – بإذن الله – لإنصافه ودفع الظلم عنه .

والله يتولى الجميع بحفظه .

المارقال

8/3/1426هـ