[خالد العامر]

سلوكنا نحو المال تتحدد معالمه في مرحلة الطفولة، في هذه المرحلة يكون التصور لدى الطفل من دون تدريب ولا تعليم عن المال تصورا ايجابيا، ولكنه يكتسب من خلال الوالدين والمحيطين به تصورات ذهنية وفكرية خاصة اتجاه المال ، وهذه التصورات قد تكون ايجابية مثل( الكرم، التصدق، التخطيط المالي...) أو سلبية مثل( البخل، النصب، الرشوة....).

إدراك الطفل للنقود يختلف عن إدراك البالغين. فهو لا يعرف منها إلا أنها ورقة أو معدنا، غير أبه للأصناف الكثيرة من المال من حوله كالحلي والذهب. ومن نتائج الدراسات التي أجريت على الأطفال وتعاملهم النفسي اتجاه المال، أن الأطفال يعتقدون بأنه بالإمكان شراء أي شيء بالمال. ودراسة أخرى تقول بأن الأطفال يدركون معنى المال والنقود من خلال شكلها وليس قيمتها، وأنهم يميلون إلى الأوراق الصغيرة الحجم بدلا عن الكبيرة. وبعض الأطفال مؤمنين بأن مصدر المال هو من جيب أبيهم!. وفي تجربة شخصية لي مع طفلي ذو السنتين والنصف فهو يرفض قبول الريال ولا يقبل إلا الخمسة أو العشرة. حتى أنه يرفض أوراقا كثيرة من الريالات مقابل ورقة خمسة واحدة أو ورقة عشرة واحدة. بالطبع السبب في ذلك هو أني دربته كثيرا على أن ورقة الريال قيمتها أقل من الخمسة والعشرة. حتى أنه رفض ورقة الخمسين مقابل ورقة الخمسة!. ويمكن تدريب الأطفال وتعليمهم قيمة المال عن طريق مفهومين هما مصروف الجيب و الادخار.




مصروف الجيب له أهمية في صقل شخصية الطفل بإضافات وممارسات مبكرة جدا. فالمسؤولية والاستقلالية والثقة بالنفس ومعرفة أمور البيع والشراء كلها أمور تصب في مصب الاقتصاد. وسيكبر الطفل عارفا وفاهما ذلك الترابط المعقد بين الأمور المالية الاقتصادية وبين الأمور الشخصية و النفسية والاجتماعية. وبالرغم من أهمية مفهوم وأسلوب مصروف الجيب، إلا أن معظم الآباء لا يدركون هذه الأهمية ولا يستغلوها الاستغلال الأمثل. والحاصل أن مصروف الجيب لدى بعض الآباء هو مجرد استعراض وزهو أمام الآخرين وذلك عن طريق البذخ والإسراف في مقدار المصروف . والبعض الآخر لا يريد لابنه أن يشعر بالنقص والدونية أمام أقرانه. وعلى النقيض من ذلك، وبسبب عيب في إدراك قيمة مصروف الجيب، نجد أن بعض الآباء لا يعترف بمصروف الجيب!. وسببهم في ذلك أنهم يوفرون كل شيء لابنهم مما لا يستدعي وجود مصروف أصلا، متجاهلين بذلك تأثير هذا الفعل على الابن نفسيا واجتماعيا وشخصيا!.




مصروف الجيب يكسب الطفل عدة مميزات منها تأسيسه على حسن الإنفاق والادخار، تعليمه كيفية الكسب المالي وتشجيعه على العمل، والاهم من ذلك كله كيفية استخدام المال والتعامل معه على انه قيمة يجب أن تقدر وان يتعامل معها بكل اهتمام. وهذا لا يتأتى فقط من مصروف الجيب لوحده، إذ أن توجيه الوالدين شرط أساسي لرفع مستوى التقدير واحترام الممتلكات لدى الأطفال.




نأتي إلى الادخار، هل عندما يدخر ابني المال يعتبر سلوكا خاطئا؟. بالبحث والتفكير وجدت أن سلوك الادخار له دور فعال في الاستقرار النفسي والتبادل الاجتماعي عند الأطفال. وللأسف، فالكثير من الآباء لا يرى تلك الأهمية، معتبرين أن سلوك الادخار هو مجرد ( لعب عيال).



ويختلف الادخار من طفل إلى آخر بحسب مكان التنشئة ونوعية المجتمع الذي تم الاحتكاك به. ومن فوائد الادخار تنمية أفق الطفل وتعميقها، والشعور بالكفاءة. وعلى الوالدين معرفة كيفية التعامل مع الطفل، فلا نطلب منه الادخار إلا في الأوقات المناسبة، كأن يطلب الطفل لعبة ما، فنقول له ادخر لها. كذلك علينا أن نشجع الطفل على الادخار ومكافأته. وبنفس الوقت لا نسرف في تشجيعه على الادخار حتى لا يحس بأنه تم إهماله وتركه لوحده، بسبب اعتماده على أموال مدخراته. كذلك علينا أن لا نعاقب الطفل على الإسراف والإنفاق حتى لا يتطور الأمر عنده إلى البخل والاكتناز. وعادة يقوم الأطفال بالادخار لجذب الإعجاب من الوالدين، أو بسبب الأنانية وحب التملك، أو لمنافسة أقرانهم بحيازة أكبر قدر ممكن من المال.




في الختام، مصروف الجيب والادخار أداتان من أدوات التنمية المهارية لإدارة الأموال لدى الأطفال ، فهذه التمنية تعتبر بوابتهم لعالم الاقتصاد ولغته، فلا نهمل هذا الجانب بحجة صغر سنهم وأنهم لا يفقهون، بل على العكس يجب أن نزرع فيهم هذه المهارة لأنها العدسة التي سينظرون من خلالها بكل وضوح إلى مستقبلهم.