[عبدالله الرقيعي]

كان الإنشاد ..فيئاً يستظل به كل أحدٍ حين يتطاول عليه الجدُ ..أو يحملُ صغاره في سفرٍ أو حضر .. أو يدخله عنصرا لاستجمامه إذ يستريح بعد أي لأيٍ وكدح ..
وهو مع ذلك ..وأثناء ذلك .. ألحان لها هويتها ..وتحمل ألفاظا تحيي شعائرَ الدين والأخلاقِ في النفوس ..وتذكي مشاعرَ الهويةِ الإسلامية في مظاهرِها المتعددة ..
وظلَّ الإنشادُ بديلاً للغناءِ في عامةِ مراحله من لدنِ الكلمةِ حتى اللحن وانتهاءً بشخصيةِ المنشد الذي يؤديه ..
ثم بعد ذلك هبتْ رياحُ التغييرِ أو التطويرِ أو التنويرِ ـ والعبرةُ بالحقيقة ـ على استقلال الإنشاد والمنشد ..

فأضحى للإنشاد وجه مستهجن ..فليس ذلك المستقل بشخصيته .. الإسلامية المحافظ على هويته وحدوده وسدوده ..وليس هو الغناء الصراح الذي يريح ويستراح منه ..!
وحيث لم يكن التغييرُ مع المحافظةِ على الثوابت موفقا ..فقد كان التغييرُ وللأسف لاهثا وراء الغناء بمظاهره وهويته وأدائه بل ومصطلحاته ..
والمسألة التي تستحق الإشارة ويغفل عنها أناس ويتغافل عنها آخرون أن المسألة أكبر من عتبة الفتوى حيث يتكئ أيُّ أحدٍ على أي فتوى في عالم اليوم ..
ولكن الحقيقةَ تغيرٌ فكري وتغيرٌ في الرؤية وانهزام أمام آلة الإعلام التي هي مؤثرُ العصر .
وإذا صح لنا الحديثُ عن تأثر الفتوى بالإعلامِ فكيف لا يصح تأثر الإنشاد به ؟؟
إن بعضَ المنشدين لا يعجزه أن يجدَ فتوى تأذنُ له بإيقاع هو أوقع على النفسِ من الآلة الموسيقية ..ولكن الذي يعجزه كثيرا ..تلك الحشرجة التي يجدها في نفسه حين يقايس بين شخصه وأدائه ومظهرِه فيما بينه وبين أي فنان يمتهن الغناء الصراح ..

إن أولئك الذي لم يشعروا أن أرواحهم في وحشةٍ من أجسادهم ليعرضوا قلوبهم على القرآن وعلى حديث الشبهات وأن لا يكونوا كالراعي الذي يرعى حول الحمى ويوشك أن يرتع فيه ..
ثم إني أجدني أتساءل ..هل أضحت مشاعرنا كورقة ..فتارة تتيه إلى السماء فرحا وطربا ..وأخرى تهوي بها الريح في مكان سحيق؟؟!
..وكل هذا مع كل هزة طروبة لمنشد ..فنحزن أن يضيف هذا إيقاعا ..أو يتحول ذاك إلى الغناء الصراح ..ونفرح أن يؤوب ذاك عن ذاك ؟..
إن دائرة الثبات المتينة للتدين يجب عليها أن تكون أمتن وأقوى من أولئك المتساقطين على أطرافها حيث لم يأخذوا الكتاب بقوة ..والله تعالى أمن وأكرم ..ومن ند وتراجع فإنما هو على نفسه ..ومن عاد فهو يؤوب للأصل الذي يجب أن يكون عليه من أمر الله وطاعته ..
ولي أن أتساءل مرة أخرى .. فهل يصح لنا أن نلازم بين تهذيب اللحية وبين ظهور هذا أو ذاك في الشاشة ..من عامة الوجوه المحسوبة على الاستقامة ؟ .. ولعلي لا أبتعد كثيرا ..حين لا يقف هذا الشعار في حق المنشدين عند اللحية والتهذيب ..فطبيعة اللباس والتكسر أثناء الأداء ..وطريقة المكاييج ..لست أدري ما لذي يبقى من هوية الإسلامية بل الرجولة ..حيث يقال الأناشيد الإسلامية ..

د. فهد بن ابراهيم الضالع