[العمود]

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .. ثم أما بعد .. فالسلام عليكم ورحمة الله ..

يوماً بعد يوماً .. ولا يزال الانتكاس يفرض نفسه بقوة في مجتمعنا مجتمع المتناقضات .. الذي لايكاد يذهب يوم دون أن يخرج لدينا انتكاسة جديدة في متناقض الأحكام .. فالربا أصبح بيعاً حلالاً .. والكذب ألبس لباس التورية زوراً وبهتاناً .. ومن بعد ذلك أصبحت الاستقامة على دين الله انحرافاً وتزمتاً وتشدداً ورجعية .. وعلى العكس أصبح الانحراف والميل هو الاستقامة الطريق الصحيح .. ما أعجبك يا زمن ! إلى هذا الحد وصل بك العجب ..

الاستقامة .. هذا المصطلح المحارب من كل حدب وصوب .. المجتمع لا يرحم أبداً وزيادة على ذلك منتكس في تصريف الأحكام .. فكما ذكرت لديه المستقيم منحرفاً والعكس .. ففي زمن العولمة والفضاء الغازي لكل بيت لا أستغرب حدوث مثل هذا ..

للأسف من موقف واحد فقط يخطئ فيه مستقيماً نحكم على الاستقامة كمنهج بأنه خطأ .. فلا يفرق بين المستقيم كمنتمي للاستقامة ولا الاستقامة كطريق ومنهج .. وهذا يعتبر من انتكاس الأحكام التي تنتشر في المجتمع .. فجعلت الاستقامة انحرافاً للأسف ..

غير ذلك .. من الانتكاسات في الأحكام التي يطلقها أرباب مجتمعنا المدعي بالمحافظة مانراه بين حين وآخر من التعري الفاتن والفاحش سواء بين أوساط النساء أو بين مدعي الرجولة ولم يبلغوها من المخنثين المتميعين وهذه يحكم عليها بالتحظر ومواكبة العصر والانفتاح (المنضبط!) .. برأيك ماذا سنقول عن هذه .. هل هي استقامة أم انحراف ..

وغير ذلك من الانتكاسات في الفهم للواقع والحكم عليه هو ماينتشر بين أوساط المجتمع وعقلائه فضلاً عن الأشخاص العاديين من خلال رمي أهل الاستقامة بأنهم إرهابيين أو تفجيريين أو غيرها من مصطلحات العنف ويطور ذلك يوماً بعد حتى رمي منهج وطريق الاستقامة بأنه منهج الإرهاب والعنف والتطرف والغلو وغيرها من هذه المصطلحات التي تتجدد يوماً بعد يوم .. فالخطأ الجسيم أن منهج الاستقامة هو المجرم لأن قلة قليلة ممن يدعون أنهم مستقيمون (هذا إذا سلمنا أنهم مستقيمين) غلو في دين الله وسلكوا لمبتغاهم (الجهاد) طرقاً خاطئة ومهلكة في نفس الوقت .. فبسبب هذا حكم على الاستقامة على دين الله بأنها ( إرهاب وغلو و .. و .. و ..) .. وبعد هذا الحكم المنتكس الذي حكم من خلاله على الاستقامة أنها إرهاباً وانحرافاً ..

وأخيراً .. من الانتكاسات التي تطغى على المجتمع طغياناً كبيراً وهو ربط الاستقامة على دين الله بكل ( ملتحي ) وجعل مظهر اللحية هي المنطلق الأساس في الحكم على المستقيم بأنه مستقيماً .. وهذا منتشر انتشاراً عظيماً في المجتمع .. فنترك الأخلاق الحسنة والمحافظة على الصلاة وبذل الأموال في الخير وغيرها من مظاهر الاستقامة الأساسية ..
فأصبح كل حليق منحرفاً حتى لو وجدته دائماً في الصف الأول في الصلاة أكثر من الملتحي .. أنا لا أهون من شأن اللحية ولا أهون من جريمة حلقها ونسفها والتلاعب بها .. لكن من الظلم أن نجعل أساس الاستقامة مرتبط بها فقط ونترك المظاهر الأخرى المهمة ..


الموضوع يا أحبتي طويل جداً .. وهناك نقاط أخرى في انتكاسات الفهم والحكم في المجتمع لعلي أتطرق إليها مع التفاعل الذي انتظره من الأعضاء الكرام ..
أتمنى أن نثري الموضوع ونعطيه حقه ونخرج بفائدة .. لعل الأحكام المنتكسة تعدل وتكون مستقيمة غير معوجة ولا منحرفة ..

ولكم مني التحية ..
في أمان الله ..



العمود