|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
09-08-2011, 02:59 PM | #1 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقف والابتداء في القرآن الكريم ..
إن من أعظم أسباب البلاغة لدى المتكلم توخِّيَهُ مقاطعَ الكلام , ومعرفةَ الوقف والابتداء في حديثه , كما قال معاوية رضي الله عنه لأحد خطبائه : " يا أشدقُ , قم عند قروم العرب وجَحَاجِحها , فَسَلِّ لسانَك ... وليكنْ التفقدُ لمقاطعِ الكلام منك على بال .." الصناعتين : 439 . وكان يزيد بن معاوية يقول : " إياكم أن تجعلوا الفصل وصلاً , فإنه أشدُّ وأعْيَبُ من اللحن " الصناعتين : 440 . وإن أعظمَ كلام يتوخى قارئُه الفصلَ والوقف فيه كلامُ الله تعالى , حيث تتوالى الآيات والسور بأسلوب القرآن المعجِز , وبلاغته المعروفة , لكنّ قراءتَه تحتاج إلى معرفة بعلم الفصل والوصل لتظهر المعاني جليةً واضحة ؛ إذ إن الوقف والابتداء الصحيحين يعطيان الآية جمالا فوق جمالها , وروعة فوق روعتها , لتمكُنِ المعنى حينئذٍ , ووقعه على القارئ والسامع أحسن موقع ! كيف لا ؟ وهو كلام الله تعالى التي بلغ النهاية في البلاغة والفصاحة والإعجاز . قال أبو جعفر النحاس : " فقد صار في معرفة الوقف والائتناف التفريقُ بين المعاني , فينبغي لقارئ القرآن إذا قرأ أن يتفهّمَ ما يقرؤه ويُشغلُ قلبَه , ويتفقدَ القطع والائتناف , ويحرصَ على أن يُفهمَ المستمعين في الصلاة وغيرها , وأن يكون وقفه عند كلامٍ مستغنٍ أو شبيهٍ به , وأن يكون ابتداؤه حسناً ... " القطع والائتناف للنحاس . وإنه من المؤسف أن تجد كثيرا من الأئمة في صلاة التراويح لا يحسنون هذا العلم في كتاب الله تعالى , فيقفون حيث يجب الوصل , ويَصِلُونَ حيث يحسن الوقف , فيُفسِدُ المعنى , ويُخِلُّ بجمال الآية وروعة أسلوبها . والحديث عن علم الوقف والابتداء في كتاب الله يطول ويطول , وقد ألفت فيه الكتب أمثال : القطع والائتناف للنحاس , وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري وغيرها , ولكن لا يمنع أن يحاول الإمام معرفة وقوفه وابتداءاته في كتاب الله قدر طاقته , فلا يقف في منتصف قصة لم تكتمل أحداثها , ولا يقف وسط أحكام متلاحقة دون أن يتم المعنى كآيات الطلاق أو الحج أو اللعان أو المواريث ونحوها . والوقف نوعان : اضطراري : وذلك بسبب انقطاع نفس القارئ , فإن انقطع نَفَسُه عند معنى سليم , لم تلزمه الإعادة , وإن كان الانقطاع عند معنى غير سليم لزمه أن يعيد ليتمم المعنى . وليحذر القارئ أن يعيد من الآية ما يكون سببا في فساد المعنى من حيث لا يشعر , كما في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النــور فقد ينقطع نفسه عند كلمة ( آمنوا ) فيعيد من أقرب موضع فيقرأ : " الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " فيفسد المعنى من حيث ظن إصلاحَه !! ووقف اختياري : وهذا ما نتحدث عنه , حيث يجب أن يكون متمما للمعنى . والوقف الاختياري نوعان : وقف على رؤوس الآيات , وهذه تحتاج إلى مهارة من القارئ لمعرفة تسلسل الآيات وأحداثها , فيقف للركوع موقفا جيداً وسليماً , بحث لا يقطع سياقا واحداً بالركوع , علما أن كثيرا من الأئمة يعتمد نهاية الوجه علامة على نهاية المقطع , وهذه غير صحيح , فكثيرٌ من الأوجه في المصحف لا تكتمل معناها إلا بالوجه الآخر , وانظر للأمثلة : الوجه رقم 6 – 7 , الوجه : 10 – 11 , الوجه : 11 – 12 , الوجه 15 – 16 , الوجه : 23 – 24 ... وغيرها كثير . فيجب على الإمام أن يتوخى موطن ركوعه , بحيث لا يركع في صلاته إلا عند نهاية المعنى , وهذا يقتضي منه أن يقرأ حزبه في صلاة التراويح قبل الصلاة إن كان ممن يقرأ تلاوة , وإن كان حافظاً كان العزمُ عليه آكدَ وأولى , لأن الحافظ يتعلق قلبه بالمعاني أكثر من غيره . ومما يجدر الإشارة له هنا أن بعض الأئمة يحرص على أن ينهي قراءة الركعة عند الأثمان والأحزاب الموسومة في المصحف , وهذا أمر جيد , ولكن هناك بعض الأحزاب أو الأثمان لا يحسن الوقوف عليها لأنها في وسط سياق قصة لم تكتمل , ومن أشهر الأمثلة على ذلك في سورة يوسف الآيات : 52 , 53 , وكذلك سورة التوبة : الآيات : 92 , 93 . النوع الثاني من الوقف الاختياري : وقف في وسط الآية , وهذا شأنه عجيب , لا يتقنه إلا من وهبه الله علماً وإدراكاً , وفهماً لكلام العرب , وطريقة تعبيرها . وإنك لتلذذ بسماع تلاوة إمام يحسن مثل هذه الوقفات , فيخرج لك المعنى من الآية وكأنه يفسرها أمامك . ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى : {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (110) سورة الإسراء. فجرِّبْ أخي القارئ أن تقرأ هذه الآية بالوقفات الأربعِ التالية : 1. " قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ" 2. " أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى " . 3. " وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا " 4. " وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً " . فهل رأيت جمال المعنى وروعته حينما فُصِّلَتِ الآيةُ تفصيلا بيَّنَ معناها وتفسيرها ؟ ومثل ذلك قوله تعالى : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} (154) سورة البقرة فتأمل الآية وجمال المعنى حينما تقف عند كلمة ( أموات ) ثم تبتدئ : بل أحياءٌ .. وقال تعالى : {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} (28) سورة القصص. ما رأيك أخي الكريم أن تقف عند قوله : بينك , ثم تستأنف : أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ ..؟ أليس المعنى هكذا أجمل وأبلغ من الوصل الكامل للآية ؟؟؟ والأمثلة على ذلك كثيرة جداً , وقد وضع في المصحف بحمد الله رموز للوقف تساعد القارئ على الوقفات السليمة , فليتوخاها كل ذي لُبّ . وأحيانا يكون الوصل أجمل في المعنى ولو كان بين آيتين كما في قوله تعالى : " وبشر الصابرين ,, الذين إذا أصابتهم مصيبة .. " فلو وصل القارئ لكان أجمل في المعنى . ومثله قوله تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (163) سورة الأنعام فما رأيكم بالوصل بين : لله رب العالمين لا شريك له . ثم الوقف وابتداء : وبذلك أمرت .. أليس هذا أجمل وأبلغ في المعنى ؟ ومنه قوله تعالى : {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} (55) {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ } (56) سورة المؤمنون. ماذا لو جرب القارئ أن يصل الآية الأولى بما بعدها ليقف عند قوله : الخيرات , ثم يستأنف : بل لا يشعرون , لينظر الفرق في المعنى ! ومن طرائف الوقف غير المحمود أني صليت مع إمام في التراويح ذات ليلة , وكان يقرأ تلاوة , فوصل إلى آخر وجه من الرعد , فركع عند نهاية الوجه عند قوله تعالى : {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} (42) سورة الرعد , ولم يعلم أن السورة لم تنتهِ بعدُ , وإنما بقي منها آية واحدة في بداية الوجه الذي بعده وهي قوله تعالى : {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (43) سورة الرعد . فأخبرته بعد نهاية الصلاة أن يعتني بتحضير القراءة ومعرفة الوقفات قبل الصلاة . نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقهَ في دينه , والعلمَ في كتابه , والقبولَ في العمل . وصلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين . كتبه : علي بن سليمان الحامد 8/9/1432 هـ .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
الإشارات المرجعية |
|
|