|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
وقفة مع آية كريمة حول الصلاة ..
قال تعالى : {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (59) سورة مريم وقفت مليّا عند هذه الكريمة , فرأيت عجباً في المعنى قل من ينتبه له , وذلك من خلال ما يلي : أولاً : معنى ( إضاعة الصلاة ) هنا , اختلف المفسرون هنا , فبعضهم أشار إلى الترك بالكلية وهو قول ابن جرير الطبري , ومروي عن الشافعي وأحمد , وآخرون أشاروا إلى تأخير الصلاة عن وقتها وهو قول عمر بن عبد العزيز وغيره . [ تفسير ابن كثير : 3/172 ] وهذا الخلاف من خلاف التنوع وليس خلاف التضاد , لأن إضاعة الصلاة يشمل تركها بالكلية , ويشمل تأخيرها عن وقتها , فاللفظ عام , ولا تضارب بين القولين . وكلا الأمرين مصيبة عظيمة , فالترك من أكبر الكبائر , وهو كفرٌ عند جماهير من أهل العلم , وتأخيرها عن وقتها بلا عذر أيضاً كبيرة من كبائر الذنوب كما قال تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ , الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } سورة الماعون , فهو تأخيرها عن وقتها كما هو رأي مسروقٌ وغيرِه [ تفسير ابن كثير : 4/719 ] . ثانياً : قوله تعالى : " واتبعوا الشهوات " المراد هنا عموم الشهوات دون حصرها بنوع معين كما نص على ذلك ابن عطية [ المحرر الوجيز : 6/46 ] . فكل ترك الصلاة لأجل شهوة من الشهوات فهو داخل في هذا المعنى , لأن ( ال ) في الشهوات : للجنس , فيعم جميع الشهوات . ثالثاً : لنتأمل قليلا الربط بين ترك فريضة وهي الصلاة , وبين اتباع الهوى وهو الشهوة فنعلمَ العلاقة الوثيقة بين مضيعي الصلوات واتباعهم لشهواتهم باختلاف أنواعها , فلا تكاد تجد تاركا للصلاة أو مضيعا لوقتها إلا لأنه قد اتبع شهوة معينة , إما شهوة النوم , أو شهوة البطن , أو شهوة الفرج , أو شهوة الكسل , أو شهوة السفر , أو شهوة اللعب , أو شهوة الصداقة أو غيرها من الشهوات . ولذلك لا تجد غالبا من يتهاون في الصلاة إلا لانشغاله بشهوة من الشهوات , سواء أكانت الشهوة مباحة أم محرمة , وهذه المباحة ستكون حراما إن كانت سببا لإضاعة ركن من أركان الإسلام , لأن ما أدى إلى مُحَرّم فهو مُحرّم . وعليه فإن من يتأخر عن صلاة المغرب تأخراً كبيرا في رمضان بحجة انشغاله بشهوة بطنه حال الإفطار , فهو على خطر عظيم . ومن يتعمد تأخير صلاة الظهر إلى العصر ويجمع الصلاتين بحجة النوم فهو أيضا على خطر جسيم , والأدهى من ذلك حينما يكون صائماً !! ولهذا ربط الله تعالى بين إقامة الصلاة وترك الشهوات والفواحش بقوله سبحانه : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت فالصلاة والشهوات ضدان لا يجتمعان بوقت واحد , فإن كانت الشهوات محرمة فهما لا يجتمعان في قلب مؤمن راسخ الإيمان . ولهذا لا تجد شخصا محافظا على الصلاة إلا وقد هُديَ إلى صراط مستقيم , قال مسروق رحمه الله : " لا يحافظ أحدٌ على الصلوات الخمس فيكتبَ من الغافلين " . رابعاً : التعبير بقوله ( أضاعوا ) تعبير عظيم وعجيب يمثل الحالة النفسية لتاركي الصلاة أو المتهاونين بها , فالغالب أن مَنْ أضاعَ شيئا فإنه يعيش حالة القلق بحثا عن هذا الضائع حتى يجده , وهذا يمثل الحالة الكئيبة لمن أضاعوا الصلاة حيث التعاسة النفسية , والقلق الفكري , والشرود الذهني , ولا يظلم ربك أحدا . ولهذا ارتبط أداء الصلاة بالسعادة والطمأنينة كما قال تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طـه وقال تعالى : " {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد , وأي ذكر أعظم من الصلاة ؟؟ خامساً : قوله تعالى : فسوف يلقون غياً , قيل الغي هنا بمعنى الخسران والبوار وهو اسم جامع لمعاني الشر , وقيل المراد به : وادٍ في جهنم بعيد القعر , ولعل الأول أظهر لعمومه في المعنى كما قال تعالى : " { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } (146) سورة الأعراف , وقال سبحانه : {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} (202) سورة الأعراف , فالغيُّ هنا ضد الرشاد , والقرآن يفسر بعضه بعضاً . ثم لنلحظ الصورة التالية : شخص أضاع الصلاة ولم يدرِ أين وضعَها ؟ اتباعاً لداعي الشهوة الذي تسبب في ضياع شيء ثمين وهو الصلاة , فماذا وجد حينئذ ؟ لقد وجدَ أمامه خُسرانا وضلالا وغياً يبوء به إلى يوم الدين إلا أن يتغمده الله برحمة منه فيمن عليه بالتوبة , ولهذا قال سبحانه بعد هذه الآية : {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (60) سورة مريم . فتأملوا معي هذه المعاني العظيمة بارك الله فيكم لتروا كم نحن غافلون عن مثلها . والله تعالى أعلم . أخوكم : علي الحامد ( أبو سليمان ) . 24/9/1432 ملحوظة : أسمح بنقلها للفائدة بشرط ذكر المصدر .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|