بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » جاء الحق وزهق الباطل .

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 09-10-2011, 01:06 AM   #1
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
جاء الحق وزهق الباطل .




قال الله تعالى : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا , وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا , وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا , وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا , وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} سورة الإسراء 78 – 82 .

قرأت هذه الآيات الكريمة بتأمُّلٍ , فرأيت فيها بشارة من الله تعالى لعباده المؤمنين قَلَّ مَنْ يفطَنُ لها , ولكنها بشارة مشروطة , وما أعْظَمَهُ من شرط!
فالآية الرابعة تبشرنا بنصرة الحق على الباطل , وأن الحق منتصر لا محالة , وجاء التعبير عن هذا الأمر بأمور :
1. دلالة الفعل الماضي : " جاء الحق .. زهق الباطل " , والفعل الماضي هنا يدل على أن الأمر منتهٍ ومفروغ منه كما لو كان ماضيا فائتا , وهذا كما قال تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر .

2. دلالة الجنس في كلمتي الحق والباطل , فـ ( أل ) في ( الحق , الباطل ) تدل على الجنس , والجنس هنا يدل على العموم , والمراد أن الحق بأنواعه قد جاء وحضَر , وأن الباطل بأنواعه وظلماتِه قد اضمحلّ وانتهى .

3. التضاد بين ( جاء – زهق ) فَلِلْوَهْلَةِ الأُولى يتبادر إلى الذهن أن ضد كلمة ( جاء ) هو ( ذهب أو انصرف .. ) ولكن التعبير القرآني العظيم أتى بكلمة أخرى وهي ( زهق ) والزَّهْقُ يعني الاضمحلال النهائي , والزوال الأكيد , ويؤكد ذلك أن الزهق جاء نتيجة حتمية لدمغِ الحق للباطل كما في قوله تعالى : " {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } (18) سورة الأنبياء .

4. أسلوب التأكيد في قوله تعالى : " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " حيث صُدِّرَت الجملةُ بحرف التوكيد ( إنَّ ) , وجاء الفعل ( كان ) زيادة في توكيد الحدث وكينونته الأزلية .

5. جاء الإخبار عن الباطل بلفظ ( زَهُوقَا ) وهي صيغة مبالغة على وزن ( فَعُول ) مما يعني المبالغة باضمحلال الباطل وضعفِه أمام الحق وبرهانه ونورِه , وهو ما يؤكده قوله سبحانه في موضع آخر : {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (18) سورة الأنفال وقوله سبحانه :{ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76) سورة النساء .

6. إضافة إلى ما في معنى كلمة ( زَهُوق ) من صفة الديمومة والاستمرار , ويؤكد هذا كثرة ورود لفظ ( فَعُول ) في القرآن للدلالة على المبالغة في الحدث وديمومته كما قال تعالى : {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } (19) سورة المعارج {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} (20) سورة المعارج {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (21) سورة المعارج . {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (6) سورة العاديات ,

ولو قارنا بين هذه الآية في الإسراء وآية الأنبياء السابق ذكرها لوجدنا فرقا عظيما في التعبير , فآية الإسراء أعطت حكما قطعيا ثابتاً " إن الباطل كان زَهوقا " فناسب مجيء لفظ ( فَعُولٍ ) هنا , وأما في سورة الأنبياء فكانت تعني واقع الباطل حال الدمغ من الحق , فجاء التعبير باسم الفاعل " فإذا هو زاهِق " يعني الآن .

فهذه ستة أوجه جاء التعبير بها للدلالة على قوة الحق , وصلابته , وضعف الباطل وهشاشته , ولكن هذه الحقيقة القرآنية لا تكتمل إلا بتحقيق ما قبلها وما بعدها , فالآية جاءت في سياق التوجيه الرباني للرسول الكريم بإقامة الصلاة حق القيام ( الفرائض الخمس – وصلاة الليل ) , والدعاء والتضرع إلى الله بالثبات على المبدأ من حتى الوفاة ( أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) , والدعاء إلى الله أن يرزقه العلم والبرهان لمجابهة أعداء الله بسلاح الحق " واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا " , ثم الارتباط الوثيق بالقرآن الكريم استشفاء واستهداء لاستنزال الرحمة من الله تعالى : " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ... " .

ثم إن هناك وجها آخر خفياً في الآيات الكريمة يرتبط بمسألة تاريخية مهمة , وهي أن الآيات مكية النزول , نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإسراء والمعراج بمكة , والآية التي بها البشارة قد تلاها النبي صلى الله عليه وسلم أثناء دخوله مكة فاتحاً محطما الأصنام " وقل جاء الحق وزهق الباطل ... " , فما بين نزول الآية وما بين تلاوتها لبيان حقيقة النصر والتمكين سنوات طويلة في ذلك الزمن تقارب عشر سنين , مما يدل على أن الحق منتصر ولو طال الزمن بظلام الليل , وأن الدولة للحق ولو زُيِّن للناس الضلالُ والعمى .

ولكن أين المؤمنون بمعاني كتاب ربهم , الواثقون بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين إذا التزموا بمثل ما التزم به أولئك الرعيل ؟
وتلك سنة الله تعالى " ولن تجد لسنة تبديلا , ولن تجد لسنة الله تحويلا " .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه : أبو سليمان
علي بن سليمان الحامد
10/11/1432هـ

ملحوظة : لا مانع عندي من نقلها والاستفادة منها بشرط ذكر المصدر .



__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)