|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
12-10-2011, 03:57 PM | #1 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
تحليل لغوي لسورة الفاتحة ## الجزء الأول ##
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد : فإني أطرح هاهنا تحليلاً لغوياً لأعظم سورة في القرآن , وهي سورة الفاتحة , يعين على فهم السورة وتدبرها , ولعل من يقرؤها يستفيد , ويفيدنا إن كان لديه ما يطرحه من معلومة مفيدة صحيحة . الآية الأولى : " {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1. ( الحمد ) : ال : هنا للاستغراق , والاستغراق معناه الشمول , أي أن جميع الحمد كله لله تعالى , وهذا يؤيده قوله تعالى : {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ } (70) سورة القصص , ما معنى الحمد ؟ ج : الحمد هو الثناء على الله بما هو أهله من أسمائه وصفاته , والحمد أعلى درجة من الشكر , لأن الشكر يكون بالنعم المتعدية أما الحمد فيكون بالنعم المتعدية وبالصفات الخالصة التي يتصف بها ربنا جل جلاله , ولهذا قال سبحانه : {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (111) سورة الإسراء فهذا مثال للحمد بالصفات الخالصة لله وحدة , وقال تعالى : {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (28) سورة المؤمنون , فهذا مثال للحمد على النعم المتعدية . والحمد هنا : تفيد بإثبات أسماء الله وصفاته كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : " فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع ) متفق عليه. 2. ( لله ) اللام للاستحقاق والاستحقاق : معناه أن المستحق للحمد هو الله تعالى , ولا يستحق الحمد المستغرق الكامل إلا الله تعالى . ( الله ) هو الاسم الكريم للباري سبحانه , وهو خاص بالله تعالى , ولم يتجرأ أحد من الأولين والآخرين أن يسمي نفسه بهذا الاسم , وقد قال بعض العلماء : إنه اسم الله الأعظم . ومعناه : المألوه الذي تألهه القلوب وتعبده , وهذا الاسم الكريم دال على توحيد الألوهية , وهو توحيد العبادة , لأن الإله معناه : المعبود . 3. ( رب العالمين ) الرب : هو المربي بالنعم , ويطلق على كل من يربي ( رب ) كما قال يوسف عليه السلام : " إنه ربي أحسن مثواي " يقصد بربه هنا : سيده وهو العزيز . ولأن هذا الاسم قد يورث الاشتراك جاءت الإضافة فقال سبحانه : رب العالمين , والعالمَون : كل من سوى الله تعالى من الملائكة والإنس والجن والحيوانات والجمادات , فربها وخالقها هو الله تعالى . كما قال سبحانه : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ , قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ } سورة الشعراء . وهذا الاسم : رب العالمين : دلت على توحيد الربوبية , لأن الرب هو الخالق المنعم . وهذه الآية الكريمة ({الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} على قِصرها وإيجازها جمعت أنواع التوحيد الثلاثة ( الربوبية / الألوهية / الأسماء والصفات ) وبداءة السورة بالحمد والثناء على الله تعالى إشعار ببدء كتابه بهذا الثناء , وأنه أهل للحمد والثناء , وقد بين ابن كثير أن الله تعالى بدأ كتابه بالحمد , وبدأ الخلق بالحمد بقوله ({الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} (1) سورة الأنعام , وقوله تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) سورة فاطر , واختتم الخلق والحساب والبعث بالحمد بقوله : {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (75) سورة الزمر , واختتم أهل الجنة كلامهم بالحمد : {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (10) سورة يونس , فلله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً , ملء السموات والأرض , وملء ما بينهما , وملء ما شاء ربنا من شيء بعد . الآية الثانية : {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} 1. ( الرحمن ) اسم كريم من أسماء الله تعالى ,وهو صفة مشبهة جاءت بوزن ( فَعْلان ) وصيغة ( فَعْلان ) تدل على السعة والامتلاء كما يقال : ملآن , ريّان , غضبان .... , والصفة المشبهة تدل غالباً على الثبات والدوام . فدل الاسم الكريم على السعة العظيمة لصفة الرحمة , فالرحمة من الله تعالى نوعان : أ – رحمة عامة : لجميع الخلق . ب – رحمة خاصة : للمؤمنين فقط . أما الرحمة العامة فهذا يدل عليه الاسم الكريم ( الرحمن ) , لأن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلماً .ورحمته لا تنفك عنه سبحانه , وقد سبقت رحمتُه غضبَه . ولو تأملنا أعلى المخلوقات وأعظمها سنجد أنه العرش , وسنفهم حينئذ ارتباط اسم الرحمن بالعرش كما قال تعالى :{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه ,{ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ } (59) سورة الفرقان وهذا يدل على أن الذي استوى على العرش قد وسعت رحمته كل من تحت العرش من جميع المخلوقات فجاء اسم الرحمن مناسبا لفظا ومعنى . واسم ( الرحمن ) لا يطلق إلا على الله تعالى , ولا يجوز أن يتسمى به أحد من البشر أو غيرهم , ولما تجرأ مسيلمة بني حنيفة وسمى نفسه ( رحمن اليمامة ) وصمه الله بصفة الكذب , فلا تزال ملاصقة له إلى يوم القيامة , فلا يقال : مسيلمة إلا يقال بعدها : الكذاب [ انظر : تفسير ابن كثير : 1/38 ] 2. ( الرحيم ) صيغة مبالغة على وزن ( فعيل ) , وهذا يدل على المبالغة في الرحمة , وهي زيادة على الرحمة العامة , والزيادة في الرحمة لا تكون إلا للمؤمنين المتقين , كما قال تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (43) سورة الأحزاب وهذه الآية الكريمة ( الرحمن الرحيم ) جمعت اسمين عظيمين لله تعالى دل أولهما على الرحمة العامة , ودل الثاني على الرحمة الخاصة , وهذا فيه ترغيب للعباد بما عند الله من الرحمة كما قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (156) سورة الأعراف . وتقديم ( الرحمن ) على ( الرحيم ) فيه عدة بلاغات : 1. تقديم الأعم على الأخص . 2. تقديم الاسم الخاص بالله على الاسم المشترك : وذلك لأن اسم الرحمن خاص بالله تعالى ولا يجوز أن يتسمى به أحد من البشر كائنا من كان , أما اسم الرحيم فقد يوصف به البشر بلفظ : ( رحيم ) كما قال تعالى : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة , فوصف الله رسوله بأنه : رؤوف رحيم . 3. تقديم العالي على النازل صوتياً , وذلك لأن اسم الرحمن فيه علو صوتي لوجود الألف في وسطه ( الرحمان ) فكأن الصوت يرتفع إلى الأعلى , ثم ينخفض عند نهاية الآية بوجود الياء في ( الرحيم ) , فيكون في هذا تناسقاً صوتيا عجيباً , ولعل هذا التناسق موجود في جميع آيات السورة : ارتفاع يتبعه انخفاض : العالمين , الرحمن الرحيم , مالك ..الدين , إياك نستعين , الصراط المستقيم , الضآلين . الآية الثالثة : {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : بدئت الآية بلفظ : مالك , وفيها قراءتان سبعيتان مشهورتان : مالك , ملِك , وكلاهما يدل على الملك العام المطلق , وأضيف الملك إلى اليوم إضافة امتلاك وقهر . وفي التعبير بامتلاك اليوم فائدتان : الأولى : أن كلمة ( يوم ) اسم دال على الزمان , والزمان في الأصل لا يُملك , ولكن الذي خلقه هو الذي يملكه , ومن استطاع أن يمتلك الزمان فهو على غيره أقدر سبحانه جل جلاله . الثانية : أن مَنْ ملَكَ ذلك اليوم الرهيب العصيب , وهو يوم الحساب , فهو عظيم جبار لا منتهى لقوته وعظمته , وأنه سبحانه يملك هذا اليوم العصيب ويملك ما دونه من الأيام كأيام الدنيا كما قال تعالى : " {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (16) سورة غافر , وقال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (5) سورة إبراهيم . والدين : سم من أسماء يوم القيامة , ومعناه يوم يدان الناس بأعمالهم أي يحاسبون . وفي هذا إشارة للتخويف من حساب الله تعالى والترهيب من عقابه , ويأتي بعد الترغيب ( الرحمن الرحيم ) وهذا منهج قرآني فريد , وهو الجمع بين الترغيب والترهيب . انتهى الجزء الأول , ومن كانت لديه إضافة فليطرحها مشكوراً . كتبه الفقير إلى عفو ربه : علي بن سليمان الحامد
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
الإشارات المرجعية |
|
|