|
|
|
23-10-2011, 01:07 AM | #11 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
تكملة : وقوله سبحانه : {قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (2) سورة الكهف بين الله تعالى مهمة القرآن الكريم , وأنه نذيرٌ وبشير . فهو نذير للناس من عذاب الله تعالى , فهو سبحانه صاحب البأس الشديد والعذاب الأكيد . وبشير للمؤمنين به المصدقين بما فيه بشرطين : الإيمان ,, والعمل الصالح . فإذا اجتمعا كانت البشارة من القرآن القيم " أن لهم أجرا حسنا " وهي جنة الخلد خالدين فيها أبدا . وهذه وظيفة القرآن العظيمة كما قال سبحانه في موضع آخر : { وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} (12) سورة الأحقاف وقال سبحانه : {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ , بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} (4) سورة فصلت . فهو نذير للظالمين والطغاة , وبشير للمؤمنين والمحسنين . مسألة : قال تعالى : " لينذر بأسا شديدا من لدنه " , لكنه لم يذْكُرْ صفة الْمُنْذَرين الذين يستحقون هذا الإنذار والتوعُّد الشديد , لكنه مع ذلك ذَكَر صفة الْمُبَشَّرِينَ وهم ( المؤمنين الذين يعملون الصالحات " فلماذا ذكر الثانية ولم يذكر الأولى ؟ الجواب والله أعلم : أنه لم يذكر صفة الْمُنذرين احتقارا لشأنهم , وأنهم لا يستحقون أن يذكروا في مقابل أهل البشارة , وهذا أسلوب قرآني فريد , ومنه قوله تعالى : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر . ففي الآية حذف ظاهر , والتقدير والله أعلم : أمن هو قانت كمن هو غير قانت ؟؟؟ وقوله تعالى : {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء } (33) سورة الرعد . وقد يكون عدم ذكره لصفة المنذَرين لأنها مفهومة من صفة المبشَّرين , فكل من خالف صفة أهل البشارة وهي الإيمان والعمل الصالح فهو داخل في الإنذار . وهناك تعليل ثالث : وهو أن الإنذار عام لجميع الناس التقيِّ والضالّ , والبَرِّ والفاجر , فلم يذكر صفة محددة , وإنما جعله عاما ليعتبر بالإنذار أهل الإيمان فلا ينكصوا عن إيمانهم , وليعتبر بالإنذار أهل الضلال فيعودا إلى رشدهم . ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (52) سورة إبراهيم . فجهل القرآن بلاغا للناس كلهم وإنذاراً لهم . ولعل هذا التوجيه أقوى الثلاثة , لأن القرآن يفسر بعضه بعضا , مع أن الوجهين الأولين محتملان . والله أعلم . ثم أعاد الإنذار سبحانه بشكل خاص للكفار الذين جعلوا لله الولد سبحانه " {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} (4) سورة الكهف وهم مشركو العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله . ثم بين سبحانه أقوى حجة للرد على هؤلاء بهذا الادعاء الكاذب , بأنهم ليس لهم به علم , أي ليس لهم حجة ولا برهان , فإن كانت لكم حجة أو برهان بأن لله ولدا فأتوا بها ! ولكن هيهات ,,, "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " [ تفسير ابن كثير 3/98 ] . ولننظر في المنهج القرآني العظيم في الرد على المخالفين , حيث لم يكذبهم لأول وهلة , بل طلب منهم الدليل والحجة وهي العلم الصريح , فلما بين سبحانه أنه ليس لديهم ذلك حكم علي قولهم بالكذب والبهتان , وجعل قولهم كلمة عظيمة كبيرة . ومثل هذا قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى , وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (28) سورة النجم . وقوله تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ} (24) سورة الأنبياء وقوله سبحانه : {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (117) سورة المؤمنون {أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (64) سورة النمل فهو سبحانه يعطي الكفار المكذبين فرصة للبحث عن حجة أو دليل أو برهان لبيان صدق دعواهم , وهو سبحانه أعلم ببطلان كلامهم , ولكنها التربية القرآنية العظيمة : 1. أن نكون في ديننا على برهان من ربنا وعلم يقيني . 2. أن نلجأ إلى العلم اليقيني في الحوار مع المخالِف قبل تسفيه رأيه وبيان خطئه , لأن القرآن طلب من هؤلاء المشركين الحجة والدليل , فحين أخبر أنهم لن يستطيعوا حكم عليهم بالكذب .. 3. أن العلم اليقيني القطعي إنما هو من عند الله تعالى ووحيه , فحين بينَ سبحانه أن القرآن ليس له عوجٌ , وأنه قيم على غيره , دل على أنه حق لا مرية فيه , وأن أحكامه وأخباره وأوامره كلها حق صُراح , وهو العلم اليقيني الذي يجب اتباعه , لأن القرآن داعٍ إلى عبادة الله وحده لا شريك له , وهذا هو اليقين الذي جاء به القرآن , وهو اليقين الذي طلبه الله من المشركين فلم يأتوا به , وحينئذ فالعلم الحقيقي إنما هو في هذا الكتاب العظيم . قوله سبحانه : " كبُرت كلمةً " كلمة : منصوبة على التمييز , أي كبر قولُهم أن لله ولدا كلمةً . وهذا أسلوب تعجب كأنه قال : ما أكبرها من كلمة ,كما تقول : أكرم بزيد رجلاً , وشرُفَ زيدٌ نسباً [ البحر المحيط لأبي حيان 7/138 ] . قوله سبحانه : " إن يقولون إلا كذبا " إنْ : هنا نافية ,, أي ما يقولون إلا كذبا وجاء التعبير بالفعل المضارع ( يقولون ) للدلالة على أن قولهم – في الله سبحانه - مهما اختلف الزمان وتباعدت بهم الشقة فإنه كذب ومحض افتراء, لأنهم يقولون على الله الكذب عمدا وقصدا كما قال سبحانه : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (75) سورة آل عمران . لأن الفعل المضارع يدل على التجدد من جهة الفعلية , ويدل على الاستمرارية من جهة شبهه بالاسم . والله أعلم . ملحوظة هامة : أرجو من الإخوة والأخوات المشاركة في التفسير ولو بشكل موجز , لأن صاحبكم قد لا يفرغ دائما , والأمر يحتاج إلى جهد كبير مع ما فيه من الفوائد العظيمة . وقد أهتم بالجوانب اللغوية والبلاغية , وغيري يهتم بالنواحي التربوية , وآخر بالأحكام الشرعية فيحصل التكامل بحمد الله . نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه , وأن يعلمنا ما ينفعنا . أخوكم : علي الحامد .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
الإشارات المرجعية |
|
|