[أبو سليمان الحامد]

قال الله تعالى : {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ , فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ , رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ , لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} ( 35-38 ) سورة النــور


وقفت مليا أتأمل هذه الآيات العظيمة , وخرجت بفائدة جليلة وهي أن هذا النور العظيم المذكور في الآية إنما هو يَمُرُّ عبر هذه البيوت العظيمة ( المساجد ) , وبقدر حظك من بيوت الله يكون حظك من هذا النور العظيم .
كيف يرتبط النور بالمساجد ؟
الجواب على ذلك بما ذكر في الآيات :
1. المساجد يُذْكَرُ فيها اسمُ الله ( ويذكر فيها اسْمُه ) وأعظم ذكر لله تعالى هو القرآن الكريم , والقرآن العظيم هو النور المبين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء , {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (8) سورة التغابن .
2. المساجدُ يكثر فيها التسبيح ( يُسبح له فيها بالغدو ... ) والتسبيح تنزيه الله تعالى عن النقائص , وهو من مكفرات الذنوب , قالr : " مَنْ قالَ : سُبْحَانَ الله وبحمده فى يومٍ مائة مرةٍ حُطَّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر "رواه البخارى ومسلم , وتكفير السيئات نورٌ لصاحبه في الدنيا والاخرة , ولهذا جاء في آخر الآيات : " ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله .. " وهذا هو النور العظيم يوم القيامة قال تعالى : {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (12) سورة الحديد , وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم .
3. المساجد تقام فيها الصلاة " لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ " , قال r : " والصَّلاةُ نُور " أخرجه مسلم , وجاء في حديث آخر في السنن بسند جيد : " بَشِّر الْمَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التَّامِّ يوم القيامة " .
4. المساجد لله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن , وهي بيوت الله تعالى : " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم " رواه مسلم , والله تعالى هو النور , ومنه النور : " الله نور السموات والأرض " .
فمن ارتبط قلبه بالمساجد فقد أخذ حظه من النور التام المبين , ومن ابتعد عن المساجد وما فيها من نور وهداية وحقٍّ وتُقًى , فلن ينال النور ولو بذل كل ما يستطيع , ولهذا ختم الله هذه الآيات بعد ما ساق أحوال الكافرين بقوله : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (40) سورة النــور .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل نور الإيمان والدين , وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعَه , وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه : أبو سليمان ( علي الحامد )
الاثنين 12/4/1433 هـ .