|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
30-12-2005, 06:59 PM | #1 |
إمام وخطيب جامع الروّاف
تاريخ التسجيل: Sep 2004
البلد: السعودية
المشاركات: 261
|
ثقافتنا بين المناعة والمنع
الله الرحمن الرحيم
ثقافتنا وتربيتنا بين المنع والمناعة د. صالح بن عبد العزيز التويجري خطبة الجمعة 21-11-1426هـ سعى الإعلام ـ وعلى طول المراحل التاريخية ـ أن يحقق غرضين هامين هما: تحصين الذات وبيان ملامحها ونشر أفكارها، واختراق الآخر والتأثير عليه. ومن هنا يمكن التعرف على سرِّ اهتمام البشرية به منذ فجر التاريخ، وتناميه على مرِّ الزمن، وتوسع أطره وآلياته وغاياته. كما سعى أن يوسِّع ـ كماً وكيفاً ـ من وسائله حتى يخاطب أكبر قدر ممكن من الشريحة الاجتماعية، والتأثير عليها، وأخذ يجدِّد وينوِّع منها لمعرفته بتنوِّع مصادر اهتمامات الناس، بين وسائل مقروءة، ومسموعة، ومرئية . وهكذا لم يكتفِ بالجريدة، والمجلة، والتلفاز، بل راح يسعى إلى تحويل العالم إلى قرية صغيرة، تغرقها سيولٌ من القنوات الفضائية بوابل هتَّان قد يُنبت، وقد يُغرق. ولم يكتفِ بذاك، بل ربط العالم بأكمله عبر شبكة ( الإنترنت ). ودخلت الأسرة الكونية عصر الثورة المعرفية، وثورة الاتصالات، والانفجار المعرفي، الذي أفقد حتى الدول السيطرة على تدفق المعلومات. ولقد " تغيَّرت أحوال المعرفة في العالم تغيُّراً جذرياً، فإذا كان العلم في الماضي لا يتجدَّد إلا بعد قرون وقرون، فإنَّ المعرفة المعاصرة تتضاعف كلَّ سبع سنوات. إنَّه تسارع مذهل يكفي للتدليل عليه أنَّه سنوياً يُوضع 40 ألف مصطلح جديد في مختلف ميادين العلوم، وفي كلِّ دقيقتين يصدر مقال علمي في جهة ما.. من العالم " كما يقول بعض المختصين. وبما تحويه وسائلُ الإعلام من تقنية عالية أخذت تنازع الأسرةَ والمدرسةَ اللتان أخذتا تُخْلِيان مكانهما لها؛ رضوخاً للمنازع الأقوى الذي راح يستبد بالساحة، لاسيَّما وسط الانشغالات الأسرية، وزحمة المدنية المعاصرة. وليس الإعلام هو الطريق الوحيد للاختراق الثقافي وإنما ذكر كنموذج فلربما جاء الاختراق من صديق أو شخصية اجتماعية أو ثقافية مؤثرة . عباد الله: سياسة المنع أم ثقافة المناعة. المنع: هو تحصين الفرد والمجتمع بحصن خارجي منيع يحول دون وصولهم إلى ثقافة معينة أو وصولها إليهم؛ فتنصب كل العوازل للحيلولة دون التأثير على الفرد أو المجتمع.وكأننا بهذا نمارس الحجب القهري.. ونزعم فرض الوصاية. والحجر على الأفكار. بدافع الخوف من وعلى.. وتوهم الهيمنة الوهمية. والمناعة: هي التحصين الداخلي الذاتي والذي يخاطب الوجدان والضمير الحي.. عبر بوابة التحاور والتشاور وزرع الثقة الواعية وحسن توصيف الخطر بدون تهويل مشوق أو تهوين.. فإن انفتاح واقعنا الاجتماعي اليوم، على الكثير من وسائل الإعلام والتواصل، خلق جملة من التحديات ولكن لا يمكننا مواجهة هذه التحديات أو إنهاء الهواجس بالمزيد من المنع والحظر؛ لأنها وسائل غير فعّالة ولا شاملة. وإنما نحن بحاجة اليوم إلى وسائل أكثر تأثيرا وأجدى نفعاً، تحول دون خضوع المجتمع بأسره تحت تأثير خيارات ثقافة وأيدلوجية وافدة. إن بناء واقعنا الاجتماعي، على أساس الوعي والعلم والنقد، هو الخيار القادر على مواجهة التحديات ومقاومة الهواجس. ولا سبيل أمامنا إلا غرسُ ثقافة المناعة، لأنها هي الثقافةُ القادرةُ على مواجهة الوافد الثقافي والاجتماعي والإعلامي وممانعتِه على مختلف المستويات. أما الاقتصار على سياسات المنع فإنه يقود غالباً إلى اختراع وسائلَ لكسرها ومنع تأثيرها. ولقد أبانت تجاربُ الكثير من الأمم والشعوب، أن لغة المنع وحدها غير مجدية. وذلك لأن كل ممنوع مرغوب. فتتجه إرادة الكثير من الناس إلى مقاومة المنع وكسر قيوده بوسائل مختلفة. وهذا بطبيعة الحال، يقود إلى تأثيرات سلبية ومفارقات اجتماعية خطيرة. وينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن سياسة المنع ليست مرفوضةً بالجملة، (لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم)؛ بل إن من القواعد الشرعية التي يقررها العلماء في سياسة المنع قاعدة: ( سد الذرائع ) وهي وسط بين شدة التضييق وفجوة التمييع، فقد جاء المنع من اتخاذ الصور والأصنام، والصلاة في المقابر وإلى القبور، وبناء المساجد والقباب عليها، كل ذلك سداً لذريعة الشرك وحماية لجناب التوحيد. ولقد نهى الشارع عن إطلاق البصر إلى النساء الأجنبيات والخلوة بهن سداً لذريعة الوقوع في الفاحشة. وفي هذا الباب أيضا قاعدة: (درء المفاسد أولى من جلب المصالح)، كمنع شرب الخمر الذي يفسد العقل والدين والعرض والمال والنفس. وليس كل الناس ينفع معهم أسلوب المناعة بل المنع أنفع في حقهم، إما لقصور في الإدراك أو ضعف التحكم في مرادات النفس لطغيان أمراض الشهوات، أو قصور الفهوم عن إدراك المقاصد العظمى ، ومن ثم يتعين التسليم دون مناقشة (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). بارك الله لي ولكم ... الخطبة الثانية: عباد الله: يغيب الرقيب، ويموت الحي ، ويضعف القوي، وييأس الحافظ، ويغفل الفطن، ويتقلب المريب، ومن مأمنه يؤتى الحذر، وهنا يأتي دور المناعة. فكيف نحقِّق المناعة ؟ * نحقق المناعة بتنمية الوازع الديني في النفوس، (أيحسب الإنسان أن يترك سدى)، (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). من مقاصد الشرع المطهر خلق الضمير الحيِّ الملتهب بحرارة الإيمان، الذي يلزم صاحبه، ويقوده إلى الخير، وينهاه عن الشر، ويحاسبه عليه لو صدر منه ( لا أُقسم بيوم القيامة . ولا أُقسم بالنفس اللوَّامة ). ومن تلك المقاصد العظيمة ما يدعو إلى العفة ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم …، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن…) . كما يسعى الإسلام إلى إيجاد برامجَ تدعم الروح وتقوِّيها وتزكيها وتطهرها، كالدعاء، والمناجاة، والصلاة، والصوم، وقراءة القرآن. والصبر عن المعاصي، ومجاهدة النفس، والتوبة والاستغفار. لتقوية الإيمان.. وتحقيق الإحسان فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. حدثني أحد الفضلاء أن شاباً وسيماً غنياً .. اتصلت به فتاة تراوده عن نفسه.. فقال لها: آسف جداً إن هاتفي مراقب.. سألته كيف.. فقال الله يقول: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد..). إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيب ولا تحسبن الله يغفـل ســاعة *** ولا أن مـا تخفي عليه يغيب * نحقق المناعة بالنضج الفكري بكلِّ أبعاده: العقدية، والثقافية، والسياسية .. وكما نهتم بالمأكول والمشروب فإننا نحتاج إلى الاهتمام بالعقل وغذائه. نحتاج إلى القراءة، وسماع الأخبار، والاستنتاج الحرِّ، وتزويد العقل بالأفكار الحية الناهضة، والقيام بعملية تحليل وتركيب للأفكار قبل اعتناقها؛ حتى لا نقبل أيَّ ( صرعة فكرية ) تظهر في السوق أو الإذاعة أو التلفاز أو على الشبكة العنكبوتية، إنَّ ( الخواء الفكري ) يجعل الإنسان كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيءٍ إلاَّ قبلته، ويدفع فيما بعد إلى ظاهرة ( الاستلاب الفكري )، والانبهار بكلِّ ما يفد من الآخر المختلف، ولو كان على حساب الذات والمؤتلف. * نحقق المناعة بالرشد الاجتماعي. والحصول على الرشد الاجتماعي يحتاج إلى المخالطة، والتجربة، والذكاء الاجتماعي، وحسن التصرُّف؛ حتى يُصدر المرء التصرُّف الحكيم، ولا يكون (أمَّعة) يقول : إن أحسن الناس أحسنتُ، وإن أساؤوا..أسأتُ،.مع المتدينين حيناً، وحيناً مع غيرهم، مع التصرُّفات الرشيدة حيناً، ومع التقليد الأعمى لكلِّ ما لا يتناسب مع خصوصيتنا الثقافية أخرى. إن ما تقوم به وسائل الإعلام أنَّها تجعل غير المألوف اجتماعياً مألوفاً ومقبولاً ضمن التداول الاجتماعي. وهذا واحدٌ من الأسباب التي تُعلِّل تحوُّل ما يُشاهَد إعلامياً إلى مجسَّدٍ ضمن الممارسة الاجتماعية؛ لأنَّه يوم عُرض وجد من يتقبَّله، ويهضمه، ويعيد تمثيله على أرض الواقع. موضات اللباس، قصات الشعر، التعاملات الاجتماعية، وتصرُّفاتٌ اعتنقها كثيرون عبر ما يرونه في وسائل الإعلام، ثم الصمت الاجتماعي تجاهها.. حتى تجرأ الرويبضة فتموت بأمر العامة. وتسلق منابر الحديث مسيسون وهم لا يشعرون. فأصبح كل ذي لسان ولو لم يكن لسان صدق. يتحدث تصفيقاً وإدانة واستنكاراً. فلا غرابة أن ترى صحفياً أو مراسلاً. أو لاعباً أو فناناً أو بطل مسلسل. يخوض فيما لا يحسن ويهرف بما لا يعرف.. ومن خرج عن تخصصه أتى بالعجائب والطوام . وأضحك وأبكى. (الدعاء)
__________________
1) الملاحظات. 2) اقتراح موضوع خطبة مع دعمه بوثائق أو مراجع. الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني: saleh31@gmail.com حفظكم الله ... |
الإشارات المرجعية |
|
|