بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » العقوبات الكونية أسبابها وعلاجها

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 06-05-2006, 07:21 PM   #1
د. صالح التويجري
إمام وخطيب جامع الروّاف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2004
البلد: السعودية
المشاركات: 261
العقوبات الكونية أسبابها وعلاجها

بسم الله الرحمن الرحيم
العقوبات الكونية أسبابها وعلاجها
د. صالح بن عبد العزيز التويجري
7-4-1427هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله، وصفيه وخليله. بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده. صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. يقول الله تعالى: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ﴾ [الإسراء : 60].
سنة واحدة يأخذ الله بها المكذبين من عباده،و المعرضين عن شرعه المسرفين على أنفسهم. يأخذهم بالبأساء والضراء لعلهم يتقون فإذا لم يستجيبوا أخذهم بالنعماء والسراء وفتح عليهم الأبواب، وتركهم ينمون ويكثرون ويستمتعون كل ذلك للابتلاء، حتى إذا انتهى بهم اليسر والعافية إلى الاستهتار والترخص، وإلى الغفلة وقلة المبالاة أصابهم ما أصاب الأممَ من قبلهم من العذاب، فأخذهم الله بغتة وهم لا يشعرون، سادرون في الغفلة، ولو أنهم آمنوا واتقوا لأفاض الله عليهم من رزقه. ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ . ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [الأعراف :94- 95].
عباد الله: إن الله تعالى حليم حكيم، غفور رحيم، شديد العقاب، حذر عباده الذين يرثون الأرض من بعد أهلها حذرهم الغفلةَ والغِرّةَ، ودعاهم إلى اليقظة والتقوى، وأمرهم بأخذ العبرة في مصارع الغابرين، فسنة الله لا تتبدل. ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ . أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف :97-99].
وقبل يومين عشنا مشهداً عظيماً، يذكرنا بمشاهد القيامة، حدث يذكر بريح عاد وثمود، مشهد تحجب فيه الأنوار، وتشخص فيه الأبصار، ويظهر عجزُ بني آدم وضعفُهم أمامَ قدرة الله سبحانه. مشهد تقشعر له جلود المؤمنين خوفا، ليزدادوا إيماناً إلى إيمانهم، وتستيقظ له أفئدة الغافلين ليئوبوا إلى ربهم. ريح سوداء مظلمة، تعقبها ريح حمراء مفزعة، غبرة وقتر. ما أهون الخلق على الله، إذا هم خالفوا أمره، أو حاربوا دينه، أو آذوا أولياءه. فهل تذكرت أيها العبد الضعيف وأنت أمام سيارتِك التي تهتز، وقطيعِ غنمك الذي تفرق، وبصرِك الذي تكدر، ونفسِك الذي ضاق و مريض الربو الذي أصيب بالإغماء، وحيرتك أمام زرعك ومتجرك وفي قعر دارك، والسفن في البحار والثمار في الأشجار ما حالها إذا جاء أمر الله. مشهد فيه عبرة وموعظة تلفت انتباه الغافل. فما السبب؟! أهو غضب الطبيعة كما يزعم الدهريون أم حدث سنوي عابر يساق في أخبار الفلكيين؟ إن هذه الآيات الكونية العظيمة المخيفة، من الريح أو الكسوف أو الزلازل والأعاصير والفيضانات، رسل نذر من رب العالمين، تنبىء بغضب الرب، وتنادي بسخطه، يخوَّف بها العباد ويحذرهم التمادي في العصيان. فليس بين الله وبين أحد من عباده نسب ولا واسطة، وهلاك الأمم والمجتمعات يكون بما قدمته أيديهم بلحظة أو لمحة بصر. فمن أسباب ذلك: الوقوع في الذنوب. من الفسوق، وتعاطي المخدرات وشرب المسكرات، والتبرج والسفور. وقطيعة الأرحام، والغش في المعاملات وأكل أموال الناس بالباطل، والسرقة والقتل، والتعدي على حدود الله. والإيغال في الغفلة والبعد عن الله وشرعه، والركون إلى الدنيا وملذاتها. قال تعالى: ﴿ َفكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، ومن أسباب الهلاك العظيمة التي تخرب الديار وتهلك الأمم وتفسد المجتمعات وتقضي على الكرامة وتخلط الأنساب وتهضم الحقوق وترفع العفة وتجلب الفوضى وتنشر الظلم وتخرم النظام في العالم ظهور الربا وانتشار الزنا. فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل" (رواه الإمام أحمد بسند صحيح وحسنه الألباني).
ومن أسباب الهلاك: الظلم. ظلم النفس أو ظلم العباد. ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً ﴾ [الكهف: 59]. ومن الأسباب: الشح بالمال والبخل به. مما يورث الاستبداد ومنع حقوق الله تعالى من الصدقات والزكوات. عن جابر بن عبدالله –رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشحَّ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم ". (أخرجه مسلم في صحيحه 2578 ).
ومن الأسباب: كثرة الخبث وانتشار المنكر في كل شيء، ففي الصحيحين عن زينبَ بنتِ جحشٍ -رضي الله عنها- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزِعًا يقول: " لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه -وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها- قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". أخرجه البخاري (3168) ومسلم (2880). ومن أسباب الهلاك: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الأخذ على أيدي المفسدين والمنحرفين، عن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" أخرجه الترمذي (2169) وحسنه الألباني. ومن هنا يتبين لنا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهمية الدفاع عن رجال الحسبة، وإعانتهم والدعاء لهم، فهم حياض الأمة من وقوع العذاب، وسبب رئيس للنجاة من غضب الرب وعقابه.﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78-79].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من القرآن والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
عباد الله: ما هو العلاج؟
إن الإيمان بالله، وإخلاص العبادة له وإقامة دينه وحدوده وشرعه كما أمر، وتقواه سبحانه ليست مسألة منعزلة عن واقع الحياة، وليست طقوسًا كنسية محصورة في دير أو كنيسة أو ترانيم تصوف، ومواجيد ترفض. ولا احتفالات موسمية تكال فيها المدائح والمنجزات وليست ثورة أو خروجًا، ولا مزايدة على وطنية أو قيم إنها منهج حياة إنها صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة حين تصبغ حياتنا كلها بالدين ﴿ قلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام : 162] إن الإيمان بالله وتقواه لا يدفعان الهلاك فحسب؛ بل يؤهلان لفيض بركات السماء والأرض، وعداً من الله، ومن أوفى بعهده من الله؟ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف : 96]. فالإيمان بالله قوة تجمع حيوية الفطرة، وصدق الإدراك، وأصالة في البنية البشرية، ورحابة فهم حقائق الوجود الممكنة، منهج يحرر من العبودية للهوى أو للعبيد. تقوى الله: يقظة واعية تصون من الاندفاع والتهور والشطط والغرور، توجه الجهد البشري في حذر وتحرج، فلا يعتدي، ولا يتجاوز حدود النشاط الصالح. وبهذا تسير الحياة متناسقة صالحة منتجة تستنزل مدد الله بعد رضاه. تحفها البركة، ويعمها الخير، ويظلها الفلاح.
عباد الله: هذه دعوة تحذير للعودة والرجوع والفرار إلى الله. للوقفة مع النفس، وقفة محاسبة ومراجعة. للتغيير إلى الأحسن والأصلح. ﴿ ِإنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]. للتوبة إلى الله تعالى والاستغفار من كل الذنوب والمعاصي. ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]. ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور : 31].
هذه دعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر ثقافة الإصلاح والتناصح من كل شرائح المجتمع . ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165]، وقال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 116].
عباد الله: إن التضرع إلى الله تعالى في الرخاء علاج للكربات والشدائد. فاحفظوا الله في الرخاء يحفظكم في الشدة. أكثروا من ذكر الله ودعائه واحمدوه في السراء، فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك". أخرجه الترمذي (2516)وصححه الألباني.
عباد الله: ما أهون الخلق على الله إذا هم خالفوا أمره، وماذا تصنع المراصد والعوائق والاحتياطات إذا جاء أمر الله. ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ [الرعد : 11].
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم... اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أصلح ولاة أمرنا، وارزقهم البطانة الصالحة. يا رب العالمين اللهم ارحم موتى المسلمين.
__________________
1) الملاحظات.
2) اقتراح موضوع خطبة مع دعمه بوثائق أو مراجع.

الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني:
saleh31@gmail.com

حفظكم الله ...
د. صالح التويجري غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 08:59 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)