|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
01-06-2002, 08:33 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: May 2002
البلد: بريده
المشاركات: 476
|
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
اقسم بلله انك لنتندم اذا حفظت الموظوع وقرأته في وقت ثاني
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له الحمد كله , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم . أما بعد : فإن راحة القلب وطمأنينته , وسروره وزوال همومه وغمومه , هو المطلب لكل أحد , وبه تحصل الحياة الطيبة , ويتم السرور والابتهاج ; ولذلك أسباب دينية , وأسباب طبيعية , وأسباب عملية , ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين ; وأما من سواهم , فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه , فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالا ومآلا . ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى , الذي يسعى له كل أحد , فمنهم من أصاب كثيرا منها فعاش عيشة هنيئة , وحيي حياة طيبة , ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء , وحيي حياة التعساء , ومنهم من هو بين بين , بحسب ما وفق له . والله الموفق , المستعان به على كل خير , وعلى دفع كل شر . فصل وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح , قال تعالى : { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ سورة النحل : الآية 97 ] فأخبر تعالى , ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح , بالحياة الطيبة في هذه الدار , وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار . وسبب ذلك واضح , فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح , المثمر للعمل الصالح , المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة , معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج , وأسباب القلق والهم والأحزان ; يتلقون المحاب والمسار بقبول لها , وشكر عليها , واستعمال لها فيما ينفع , فإذا استعملوها على هذا الوجه , أحدث لهم من الابتهاج بها , والطمع في بقائها وبركتها , ورجاء ثواب الشاكرين , أمورا عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها . ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته , وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه , والصبر الجميل لما ليس لهم منه بد , وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة , والتجارب والقوة , ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره , وتحل محلها المسار والآمال الطيبة , والطمع في فضل الله وثوابه , كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير , إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له , وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ) . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره . لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر , فيتفاوتان تفاوتا عظيما في تلقيها , وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح . هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما , فيحدث له السرور والابتهاج , وزوال الهم والغم , والقلق , وضيق الصدر , وشقاء الحياة , وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار , والآخر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان , فتنحرف أخلاقه , ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع , ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب , بل مشتته من جهات عديدة , مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته , ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالبا , ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى , قد تحصل وقد لا تحصل , وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضا قلق من الجهات المذكورة . ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر , فلا تسأل ما يحدث له من شقاء الحياة , ومن الأمراض الفكرية والعصبية , ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوإ الحالات , وأفظع المزعجات , لأنه لا يرجو ثوابا , ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه . وكل هذا مشاهد بالتجربة , ومثل واحد من هذا النوع , إذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس , رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه , وبين من لم يكن كذلك . وهو أن الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله , وبما آتى العباد من فضله وكرمه المتنوع ; فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر , أو نحوه من الأعراض التي كل أحد عرضة لها , فإنه بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له , تجده قرير العين , لا يتطلب بقلبه أمرا لم يقدر له ; ينظر إلى من هو دونه , ولا ينظر إلى من هو فوقه , وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو محصل على جميع المطالب الدنيوية , إذا لم يؤت القناعة . كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان , إذا ابتلي بشيء من الفقر , أو فقد بعض المطالب الدنيوية , تجده غاية في التعاسة والشقاء . فصل ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب , واشتغال القلب ببعض المكدرات : الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة , فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه , وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم , ففرحت نفسه , وازداد نشاطه , وهذا السبب أيضا مشترك بين المؤمن وغيره , ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه , وبعمل الخير الذي يعمله , إن كان عبادة فهو عبادة , وإن كان شغلا دنيويا وعادة دنيوية أصحبها النية الصالحة , وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله , فلذلك أثره الفعال في دفع الهم والغموم والأحزان , فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار , فأحلت به الأمراض المتنوعة فصار دواؤه الناجع نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه , واشتغاله بعمل من مهماته . وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه , فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع والله أعلم . فصل ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله , فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته , وزوال همه وغمه ; قال تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } [ سورة الرعد : الآية 28 ] فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته , ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره . وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة , فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم , ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها , حتى لو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا , فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا يحصى لها عد ولا حساب , وبين ما أصابه من مكروه , ولم يكن للمكروه إلى النعم نسبة , بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد , وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم , هانت وطأتها , وخفت مؤنتها , وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها , والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى , يدع الأشياء المرة حلوة , فتنسيه حلاوة أجرها مرارة صبرها . ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال : ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) , فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل , رآه يفوق قطعا كثيرا من الخلق في العافية وتوابعها , وفي الرزق وتوابعه , مهما بلغت به الحال , فيزول قلقه وهمه وغمه , ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها . وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة , الدينية والدنيوية , رأى ربه قد أعطاه خيرا كثيرا , ودفع عنه شرورا متعددة , ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم , ويوجب الفرح والسرور . فصل ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم , السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم , وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور , وذلك ينسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها , ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال , وأن ذلك حمق وجنون , فيجاهد قلبه عن التفكر فيها , وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله , مما يتوهمه من فقر أو خوف , أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته , فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر , وآمال وآلام , وأنها بيد العزيز الحكيم , ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها , ودفع مضراتها , ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره , واتكل على ربه في إصلاحه , واطمأن إليه في ذلك , إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله , وزال عنه همه وقلقه . ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به : ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمرى , وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي , وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي , واجعل الحياة زيادة لي في كل خير , والموت راحة لي من كل شر ) . وكذلك قوله : ( اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله , لا إله إلا أنت ) , فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر , ونية صادقة , مع اجتهاده فيما يحقق ذلك , حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له , وانقلب همه فرحا وسرورا . فصل ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد من النكبات , أن يسعى في تخفيفها بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر , ويوطن على ذلك نفسه , فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان , فبهذا التوطين , وهذا السعي النافع , تزول همومه وغمومه , ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع , وفي رفع المضار الميسورة للعبد , فإذا حلت به أسباب الخوف , وأسباب الأسقام , وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة , فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها , بل على أشد ما يمكن منها , فإن توطين النفس على احتمال المكاره , يهونها ويزيل شدتها , وخصوصا إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره , فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب , ويجاهد نفسه على تجديد قوته المقاومة للمكاره , مع اعتماده في ذلك على الله , وحسن الثقة به , ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور , مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل , وهذا مشاهد مجرب , ووقائعه ممن جربه كثيرة جدا . فصل ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية , بل وأيضا للأمراض البدنية : قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة , لأن الإنسان متى استسلم للخيالات , وانفعل قلبه للمؤثرات : من الخوف من الأمراض وغيرها , ومن الغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة , ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب , أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية , والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة , التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة . ومتى اعتمد القلب على الله , وتوكل عليه , ولم يستسلم للأوهام , ولا ملكته الخيالات السيئة , ووثق بالله , وطمع في فضله , اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم , وزال عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية , وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه , فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة , وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثير من الأقوياء , فضلا عن الضعفاء , وكم أدت إلى الحمق والجنون , والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب , الدافعة لقلقه , قال تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } [ سورة الطلاق : الآية 3 ] أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه , فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام , ولا تزعجه الحوادث , لعلمه أن ذلك من ضعف النفس , ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له , ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة , فيثق بالله ويطمئن لوعده , فيزول همه وقلقه , ويتبدل عسره يسرا , وترحه فرحا , وخوفه أمنا , فنسأله تعالى العافية , وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته , وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير , ودفع كل مكروه وضير . فصل وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يفرك يبغض مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر ) فائدتان عظيمتان : إحداهما : الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل , وكل من بينك وبينه علقة واتصال , وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص , أو أمر تكرهه , فإذا وجدت ذلك , فقارن بين هذا , وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة , بتذكر ما فيه من المحاسن , والمقاصد الخاصة والعامة ; وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن , تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة , وتحصل لك الفائدة الثانية , وهي زوال الهم والقلق , وبقاء الصفاء , والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة , وحصول الراحة بين الطرفين , ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم , بل عكس القضية فلحظ المساوئ , وعمي عن المحاسن , فلا بد أن يقلق , ولا بد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة , ويتقطع كثير من الحقوق التي على كل منهما المحافظة عليها . وكثير من الناس ذوي الهمم العالية , يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة , لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون , ويتكدر الصفاء , والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار , وتركوها عند الأمور الصغار , فضرتهم وأثرت في راحتهم , فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة , ويسأل الله الإعانة عليها , وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين , فعند ذلك يسهل عليه الصغير , كما سهل عليه الكبير , ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحا . فصل العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جدا , فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار , فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة , فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهبا للهموم والأكدار , ولا فرق في هذا بين البر والفاجر , ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر , والنصيب النافع العاجل والآجل . وينبغي أيضا إذا أصابه مكروه , أو خاف منه , أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية , وبين ما أصابه من مكروه , فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم واضمحلال ما أصابه من المكاره , وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه , وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها , فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية , وبذلك يزول همه وخوفه , ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه , فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت , ويسعى في دفع ما لم يقع منها , وفي رفع ما وقع أو تخفيفه . ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك , وخصوصا في الأقوال السيئة , لا تضرك , بل تضرهم , إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها , وسوغت لها أن تملك مشاعرك , فعند ذلك تضرك كما ضرتهم , فإن أنت لم تصغ لها بالا لم تضرك شيئا . واعلم أن حياتك نبع لأفكارك , فإن كانت أفكارا فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا , فحياتك طيبة سعيدة , وإلا فالأمر بالعكس . ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله , فإذا أحسنت إلى من له حق عليك , أو من ليس له حق , فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله , فلا تبال بشكر من أنعمت عليه , كما قال تعالى في حق خواص خلقه : { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } [ سورة الإنسان : الآية 9 ] ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوي اتصالك بهم , فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم , فقد أرحت واسترحت . ومن دواعي الراحة أخذ الفضائل , والعمل عليها بحسب الداعي النفسي , دون التكلف الذي يقلقك , وتعود على أدراجك خائبا من حصول الفضيلة , حيث سلكت الطريق الملتوي , وهذا من الحكمة , وأن تتخذ من الأمور الكدرة أمورا صافية حلوة , وبذلك يزيد صفاء اللذات , وتزول الأكدار . اجعل الأمور النافعة نصب عينيك , واعمل على تحقيقها , ولا تلتفت إلى الأمور الضارة , لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن , واستعن بالراحة وإجمام النفس على الأعمال المهمة . ومن الأمور النافعة حسم الأعمال في الحال , والتفرغ للمستقبل , لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة , وانضافت إليها الأعمال اللاحقة , فتشتد وطأتها , فإذا حسمت كل شيء بوقته , أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل . وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم , وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه , فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر , واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة , فما ندم من استشار , وادرس ما تريد فعله درسا دقيقا , فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين .
__________________
|
الإشارات المرجعية |
|
|