[ولد المريدسية]

[align=justify]

========= *1* ========

تقـول القصـة العربية :
إنّ المأمونَ أشرفَ يوماً على قصـره ، فرأى رجلاً يكتبُ بفحمـةٍ على حائطِ قصره . فقال المأمون لبعض خدمه : اذهب إلى ذلك الرجل ، فانظرْ ماذا كتبَ وائتني به ، فبادرَ الخادمُ إلى الرجلِ مُسـرعاً وقبضَ عليه ، وقال له : ما كتبتَ ؟ فإذا هو قد كتبَ هذا البيتَ :
[poem=font="Traditional Arabic,6,crimson,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا قصرُ جُمّـعَ فيك الشؤمُ واللومُ = متى يُعشّشُ في أركانك البُومُ ![/poem]
ثم إنّ المــأمونَ استــدعاه وقال له : ما الذي حَمَلك على هذا ؟!!
قال : يا أميرَ المؤمنين ، إنّه لا يخفى عليك ما حَواهُ هذا القصـرُ مِنْ خزائنِ الأموالِ والحلي ، والطعـامِ والفُرُش ، والخَـدمِ والحَشـم .
وقـد مررتُ عليـه وأنا في غايةِ الجُـوعِ والفـاقةِ ، فوقفتُ متفكّـراً وقلتُ : لو كان خراباً ثمّ مررتُ به لم أُعـدمْ شيئـاً أبيعـهُ وأتقـوّتْ بثمنه .
أما سَمِـعَ أميرُ المؤمنين قولَ الشـاعر :
[poem=font="Traditional Arabic,6,crimson,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا قصرُ جُمّـعَ فيك الشؤمُ واللومُ = متى يُعشّشُ في أركانك البُومُ !
وما ذاكَ مِنْ بُغضٍ لها غيرَ أنّـهُ = يُرجّي سواها ، فَهْو يَهوى انتقـالها [/poem]

========= *2* ========

جالتْ هذه القصّـةُ في ذهني وأنا أتابعُ - بألمٍ - قَصَصَ الباحثينَ عنْ وَظيفـةٍ . أو اللاهثينَ خلفَ كلّ إعـلانٍ في أيّ صَحيفـةٍ سيّـارة .
أتابعُ حِكاياتهم ، وأروي قَصَصـهم ، وأنـدبُ حظّهمُ العَـاثرَ .
أُتابعُها وأستـرجعُ حالَ صَاحِبنا معَ المأمونِ . وهلْ سَيكتبون يوماً مِنْ الدهر هذيْن البيْـتين على جدارِ وزارةِ الخدمةِ المَدنيةِ مَثـلاً ؟!
أمْ تُراهم سَيكتبونها شِعَـاراً في قَصـرِ وزيرِ العَمَـل ؟!
أمْ تكونُ دِثاراً لهم أمام الرأي العَـام الذي لا يَخفى عليهِ حَالُهم البَئِيس ؟!
أسئــلةٌ لمْ أستطعْ مَنْعها مِنْ أنْ تَطفُو على السّطــح .. لكنّي أعْجـزُ عن القضَـاءِ عليْها .

========= *3* ========

أحْمدُ ربّي - دائماً - على أنْ مَنحني وظيفـةً تُعــدُّ في نَظـرِ العَاطلين بمرتبةِ وَزيرٍ ، أوْ تُضـارِعُ في رَاتبها رَاتبَ أحدِ أعضـاءِ مَجْلسِ الشّـورى !!
لكنني - وللأمانةِ - لمْ أفرحْ في قليلٍ أوْ كثيـرٍ لتلك الزّيادةِ المَلكيـةِ ، بلْ - واللهِ - إنّني عِشـتُ ليلتَها وأنا غَيرُ آبــهٍ لهذهِ الزيَادةِ ، وكنتُ أتمنّى أنْ تُلغى عنّا هذه الزيادةَ وتُمنــحَ للأرتالِ المتكـدّسة ..
إذْ بها سَيْستفـيد ابنُ عمّي الذي جَاوزَ السنواتِ الستَ في طابورِ الانتظـار ..
وسوفَ يَستفيدُ - أيضـاً - ابنُ الجيــران حامِـلُ الثـانويةِ الذي ظـلّ دَهْراً يَنتظـرُ دَوْرهُ ..
هـذا إنْ سلمّـنا بأنّ له دَوْراً في وزارةِ الخِـدمةِ المَدنيـّـة .
أستغفـرُ اللهَ .. وزَارة الوَاسِطـة المَدنية .
والغريبُ العجيبُ أنّ هذه الزيَادة كانتْ شُؤماً عَلينا وعَلى مَنْ حَوَالينا ، إذْ رَأينَـا غَلاءَ الأسْعَـارِ ، وارْتفـاعَ مُستوى المَعِـيشَـةِ ، فالتّـأمينُ يُحاصِرك ، والمـاءُ ورُسُـومُه تَطوفُ مِنْ حَوْلك ، والبَريـدُ قدْ علّق مِشْجَبَـهُ ليَأكلَ كمَا تأكلُ بقيّـة الوَزَاراتِ ، والتي عَصَفتْ بك حتى عُـدتَ كالعُرجُونِ القـديْم .
صَاحبي الذي أعرفُـه .. أمَــرهُ المُؤجّــر بالرّحيْـل ، أوْ قبـولِ الزيادةِ في الآجَـار .
وصَاحبي الذي لا أعرفُه يَستـدينُ آخـرَ الشهـرِ ليشـتريَ الحليبَ لأطفالهِ .
وصَاحبي الذي لا أعرفُه ولا إخَالكم تَعرفُـونه شارَفَ على الأربَعين ولمْ يستـطْعْ - بعـدُ - أنْ يُكمــلَ نصفَ دينِه .
لكنّ الذي أعرفُـه ، والذي تَعرفونه أيضـاً ، والذي يَعرفُـه جميـعُ الأصْحَـابِ هُوَ : أنّ الأسْعـَـارَ نار !!!

========= *4* ========

لنْ أُثقـلَ عليْكم ، أو أُحَــاولَ أنْ أجتَــرّ الأحْـزانَ وإيّاكمْ .. غَيـرَ أنّي رَاغبٌ إليكمْ بنصِيحَـةٍ إنْ قبلتُـمُوها كانتْ لكمْ عَـوناً ، وإنْ رَفضـتُـمثوها فهذا شَـأنُكم ، ولا أملكُ لكمْ مِن اللهِ ضَـراً وَلا نَفعاً ..
نَصيحتي تقولُ : ليْـسَ لكمْ إلا اللهَ .
تَبحثُـون عَنْ وَظيفـةٍ .. هيَ مِنْ عِنْـدِ اللهِ .
تَسْتجلبُونَ الرّزقَ .. هوَ مِنْ عنـدِ اللهِ .
تُريدونَ سَيّـارةً وزَوْجـةً .. تضـرّعوا إلى اللهِ .
[poem=font="Traditional Arabic,6,crimson,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا صَـاحبَ الهمّ إنّ الهـمّ مُنفـرجٌ = أبشـرْ بخيـرٍ فإنّ الفـارجَ اللهُ
واللهِ ما لكَ غيـرُ اللهِ مِنْ أحـدٍ = فحسبُـك اللهُ ، في كُـلٍّ لكَ اللهُ[/poem]

========= *5* ========

أحِبتي العَـاطلينَ عنِ العَمـل :
اعتبــرُوني وَاحـداً منكم ، وجُـزءاً مِنْ كِيانكم ، وَفَـرْداً مِنْ هذهِ السُّــلالةِ التي
لمْ يُرزق أحـَدُها بواسطـةٍ تنقُـله مِنْ عَالم الضّــرّاء إلى عَالمِ السّــرّاء . ولمْ يُكتـبْ لهُ أنْ يكونَ مِنْ أبنـاءِ الوجهـاءِ ، أو يكونَ قريبـاً لأحَـدِ الوزراءِ .
إذا اعتبَــرْتُموني كذلك فأنـا باسْمِكمْ - جَميْـعاً - أسْــألُ اللهَ الكـريمَ ألا تنتهي هَـذهِ المَقـالة إلا وقـدْ كُتبتْ أسْمَاؤكمْ فائزةً في الدنيـَا بوظيفـةٍ تعيشُـونَ مِنْهَا الكفـافَ . وبجنــةٍ في الآخـرةِ تُرافقـونَ بها الأنبيـاءَ والشّهـداءَ .. وليـسَ وَرَاءَ ذلك مَرْمى .
اللهمّ آميــــــــن ،،،


ولد المريدسيـــة ،،،[/CENTER]