مقالات منهجيّة : كيف نتعامل مع أخطاء الشيخ سلمان العودة أو غيره ؟
مقال أكتبه لكم .. وقلبي معكم .. إخوة الدين والعقيدة .. سبب كتاباته .. نقاشٌ جرى بيني وبين أحد طلبة العلم .. بعد سماعنا لبعض آراء الشيخ سلمان العودة حبيُ قلوبنا .. في برنامجِهِ المتميّز .. (( حجرُ الزَّاويةِ )) .. لا شكَّ أنَّ الشّيخَ له آراء يخالفه فيها غيرُهُ .. وقد يتفقُ معه في بعضِها .. إلا أنني آثرت أن أُبيّن لمحدثي ومُناقشي أنَّ طريقته في الكلام عن آراء الشيخ أو بعض أخطائه ليست بسليمة .. فأجبرني أن أنقل له كلام الحافظ العلامة الإمام الذهبي .. حيث كان يترجم لبعض الاعلام في "السير" فإذا ذكر بعض ما وقعوا فيه من الخطأ قال : " أولئك أقوامٌ غَرِقَت سيئاتُهُم في بحورِ حَسَناتِهِم .. " ..
فأقول :
من الإنصاف أن يغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه [align=justify]إنَّ من قواعدِ العدلِ والإنصافِ الذي تميَّزَ به أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ ، أنَّهم يغتفرونَ قليلَ خطأِ المرءِ أمامَ صوابِهِ الكثير ، فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ أبداً لا ينظرونَ إلى نقطةٍ سوداءَ في بحرٍ أبيضَ .. ولا يُفَخِّمونَ الأخطاءَ .. ولا يحكُمُونَ على كثيرِ الإصابةِ بيسيرِ الخطأِ .. بل المجتهدُ عندَهُم مغفورٌ له خَطَؤُهُ اليسيرُ .. فإنَّ هذه الأمةَ مغفورٌ لها خطؤُها في الاجتهادِ .. فزادَهَا اللهُ شرفاً ورفعةً ، فإيَّاك أخي أن تحكُمَ على كثيرِ الصوابِ بشيءٍ قد أخطَأَ فيهِ .. ومن الذي لا يَسلَمُ من الخَطَأِ .. فإنَّ المعصومَ مَن عَصَمَهُ اللهُ تعالى .. والأمَّةُ معصومةٌ فيما أجمعَت عليه ، وأمَّا بالنظرِ إلى آحادِها فإنَّه يجوزُ عليهم الغفلةُ والنسيانُ وقصورُ الفهمِ .. وفهمُ الشيءِ على غيرِ وجهِهِ أحياناً .. وإننا لو جعلنا شرطَ قبولِ كلامِ العالمِ سلامتُهُ من الخطأِ لما سَلِمَ لنا أحدٌ من العلماءِ .. ولَرُدَّت أقوالٌ هي في ذاتِها صوابٌ بسَبَبِ هذا الخطأِ اليسيرِ .. وهذا مسلكُ أهلِ البدعِ ، ولا يفهم ذو فهمٍ محدودٍ هذا الكلام على أنَّنا نقبلُ الخطَأَ الذي جاءَ به ذلك العالمُ !! فإنَّ هذا فهمٌ مخلوطٌ منكوسٌ ، بل الذي أُريدُ إثباتَه هنا هو أنَّنا نبحثُ عن المعاذيرِ لهذا الخطأِ .. ونُخَرِّجُهُ التَّخريجاتِ التي تَتَوافقُ مَعَ منهجِ الأدبِ مع أهلِ العلمِ .. ونغضّ الطرفَ عن هذه الهفوةِ اليسيرةِ من بين ألفِ صوابٍ ولا نجعلَ من الحبَّةِ قُبَّةً ، ولا نتعاظَمُ صدورَ الخطأِ من أحدٍ .. كائناً من كانَ ، بل نَسعى في علاجِ ذلك الخطأِ بالطُّرُقِ الشَّرعيَّةِ ، والمناهجِ المرعيَّةِ ، بالأدبِ ، ومراعاةِ المصالحِ والمفاسدِ ، ولا نكون أبواقاً ينفُخُ فيها أعداءُ الشريعةِ ، ولا آلاتٌ تحركنا أيدي عدوِّنا ، ولا نفتحُ بابَ الشَّرِّ على الأمَّةِ بنشرِ أخطاءِ أهلِ العلمِ فإنَّها واللهِ الطامَّةُ ، فإنَّ العامَّةَ إذا ذَهَبَت هيبةُ العلماءِ من قلوبِهِم اهتَزَّت هيبةُ العلمِ في باطِنِهِم ، فلا يُقيمونَ لعالمٍ وزناً ، ولا لشيخٍ قدراً ، ويصدُرُونَ من عندِ أنفسِهِم ، وهذا بابُ فسادٍ وشرورٍ وفتنةٍ ، نعوذُ باللهِ أن نكونَ ممَّن يفتحُهُ ، وإنه لا يُفتحُ إلا بزَعزَعَةِ هيبةِ أهلِ العلمِ من قلوبِ العامَّةِ ، فلنحذر إخوتي جميعاً من تتبُّعِ أخطائِهِم ، والتنقيبِ عن هفواتِهِم ، فإنَّه مسلكُ الهالكين المفسدين في الأمة بعد إصلاحها ، ويُخشى عليه أن يكون من الذين يذادون عن حوضِهِ صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ ، فليكن مبدؤُنا العفو ، والتجاوز ، وحب الستر ، وصفح الهفوة ، حتى يعاملنا اللهُ بذلك ، قال تعالى : (( وَليَعفُوا وَليَصْفَحُوا أَلا تحِبُّونَ أَن يَغفِرَ الله لَكُم وَالله غَفُورٌ رَحِيم )) فالجزاءُ من جنسِ العملِ ، فمن عَفَا وغَفَرَ وصَفَحَ عَفَا اللهُ عنهُ ، وغَفَرَ له ، وتجاوَزَ عن زللِـهِ ، فلنـَتـَنَاصح ولا نَتَفَاضـح ، و لنَتَّفِق ولا نَفتَرِق ، ولنـَتَآلف ولا نَختَلِف ، ولنُحَقِّق قوله صلى الله عليه وسلم : ( وكونوا عباد الله إخوانا ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) وإنَّ المقصودَ هو القيامُ بواجبِ الدعوةِ إلى اللهِ تعالى ، فإذا قَصَّرَ مُقَصِّرٌ أو أَخطَأَ مخطيءٌ ، فلا نُصَفِّقُ لخطأِهِ ، أو نضربُ له الدفوفَ ، ونزُفُّ خطَأَه إلى الأعداءِ والعامَّةِ ، فإنَّنا لا تستفيدُ شيئاً ، بل علينا وزر هذه الفضيحةِ ، وإن أخرجناها في ثوبِ نصيحةٍ ؛ فإنَّ الأمَّةَ بل الدنيا بأسرِها لا تَزَالُ بخيرٍ ما عُظِّم العُلماءُ ، وأُعليَ قدرُهُم ، وغُفِرَت أخطاؤُهُم ، وسُتِرَت معايبُهُم ، لا لذواتِهِم أو لأنَّهم أبناءُ فلانٍ ، وإنما لهيبةِ ما يحملونَهُ في قلوبِهِم من علمِ الكتابِ والسُّنَّةِ ؛ فإنَّ احترامَ العالِمِ احترامٌ للعلمِ ، وتعظيمُ العالمِ تعظيمٌ للعلمِ ، فلنستغفر اللهَ ونتوب إليه إن أخطأنا في حقِّ أحدٍ منهم ، أو صَدَرَت زلَّةُ لسانٍ ، أو هفوةُ بنانٍ على مقامهم الشريف ، ويا عجباً من قومٍ سَلِمَ منهم اليهودُ والنَّصارى وأصنافُ الكفرةِ .. ولم يسلَم منهم ساداتُ المسلمين ، وأعجبُ من ذلك ما سمعتُهُ عن بعضِ هؤلاء إنه لا يجيز لعنة اليهود والنصارى والدعاء عليهم لعدم الدليل – هكذا زعم – وتراهُ يُمزِّقُ لحومَ أهلِ العلمِ ويدعو عليهم بالويلِ والثُّبورِ ويكتُبُ فيهم التَّقاريرَ السِّرِّيّةَ ، ويسبُّهُم ويهزءُ بهم على أوراقِ الصحفِ ووسائل الإعلامِ ، فإذا أصابهم أذى بقَدَرِ اللهِ ، فَرِحَ قلبُهُ واطمَأَنَّت نفسُهُ وطابَ عيشُهُ ، مسكينٌ مثلَ هذا !! نسأل الله جل وعلا أن يردّهُ إلى جادَّةِ الحقِّ والصَّوابِ ، وأن يعفو عنَّا وعنه زَلَلَنا وتقصيرَنا في العلمِ والعملِ والدعوةِ ، وعلى كلِّ حالٍ فنقول كما قال الإمام ابن عساكر – رحمه الله – تعالى : " إنَّ لحومَ العلماءِ مسمومَةٌ ، وعادةُ اللهِ في منتهكي أعراضِهِم معلومةٌ ، ومن وَقَعَ في أعراضِهِم بالثَّلبِ .. عاقبه اللهُ قبلَ موتِهِ بموتِ القلبِ " ، نعوذ بالله تعالى من موتِ القلوبِ ونسألُهُ جَلَّ وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحميَ العلماءَ من كلِّ من أرادَهم بسوءٍ ، وأن يجعَلَ كيدَهم في نحورِهِم ، وأن يحميَ شريعتَه من عبثِ العابثين ، وإفسادِ المفسدين ، بحفظِ أهلها الذابّينَ عنها ، آمين إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه ..
ولعلَّ المقصودَ من هذه القاعدة التي ذكرتُ في التعاملِ مع العلماءِ قد اتَّضَحَ ، فلا نجعَلُ هفواتِ أهلِ العلمِ لنا بضاعةً نتَوَصَّلُ بها إلى مقاصد نعرفها ، ولا بدَّ أن نستعيذ باللهِ من شهواتِ النّفوسِ ، ونجعَلَ همَّنا وصولَ الحقِّ للنَّاسِ ، سواءً أوصلناه نحنُ ، أو أوصَلَهُ غيرُنا ، ولا نُنَصِّبَ أنفسنا حُكَّاماً بين العلماءِ ، ونعرفَ قدرَ أنفسِنا ، ونمدّ الألحفةَ على قدرِ أقدامِنا ، وندعَ العلماءَ للعلماءِ ، ولا نُداهنُ أحداً ببثِّ شيءٍ من هفواتِ بعضِ أهلِ العلمِ ، أو القدحِ فيهم عنده ؛ ليعطينا عرضاً من الدنيا ، أو يُنَصِّبنا منصباً يكون فيه عطبنا وغضب الله علينا ، فأهلُ العلمِ الصادقون لا يجعلون علمَ الكتابِ والسُّنّةِ تابعاً لذلك ، بل يجعلون الدنيا بأسرِها تابعةً للكتابِ والسُّنَّةِ ، حاشا أهل العلم وطلابه من هذه الأخلاق الفاسدة .. والمقصود أنَّ الخطأَ اليسيرَ في الصوابِ الكثيرِ ليسَ بشيءٍ .. ولا نحكُمُ على أحدٍ بيسيرِ خطأِهِ وكثرةِ صوابِهِ ، عامَلَنا الله وإياكم برحمتِهِ ، ووَفَّقَنا وإياكم لسلوك سبيل مرضاته ، والله أعلى وأعلم ..[/CENTER]
|