[د. صالح التويجري]

بسم الله الرحمن الرحيم
صناعة الوجيه

ما الذي يريده الوجيه نفسه...؟ هل هي مطالب نفسية...؟ أو إلحاح اجتماعي ..؟ أو تأثم شرعي ...؟ أو استمتاع بقضاء الحوائج...؟
إنها مسؤوليات عليها سباق في زمن يهرب الأكفاء عن الأضواء.
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده


قال تعالى: {..وكان عند الله وجيها} قال الطبري : والوجيه في كلام العرب : المُحَب المقبول.
و قال ابن عاشور: "والوجيه ذو الوجاهة وهي : التقدم على الأمثال والكرامة بين القوم ..ووجيه الناس المكرم بينهم ومقبول الكلمة فيهم.
وقال السيوطي: وجيها: أي ذا جاه .
مَنْ قَبله الله تعالى قبله الخلق..فاعمل لوجه واحد يكفيك كل الأوجه(الإخلاص).
" إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ). [رواه البخاري: 3037]
قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- لأصحابه: تمنوا فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم فأنفقه في سبيل الله, فقال عمر تمنوا: فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبا فأنفقه في سبيل الله. فقال تمنوا: فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جواهر ونحوه فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر تمنوا: فقالوا ما نتمنى بعد هذا؟! فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان فاستعملهم في طاعة الله. قال: ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال: انظر ما يصنع؟ فلما أتاه قسمه. قال: ثم بعث بمال إلى حذيفة قال انظر ما يصنع؟ فلما أتاه قسمه. فقال عمر قد قلت لكم".
إنها عملية صعبة أن تصنع رجلاً
فقد تكون قادراً على عمارة بيت أو إنشاء مصنع, ولكن أن تخرج للأمة رجلاً يحمل الكَلَّ ويُقرئ الضيف ويفك العاني ويصل الرحم ويعين على نوائب الحق. فهذه مهمة صعبة.
حين يموت العظماء أو يتنحى رواد الأعمال الكبار لأسباب خاصة, يتحدث الناس عن البدلاء ومن يخلف هؤلاء.. وكل يدعي وصلاً بليلى ويتمنى ملئ الفراغ .. والقيام بالدور الهام ولكن ..
الوجاهة .لها التزامات , وضرائب ومهام. ومن كل غنيمة اضرب بسهم.
الدولة والناس والشخص نفسه , نسب و منصب واستعداد نفسي, وليس السن وحده , ماذا قدَّمت في سالف ألأمر ؟ وليس في لحظة التطلع المؤقت .
ليس المقياس التدين وحده ... على أن الناس لن يُسَوِّدوا الأراذل.
• الوجاهة لها بوادر وبواكير واستعداد نفسي على تحمل الناس..والقدرة على الموازنة بين المطالب المختلفة. والروح الإيجابية التي تجيد العمل بروح الفريق المتكامل بعيداً عن الأنانية والإقصاء واحتجان الحقيقة وشهوة الارتقاء وجمع الألقاب.
• إذا شئت أن تكون وجيها وزعيما في مجتمعك أو بين أصدقائك .... فلا شيء كالتواضع يوصلك إلى ما تريد وكما قال "لاوتي": الرجل العاقل إذا أراد أن يعلو على الناس وضع نفسه أسفلهم، وإذا شاء أن يتصورهم جعل نفسه خلفهم ألا ترى البحار والأنهار كيف تتلقى الجزية من مئات الترع والجداول التي تعلوها!"اهـ.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع.
ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجو وهو وضيع .
• الوجيه لا يولد بلا رحم فمن المجالس القائمة يولد وجهاء المستقبل. فاستقطاب المجالس الحالية لعناصر فاعلة من طلائع الشباب لينتقل الدور تلقائياً عفوياً ولنتحاشى الانفصام..
فهي هموم وتطلعات وخبرات متعالقة تحتاج إلى انسيابية في الانتقال .وليس مزاحمة فجَّة أو سباق في المزايدة على صدق الوطنية والأهلية. كلا... ولا استلاب للعقول بالإشفاق على المصالح بمجرد الشكاوى والتباكي على الحقوق. بقدر ما هي رؤى استقرائية وخطوات عملية وحلول واقعية ومشاركات فاعلة.

د/ صالح بن عبد العزيز التويجري
جامعة القصيم
Dr_saleh_t@gawab.com