بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » منهج " التحريض " الإفساد باسم الإصلاح ! مقال للدكتور استفهام يهمكم جميعاً

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 07-10-2006, 08:27 PM   #1
أسد العقيدة
Guest
 
المشاركات: n/a
منهج " التحريض " الإفساد باسم الإصلاح ! مقال للدكتور استفهام يهمكم جميعاً

بسم الله الرحمن الرحيم


موضوع رائع قرأته من روائع الدكتور استفهام في الساحة العربية فنقلته هنا لأننا بحاجة هذه الأيام لمثل هذا الطرح المتعقل :





منهج " التحريض " الإفساد باسم الإصلاح !



الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ أصيل وعظيم ، يعد من مرتكزات الشريعة الإسلامية ، ونصوصه حاضرة في كتاب الله ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعليه عمل الأمة في كل تاريخها المتطاول ، ولا ينكره في الإسلام إلا حاجد لأمر شرعي ثابت بالنص القطعي ، فهو من كليات الديانة ، وحصن الرسالة ، وقد خدمه العلماء ، والأمراء ، وتنادت به أهل العقول من أهل الاسلام في كل عصر ومصر !

إن خطورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه مركب سهل لكل من يريد إن يعمل عملا ، فالخوارج ركبت هذه الشعيرة ، والمعتزلة ركبت هذه الشعيرة ، وأهل التكفير والقتال ركبت هذه الشعيرة ، فشوهوها حتى اصبحت مسخا مرعبا للكثير ، بسبب البعد عن " المنهج الشرعي " في تناول مثل هذه الشعيرة العظيمة التي تحتاجها الأمة كما تحتاج الطعام والشراب ..!

لم يقصر أهل العلم في وضع الضوابط لهذا المنهج العظيم ، فكتبوا في الاحتساب وقواعده ، وصفات أهل الحسبة ، ومجالات أهل الاحتساب ، وربطوا ممارسة الأمر والنهي بقواعد كلية عامة مستقاة من النصوص الفرعية الشرعية ، ودرسوا ممارسات النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه ، وطريقة الصحابة الكرام في التعامل مع كافة المنكرات العقدية والقولية والفعلية ، وهي التي تعد مرجعا للسائر في طريق الامر والنهي ، حتى لا يصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريقا لزرع الفوضى في المجتمع ، وشق الخلاف والشقاق ، او حتى لا تكون النتائج المرجوة عكس ما يريد المحتسب إذا أخل بهذه الضوابط والشروط .

ومن الأمور الجميلة التي اتفق عليها من كتب في هذا الفن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترك إذا ترتبت عليه مفاسد كبيرة ، او تحقق من خلاله منكرا أكبر منه ، فيكون ترك الإنكار هو " المعروف " ، والإنكار هو " المنكر " ، لأن المقصد الشرعي من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو إزالة المنكر او تخفيفه ، حفظا لضرورات الانسان ، فان كان فعل " الإنكار " يؤدي إلى الاضرار بالمجتمع كله ، او فقدان أحد هذه الضرورات ، أو خلق فتنة عظيمة في المجتمع ، فان هذا الانكار يترك وجوبا ، في حالة القطع او غلبة الظن ، ولذا ترك السلف منابذة السلاطين مع ما يمارسون من مخالفات شرعية ومظالم لما يترتب على المنابذة من سفك دماء المسلمين بغير حق ، وزيادة التسلط والظلم ، فان المؤمنين هم " الأوعية " التي تحمل الرسالة ، فاذا ازهقت نفوسهم انتفى الاسلام من الوجود ، ولذا عظم الله من حرمة الدم المسلم وشنع على من يتخوض في الدماء بغير حق !

إن وجود الأخطاء في الواقع سواء السلوكية ، أو العقدية ، ليست مبررا لطرح أي منهج في الإنكار من غير ضبط ، فإن منهج المعالجة للأخطاء منهج دقيق وحساس ، لا يجوز أن يتجشمه كل أحد ، إذ الآمر والناهي يحتاج من البصيرة ما يقدر من خلالها عواقب الأمور ، وقد رأينا من خلال التجارب المعاصرة أن تجييش الناس إلى هذا الأمر يخلط الأوراق ، ويضع الصغير في مقام الكبير ، والمتعلم في مقام العالم ، والمختل في مقام العاقل الحكيم ، فجاءت الامور عكسية ، وعلى غير ما يريد أهل الاصلاح ، لان الانكار منهج يحتاج إلى " موازنات " لا يملكها إلا الرشيد الذي يجمع بين الكليات والجزئيات ، فقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :

(لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات، ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فسيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم ) ، وهذا الفساد العظيم الذي يشير إليه ابن تيمية رحمه الله نراه رأي العين في كثير من الممارسات التي لا تحسب عواقب الأمور ، حين ينفخ الناس في الامر اليسير ليجعلوه عظيما ، أو يشحنوا العواطف تجاه مسألة معينة ، فينبري لإنكارها إناس تحكمهم عواطفهم أكثر من عقولهم ، فيتسببون في أعمال يكتوي بنارها كل اهل الخير والفضل ، ويجرونهم إلى ميادين من المواجهات تضر بالجميع ، حتى يبقى أهل الخير يرممون أخطاء بعض المتعجلين سنوات طويلة ، ويدركون كم هم بحاجة إلى الضرب على أيدي بعض السفهاء حتى لو لبسوا لبوس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ..!

إنه لفرق كبير بين إن ينظر المحتسب إلى صاحب المعصية بنظرة " الإشفاق " ومحبة الخير والهداية ، وبين الناظر اليه نظرة المبالغ في الخصومة إلى درجة البراء التام ، فينفخ في الجميع كره هذا الرجل ، وبغضه ، ويصوره بأنه العدو الأول للاسلام والمسلمين ، والذي يريد إن يخرج نساءهم عرايا في الطرقات ، ويفسد عقائدهم وأخلاقهم ، ويجيش كل من حوله للهجوم عليه ، دون أن يدرك موقع مقابله ، وانه يملك من السلطة ما يزيده عتوا ، وتسلطا وظلما ، وما يزيد مقابله ضعفا وهوانا ، وقد ارسل الله نبيه موسى وأخاه هارون إلى فرعون فقال (فقولا له قولا لينا ، لعله يتذكر او يخشى ) ، بلغة الاشفاق التي نحتاجها في هذا العصر الذي كثر فيه الشحن واللت والعجن ، حتى لربما نصل إلى مرحلة تنفلت فيها الأمور على غير الوجه الذي نرجو .. والله المستعان !

إن " الغلو " في حمل مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشبه إلى قدر كبير " الغلو " في مفهوم " الجهاد " الذي أباح لبعض الشباب إن يسفكوا الدماء ويتخوضوا فيها بلا حق ، ويكفروا العلماء والولاة ، ويفاصلوا المجتمع بسبب بعض الرؤى التي لا تكون طريقة علاجها بمثل هذه الطرق التي نراها في هذا الواقع ، حين يبرر البعض لنفسه إن ينكأ في الآخرين بأي طريقة يراها ما دام يرى نفسه آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، أو مجاهدا في سبيل الله ، فيحدث في الواقع الفساد من حيث يريد الصلاح والإصلاح ..

إنني لا انسى قصة ذلك الشاب الذي نفخ في روعه كره شخص من رجال الأمن ، وصور له بصورة المحارب لله ولرسوله ، والعدو للاسلام والمسلمين ، دون أن يقف هو على حقيقة الرجل إلا من خلال خصومه – حتى ولو كانوا صادقين - ، فوصل إلى مرحلة من الغليان حتى تصرف تصرفا كانت نتيجته إن ضحى بنفسه في سبيل أمر لا يستحق ، فرحمه الله وغفر له وعفى عنه .

إن منهج " التحريض " منهج يحدث اضطرابا في النفوس ، حين لا يستطيع المحرض إن يستحكم بتصرفات الآخرين ، فأنت تنظر إلى الأمر من زاوية " الاحتساب " ، ولكن غيرك ينظر إليه من زاوية الدعوة إلى " التصفية " و " القتل " ، ولو تصرف هذا المحتسب أي تصرف أهوج لكان المحرض هو المسؤول عن هذا ، لأن الشباب لا يدركون ما تدرك ، ولا يملكون القدر الكافي من البصيرة التي تضبط تصرفاتهم ومناهجهم ، فيقررون ، ويفعلون دون نظرة إلى " المآلات " ، وخاصة إذا كان كان الانكار علنيا ، وشديدا، والانسان يملك البدائل في الإنكار الذي يبرئ فيه الذمة ، ويقيم الحجة .. وليس هو على الناس بمسيطر ..

روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال : والله لا يغفر الله لفلان , وإن الله قال : من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان قد غفرت لفلان وأحبطت عملك . ( حين نصحه أكثر من مرة رآه فيها على معصيه ، فتميز الرجل غضبا ، وتعظيما لحرمات الله إن تنتهك ، ولكن النتيجة كانت إن غفر الله للعاصي ، وأحبط عمل المحتسب لخروجه عن المنهج الشرعي في الإنكار ، والتألي على الله تعالى ، وهذا يشبه حال من ينكر المنكر الذي يترتب على أنكاره اضعافا من المنكرات ، ولا يعرف أن " الكف " هو الواجب في حقه في مثل هذه الحال ...

إن الفصل بين " الأخلاق " و " الاحتساب " ظاهرة طاغية عند بعض من يتنبى منهج الانكار ، فهو يحتسب على الآخرين على خلاف منهج الاسلام ، حين تستحكم عليه الغيرة فتجعله لا يقيم وزنا لعالم ولا داعية ولا مصلح ، فيرفع يده ويشير بها إلى وجه العالم اغلاظا عليه ، بل وتعديا في اللفظ ، لأنه في موقع المحتسب المنكر ، فيركب موقع غيره ، وقد رأيت بعيني في بعض المشاهد من يرفع صوته في وجه العالم بعنف ، وأنا أجزم أن هذا المحتسب لم يقرأ في المسألة ربع كتاب ، ومع ذلك صار " الاحتساب " طريقا لقلة الأدب مع العلماء ، فلا هو احترم علمه ، ولا هو احترم سابقته في الاسلام ، ولا هو احترم شيبته ، فكيف نجني من الشوك العنب .. ومن العنف اصلاحا ورشادا ؟

لا بد أن يدرك المحتسب ، او الداعية إلى الله الأثر " التربوي " للكلمة التي يقولها ، فهو لا يلقيها في الهواءدون إن تأخذ اثرها في النفوس ، بل هو يوجه الأذهان والنفوس إلى طرق كثيرة ، ولربما كلمة يقولها الداعية في مجلسه تخلق عند كثير من الشباب منهجا عمليا منحرفا ، حين لا يحسب لكلماته حسابا ، او يجمل في مواطن التفصيل ، وخاصة إن كان الأمر متعلقا بالأحكام على الناس كفرا او بدعة او فسقا ، فمن طبيعة الشباب الانطلاق والمغامرة ، وعدم التركيز على المآلات ، فيقحم الداعية بعض الشباب في أمور ليست لهم ، او يعمل على النفخ في عواطفهم حتى ينفجروا ، فيهلكوا الحرث والنسل ، وهذا باب خطير ومزلق كبير ، يحتاج إلى إن ينتبه له ، وان يراعي الداعية والمحتسب الظروف المحيطة ، وان ينظر إلى المجتمع بنظرة العدل ، حتى لا يصور للناس الواقع بصورة مغشوشة ، سواء في الصلاح او في الفساد ، فيعطي للآخرين إن هذا الواقع فاسد بكل جوانبه ، فيهُلك ويهلك ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث ابي هريرة في صحيح مسلم : ( إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ) ، وفيه اشارة إلى خطأ النظرة التعميمية السوداوية للواقع ، فان كان في الواقع فساد ففيه صلاح ، او كان فيه دعاة على ابواب جهنم ، ففيه دعاة على ابواب الجنان ، فاذا رسخت نظرة العدل والانصاف في اذهان الشباب توجهوا إلى العمل والانتاج وطرح المشروعات النافعة التي تقضي على الفساد بلا حاجة للضجيج ، والصراخ والعويل والتحريض ، التي تجعل المقابل يتحفز للنزال ، وينكأ في الخصوم ، بل ويزيد من معيار الفساد نكاية بمقابله ..

الموضوع طويل الذيول ، ولكنها فكرة عابرة أحببت إن ابثها بين يدي الاحباب الكرام ... والله اعلم وعليه التكلان !


الموضوع هنـــــــــــــــا
 


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:05 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)