بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الغذامي بكل شجاعة يقف ضد الفصل العنصري في السعودية ..من سلسلة مقالات جديدة في لرياض.

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 23-11-2006, 12:49 PM   #5
ريبد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
القبيلة والمجتمع (2)

القبيلة والمجتمع (2)


د. عبدالله محمد الغذامي

ليس في نيتي الاستهانة بالقبيلة كما ليس في نيتي إعطاء القبيلة قيمة ليست لها، ولا شك أن الحديث عن القبيلة في مجتمعنا يتطلب من الكاتب قدراً كبيراً من الحيطة العلمية والأخلاقية، وأنت إن أخذت في ذم القبيلة وتأثيمها فإنك ستغضب نصف المجتمع، وفي المقابل فإنك ستغضب النصف الآخر (وتهميشه أيضاً) فيما لو أنك جعلت القبيلة ميزاناً للتكافؤ بين الناس بحيث يتفوق القبلي على غيره بالفطرة والطبيعة.
وهذا أمر خاطئ في المقياس الأخلاقي وفي المقياس العلمي والمعرفي معاً، ولذا فإن الباحثين ذوي الأصول القبلية تزداد مسؤوليتهم العلمية والخلقية لبحث هذه القضية بحثاً علمياً نقدياً، بما إن ذلك نقد للذات وكشف عن العيوب في تصور الذات لنفسها وللآخرين من حولها.

ولذا فإن مقالاتي هذه هي سياحة ثقافية اجتماعية في أرض الأشواك، وهي نقد للذات، مثلما هي قراءة للأنساق، ومحاولة للتبصر، ولسوف يختلط فيها الفكري بالسردي والبحث بالسواليف وستتداخل التأملات مع الحكايات.

وأبدأ بهذه الحكاية المفترضة، وهي أن رجلاً فاضلاً اسمه (سالف) نشأ في جو من الحياة العادية في جوع وخوف، ولكنه انتصر على جوعه وذله بشجاعة فؤاده وكرم يده، وقاد حياته بالسيف من جهة والأريحية من جهة ثانية وصار له ولد كثير، وبعد موته خلفه بنوه وكانوا أبناء عز وجاه سببه شجاعة أبيهم وكرمه، ولم يكونوا يعرفون عن ماضي أبيهم في الكدح والمكابدة، وكانت صورة الأب الشجاع الكريم هي المعنى الباقي في نفوسهم، ومع الزمن صار لديهم ولدى أبنائهم حس بأن الشجاعة التي اتصف بها أبوهم لم تكن نتيجة لعمل وكدح منه من بعد جوع وذل، ولكنها تبدت للأولاد وللأحفاد بشكل أشد، تبدت وكأنها ميزة في العرق والدم، وصار بنوه وسلالتهم يشعرون بأن دم جدهم الشيخ سالف هو دم نبيل وشريف وراق، ومن ثم فإنه يتفوق عرقا ونسباً واسماً وتاريخاً وذاكرة على كل من سواه، وصار لدى البنين تصور أنهم عرق الشجاعة والكرم - مع أنهم لم يكونوا كلهم على صفة واحدة عامة من حيث الكرم والشجاعة، ولكن اسم أبيهم ظل يحمي سمعة السلالة وظل ينمو مع نمو السلالة وتكاثرها لتكون له قيمة رمزية انتقلت إلى الأشعار والحكايات وصارت مادة للتباهي والتعريف الاجتماعي عن ذرية الشيخ سالف.

ونسي الأبناء مع الزمن أن أباهم كان رجل كدح ونصب وأنه أدرك ما أدرك بعمله وبعرق جبينه ولم يكن ذلك وراثة عرقية عن سالفيه، كما أنه لم يورث خلفه دعوى شعرية، ولو بعث من قبره لتعجب من فعل ذريته، وكيف أنهم ميزوا أنفسهم بالدعوى وبالإدعاء وتوهموا أن المجد يورث وليس يصنع.

إن حكاية الشيخ سالف هذه هي حكاية رمزية تدل دلالات معنوية ذات مفعول اجتماعي ملموس، ونحن نعرف أن صفتي الكرم والشجاعة هما صفتان اجتماعيتان لهما اعتبار اجتماعي وثقافي خاص جدا، يقال هذا في الأشعار وفي الحكايات، وكثيرا ما تصيران ميزة يبلغ التباهي بهما مبلغ التصور بأنهما خاصية تخص فئات ولا تبلغها فئات أخرى.

وأنا لن أقول إن القبيلة كمفهوم وكنظام رمزي وثقافي تتقلص إلى هذا الحد ولا أقول إن مثال الشيخ سالف نموذج حصري لها، ولكني أقول إن حكاية أبناء الشيخ سالف ذات دلالة على تصور نمطي يجنح إلى حصر الصفات في العرق ويتناسى الدور العملي في كسب الصفات وعمومية هذا الدور في مقابل خصوصية مفترضة.

هذه خاصية واحدة ولها أخرى تتعلق بكيفية التوالد الافتراضي بحيث يظن أبناء الشيخ سالف أن انتسابهم لهذا الرجل هوميزة كونية وأخلاقية وعرقية، ويجعلون سلسلة النسب المحفوظة والمدونة قيمة عضوية بحد ذاتها، بحيث لو جاء أناس لا يحفظون سلسلة نسب مماثلة، أو لايشهد لهم المجتمع بسلسلة نسب محفوظة فإنهم بهذا يصبحون خارج النموذج الفاضل ويكونون فئة مفضولة، ويخرجون تبعا لذلك عن منظومة الصفات التي يقول بها أبناء سالف وأشباههم.

فهل هذا يعني أن القيم الفضلى تنحصر في نظام من النسب المدون، ومعه نظام من الصفات المفترضة لهذا النسب...؟؟؟!!!!

هذا هو أصل الإشكال في تصور الفضل والتميز، ثم تبعه نظام ثقافي ترميزي، سوف أشير إليه في مقالة لاحقة - إن شاء الله-.

المهم أن نبدأ هنا من التصور الذي يستطيع شرح البداية الافتراضية للتمايز في الأنساب وفي الصفات.

ولايفوتنا أن نتذكر أن الأصل في الخليقة أننا كلنا أبناء آدم، ولذا فالجد الأصلي واحد، ولكن حركة الحياة - وهي حركة ظرفية بالضرورة - سارت بتبدلات متنوعة جعلت تنوع التبدلات الحياتية (الظرفية) تكتسب قيما رمزية لم تكن لها في الأصل، وإذا قلنا إن الشيخ سالف كان رجلا ذا معنوية عالية جعلته شجاعا وكريما، وهذه صفات عمل الشيخ من أجلها وحققها بجهده، إذا قلنا هذا وتأكدنا أن هذه الصفات هي من مجهود الشيخ سالف، من جهة، وأنها ليست خاصة به، من جهة ثانية، فهذا يعني أن كل إنسان من بني آدم لو وضع في ظرف مماثل لظرف الشيخ سالف فسيكون مثله في الصفات، وهنا يحصل التساوي الطبيعي بين البشر.

ولكن.....

ولكن... كيف يحدث التمايز....؟؟؟

إنه يحدث مع أبناء سيأتون لسالف، ويأتون للرجل الآخر الذي يماثله في الحدث، وسيرى الأبناء أن جدهم لم يكن يتماثل مع كل من تشابه معه في الظروف، ولكن الذي صار هو مزايا عرقية، وسيرون أنها مغروسة في الدم، وأنها ميزة تخصهم دون غيرهم ولذا فهي تميزهم.

وسينسون أنهم هم وغيرهم من أبناء رجل واحد في الأصل، ولكن - وهم يشيدون بالأصل ويمجدون الأصول - ينسون الأصل الأول ليضعوا مكانه أصلا ثانويا يعطونه معنى رمزيا، وإذا قالوا بالأصل والأصول فإنهم في الحقيقة يحكون عن الفروع والتفريعات الثقافية،، ولو أخذوا الأصل بمعناه الأصح لكان الكل من أصل واحد، ولا وجود لشخص لا أصل له.

يتغير الأصل كقيمة وكرمز، ويتغير النسب كقيمة وكرمز، وننسى أن الكل يشتركون في هاتين الصفتين، ولا يوجد أحد ليس له أصل ولا يوجد أحد ليس له نسب، ولا يوجد أحد ليس له صفات.

إذن، كيف جاءت الفروق وكيف صارت التمايزات...!!!!

فلنتحدث ولنسولف ولنفكر، وهذا ما تطرحه هذه المقالات، وإلى لقاء في المقالة الثالثة، وأنا أعي أن مقالي هذا ظل يردد كلمة (رجل) ولم أقل امرأة، ولهذا حكاية أخرى - إن شاء الله -، كما أعي أيضا أن القبيلة ليست كلها سلبا وخطيئة وأعي أن هناك إيجاباً كبيرا فيها، مثلما أعي أيضاً أن الآخرين غير القبليين ليسوا أبرياء أيضاً وفيهم عيوب ثقافية مماثلة أيضا ولديهم أنظمة ذهنية في التفاضلات والتمايز الطبقي والعائلي، وكل ذلك أمر سيكون موضع بحث.

سأكمل الحديث في المقالة القادمة حيث سيكون السؤال عن هذه الأفضلية التي ينسبها الأبناء لأنفسهم وراثة عن آبائهم، وسأسأل هل الفضل مرتبط بالصفات بما إنها صفات، أم هو مرتبط بالنسب...!

ويترتب على السؤال سؤالان فرعيان هما:

1- ماذا عن رجل لاتتوفر فيه صفتا الشجاعة والكرم، هل يخرج من منظومة أبناء الشيخ سالف مثلا، وتسقط عنه صفة النسب الفاضل..؟

2- ماذا عن رجل ليس من بني سالف وليس له نصب قبلي مدون، وصار شجاعا وكريما مشهوداً له بالصفتين، هل سيصبح من الفئة الفاضلة، أم أن النسب الافتراضي سيلاحقه ليمنعه من الأفضلية....؟؟؟

كل هذا لكي نتساءل، فنثبت (أو ننفي) علاقة الأفضلية ونموذج الصفات بالنسب المدون، أم أن الأفضلية قيمة إنتاجية بما في ذلك إنتاج الصفات وهل سنقول إن المزايا مثلها مثل العيوب، كلها أمور مشتركة....!!!. أترك الأمر للمقالة القادمة - إن شاء الله-.


--------------------------------------------------------------------------------
ريبد غير متصل  
 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 01:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)