|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
23-11-2006, 04:09 PM | #11 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
التوازن في فكر العقاد ..! «2 - 2»
د. حسن بن فهد الهويمل و(العقاد) بهذا الشمول والعمق من الصعب الخروج من عالمه الواسع بنتائج محدَّدة حاسمة، تجسِّد فكره وتبلور رؤيته. ولكي نستبين أهمية فكر (العقاد) وأثره في المشهد الفكري، والسياسي، والأدبي، علينا مراجعة (أعلام الأدب المعاصر في مصر)، وهو مشروع (ببليوجرافي) للدكتور (حمدي السكوت) تقصّى أعلام الأدب، وخصَّ (العقاد) بمجلَّدين ضخمين، أحصى فيهما أسماء مؤلَّفاته التي طُبعت في حياته، والتي جُمعت وسُميت بعد وفاته، وتقصّى مقالاته التي لمَّا تزل ثاوية في الصحف والمجلات، وسمَّى الكتب التي أُلِّفت عنه، والدراسات التي نُشرت عن أعماله في مصر وحدها، والرسائل العلمية التي تقصّت أفكاره ومذهبه وأدبياته، وقد بلغت كتبه أكثر من مائة كتاب. ولمّا يزل فكر (العقاد) مجال أخذ ورد، وسيظل مثار جدل بين الأدباء والنقّاد. وحضوره في المشهد الفكري والسياسي والأدبي لم يكن وقتياً، ولم تكن رؤيته مرحلية، بحيث تطوى مع الزمن، إنّ فكره يملك الاستمرارية والحيوية، لأنّه فكر عميق وشمولي وتأسيسي. وحين نقول بالتوازن، فإنّما ننظر إلى التغليب، وإلاّ فإنّ (للعقاد) ميلاً في بعض القضايا، يجعل البعض منها كالمعلّقة. و(العقاد) حين احتدم في مواجهة (الشيوعية)، وهي التي تلغي الفرد في سبيل الجماعة أسعفته (الوجودية) التي تحسب للفرد بقدر ما تحسب (الشيوعية) للجماعة. واستنجاده بالفلسفة الوجودية لم تدفع به إلى القبول بها والدفاع عنها، كما فعل (عبد الرحمن بدوي)، الذي جاهر بوجوديته، وترجم لنفسه في (موسوعة الفلسفة) بوصفه وجودياً، حيث قال عن نفسه:- (فيلسوف مصري ومؤرِّخ للفلسفة: فلسفته هي الفلسفة الوجودية) إلى أن قال:- (وتمتاز وجوديته عن وجودية هيدجر وغيره من الوجوديين بالنزعة الديناميكية ...) (ص 294 - 1). ومع ذلك فقد اتهم (العقاد) بالوجودية، لثنائه على بعض مبادئها. ف(العقاد) حين كان ضد إلغاء وجود الفرد واستغلاله في غمار الجماعات، ولمّا كان خصماً عنيداً ضد الشيوعية، في إطار ضدِّيته للمادية التي أحسن إجهاضها بالأدلّة الحسِّية والعقلية، استنجد بالرؤية الوجودية من خلال زاوية ضيقة، وهو قد عدَّها: (ردّة فعل لتلك المذاهب، يحفظ للفرد كيانه واستقلاله، ويعرِّفه بحقوقه وواجباته). ولكيلا يقع (العقاد) في فخِّ الوجودية، ولأنّه أميَل إلى التوازن، استدرك وقال:- (ولكن هذه الوجودية قد تنحدر مع المنْحدرين بطبائعهم حتى تصبح ضرباً من العدمية أو ضرباً من الإباحية التي لا تعترف بشيء غير شهوات الفرد ودوافع الأثرة والأنانية). ولقد ذهب يعدِّد ملامح العدمية في الوجودية، وبعد تقديمه بعض الشواهد قال:- (هذه صورة من الوجودية الممسوخة)، وهو قد ألمح إلى أساطينها، واختلاف معتقداتهم واختلافه معهم. والذين اتهموه بالوجودية، عوّلوا على قوله: (وكاتب هذه السطور (وجودي) إذا كان معنى الوجودية إنصاف الضمير الفردي وتقديس الإنسان المستقل بفكره وخلقه)، وهذه المقولة تشبه إلى حدٍّ كبير مقولة بعض السَّلف:- (إذا كان حب آل البيت تشيعاً فليشهد الثقلان أنني متشيع)، وقول (العقاد) باستقلال (الفكر) و(الخُلق) يقيد بأنساقه الثقافية وسياقاته التي تؤكد على إسلامية فكره. وهو حين يسعى لفك الاشتباك بين الفرقاء يؤكد على (شرط الاعتدال) بقوله:- (إلاّ أنّ المغالاة محذورة من الطرفين لأنّ المغالاة من هنا أو هناك تضر بالفرد كما تضر بالمجموع). و(العقاد) حين تناول الفلسفة السياسية وأنماطها من خلال الفلاسفة الذين وضعوا تصوُّرهم لأنماط الحكم المعاصر، لم ينحاز لأحد منهم، وإنّما ساق رؤية كلِّ واحد منهم بأمانة ودقّة، وحين تقصّى سائر الرؤى، أكد على أنّ تلك المذاهب تقتسم الخطأ والصواب على حصص متفاوتة، فليس بينها مذهب ينفرد بالصواب كلِّه، ولا مذهب ينفرد بالخطأ كلِّه، ومن ثم خلص إلى القول:- (وهي على تناقضها من ناحية، يتمّم بعضها بعضاً من ناحية أخرى)، ومع غمرة المذاهب السياسة وتشعُّبها وجاذبيتها التي أوجز الحديث عنها (علاء حمروش) في كتابه (تاريخ الفلسفة السياسية) لم ينس (العقاد) إسلاميته، ولم يتنكَّر للجذور السياسة التي نمت مع التوسُّع الإسلامي، وإنّما طرح المشروع الإسلامي بواقعية ووسطية، وتوازن حيث قال:- (والدين الإسلامي قد فصَّل مذهبه في الشورى، والمساواة واحترام الإجماع، وسؤال أهل الذِّكر تفصيلاً، يتناول أصول الحكومة، ويوافق تطوُّرها مع الزمن). وهذه الرؤية لمستخلصات فلاسفة الحكم في العصر الحديث، وتلك الرؤية الإسلامية، تنطويان على عمق في الفكر وشمولية في الثقافة، وربط دقيق بين النظرية والتطبيق، وتوازن في الرؤية والتصوُّر. فهو لم يؤخذ (بالطوباويات)، ولم يتعثّر بالوقوعات لمحبطه. وخلوص المفكر من حدِّيات الآراء ومؤشّرات الفشل دليل على التوازن الحصيف. وحديث (العقاد) عن التقلُّبات السياسية، حديث يتقصّى فيه الرؤية كما فعل في كتابه (فلاسفة الحكم في العصر الحديث)، وهو حديث يحكمه التنظير، وحديث يتقصّى فيه النتائج. وهو بين الرؤيتين يجنح إلى المنطق، ولا يعول على انفتاح السياسة على كلِّ الاحتمالات بوصفها (فن الممكن)، ورصده للأحداث السياسة يتّسم بالخبرة والوعي، وما كان في يوم من الأيام ثائراً تحكمه العاطفة، ولا هيّاباً يركن للسكونية، وتُمنِّيه المثالية الزائفة. وواقعيته ليست إذعاناً، وإنّما هي تبصراً بالممكن، والإمكانية. و(العقاد) حين قرأ كتاب (سر تطوُّر الأمم) ل(لوبون)، لم يسايره في ميله القائم على (الأحكام والنتائج). وإنّما جنح إلى تغليب (الملاحظات والآراء)، وعنده أنّ إصدار الأحكام وتحديد النتائج يعني حسم الموقف، وقطع الطريق أمام مزيد من المراجعات، أمّا الملاحظات والآراء فهي مفتوحة لمزيد من الإضافات. وهو قد أيّد (لوبون)، وصوّب رأيه حين قدّم (الأخلاق) على (العقل)، وقال بالحرف:- (فلتكن عنايتنا بالأخلاق فوق عنايتنا بالعلوم)، وكأنّه يصيخ إلى مقولة شوقي:- (وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) وحين يلح (لوبون) على فشل (مذهب المساواة)، ويؤكد على تلمُّس (روح الأُمّة) بوصفها مفتاحاً سحرياً لكشف خصوصيتها، يذهب (العقاد) إلى تخليص الرؤية من سوء الفهم. وليس شرطاً أن يكون مقصد (لوبون) ما تصوّره (العقاد)، ولكن المهم في الأمر تجلِّي (التوازن) في معالجته لرؤية المؤلِّف. (والعقاد) جنَّد نفسه لمواجهة المذاهب الحديثة، يمحو، ويثبت، وملاذه فكر متوازن، لا يلغي ذاته ولا يعزلها، يؤمن بأنّه على حق يطلب المزيد، فهو تارة يسمِّيها بالمذاهب المادية، وأخرى يسمِّيها بمذاهب ذوي العاهات. وهو حين ينشئ الكتب، أو حين يقرأ الكتب التي تتفق مع توجُّهه يحاول حفظ التوازن، وخير مثال قراءته لكتاب (على أطلال المذهب المادي)، ف(العقاد) يحكم بفساده وانهياره، ولكنه لا يحتمل المبالغات، ولا يسلم للقطعيات. وتتجلّى وسطية العقاد حين يرفض (نعم) أو (لا)، ولأنَّهما حاسمتان، وحين يسخر من (أغرار الملحدين)، الذين ينسفون العقائد ويرونها أوهاماً وترهات يذهب إلى أنّ الهدم والتشاؤم أيسر من البناء والتفاؤل، ولهذا يتهافت المفلسون عليها. ولقد أكد أنّ ضعف اليقين، وقلّة الثقة بالمبادئ الأخلاقية السامية هي التي أضرّت بالنهضة الوطنية. ولأنّه يقف بعنف وصلف ضد (الشيوعية) و(الصهيونية)، فقد امتدت رؤيته إلى جذور هذين المذهبين، وهو الإيمان المطلق بالمادة، ولقد جاء بما لم تستطعه الأوائل في التأكيد على أنّ خفاء المادة لا يقل عن خفاء عالم الغيب، وأنّ المادة المحسوسة والملموسة والمرئية إن هي إلاّ وهْم، ولقد أدّى توازنه إلى الجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة، في استحالة الوصول معهما إلى بر الأمان، وكل الجهود المبذولة للوصول إلى حقيقة الوجود والمادة منه إنّما هي من الرجم بالغيب، لقد تعمّد نسف القواعد، ولم يشغل باله بالشواخص كما يفعل غيره. ول(العقاد) نظرات عميقة في الأحوال والفلسفات، وهي نظرات تحيل إلى معارف وتجارب، وليست مرتجلة. وسواء صدقت تلك النظرات، أو لم تصدق، فالمهم - هنا على الأقل - ما تتركه من تساؤلات، وما تحدثه من مراجعات، وما تثيره من رغبات، في مزيد من المعارف. فالعقاد حين ذهب إلى أنّ التشاؤم والكره أيسر من الحب والتفاؤل، تصوَّر البعض أنّ ذلك قول يلقيه على عواهنه. وهو كذلك حين يختلف مع القائلين بأنّ الفلسفة نشأت في اليونان، أو حين يقول بأنّ العصر الحديث ليس عصراً مادياً وحسب، فحين يراجع في شيء من ذلك ينطلق على سجيّته، لتبرير ما يذهب إليه، وكأنّه يغرف من بحر، فهو لا يفرض رؤيته العازمة الجازمة، وإنّما يعرضها، ويرقب ردود الفعل، ثم ينطلق في تأكيد ما يذهب إليه، والمتابع يحس بتدفُّق الحجج والبراهين. لقد تقصّى أطرافاً من ذلك في مقالات أثير على كتابتها، ثم جمعها في كتابه (دين وفن وفلسفة)، حدَّد فيها رؤيته الفلسفية باقتضاب، وتحدّث عن موقفه من العقائد والأديان، والسياسة والتاريخ، والمسرح والسينما، وتناول أفكار بعض معاصريه، ولست قادراً على انتقاء حيثيّاته بالقدر المرضي، ومن ثم عدلت عن ذلك، واكتفيت بالإحالة.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
الإشارات المرجعية |
|
|