|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#38 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
|
منخنقات: المعية.. والضدية.. وتفخيخ الأسئلة..! 2 - 2
د. حسن بن فهد الهويمل وتفخيخ الأسئلة، والاستدراج عبر تلاحقها الملح، يشيع في الأمة الريبة والخوف، ويوطئ الأكناف للفتن العمياء، ويجمد على الشفاه تطلعات المفكرين والعلماء. وغياب مبدأ التعاذر، وافتقاد حسن النية والرأفة والرحمة مؤذن بفساد كبير. وأي سؤال تربصي وغير بريء يتخلل لحمته وسداه مشروعُ جواب استدراجي توريطي، وعند كل نحلة أو طائفة أسئلتها المزيفة، وقد تعرض كبار العلماء لمثل ذلك، ولعلنا نضرب المثل «بأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري» صاحب الصحيح وبموقفه من قضية «خلق القرآن» فكلما دخل مدينة لطلب الحديث وروايته، دبرت له أسئلة تربصية مفخخة، فكان أن لقي الأذى والمضايقة والطرد. والأسئلة التربصية ينشئها غير مستعلم، ويتلقاها غير حصيف، ومن ثم لا تحيل إلى أزمة قائمة، وإنما تخلق أزمتها، أو تصعد أزمتها القائمة. وأحسب أن من المسلمات كمون الأزمات في زمن التحولات السياسية والفكرية، وتساؤلات الخيفة أو التخويف تحققية لا استعلامية. وتثوير ما لم ير صانع المشروع الوصول إليه يتيح فرصة التخلق للأمة، وفي زمن التخطيط لأي مشروع تتلاحق الأسئلة الاستشكافية أو الاسترشادية أو التعجيزية أو التوريطية. وعندما تمارس مثل هذه الرغبات مع الرسل يتولى المرسل حسم الموقف {لا تّسًأّّلٍوا عّنً أّّشًيّاءّ إن تٍبًدّ لّكٍمً تّسٍؤًكٍمً} وفي الصحيح عن أنس: أن ر جلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: «في النار» وفي الصحيحين «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته» وفيهما «فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم». وحين صعَّد السائلون أزمة الأسئلة، وأحفوا الرسول بالمسألة صعد المنبر قائلاً: «لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم». الأمر الذي حمل كبار الصحابة على الندم والبكاء، وتجديد الإيمان، والرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، مستعيذين من سوء الفتن، وكأن الأسئلة غير السوية طلائع للفتن. والإمام مالك رحمه الله فيما أعلم سئل عن مسألة، فقال للسائل، هل وقعت؟ قال: لا. قال: إذا وقعت فاسأل عنها من قِبَلك. أو كما قال. ولهذا فإن كثرة الأسئلة مؤشر حالة غير سوية، والمشاهد السياسية والدينية تعج بأسئلة افتراضية يتراشق بها المرتابون، ويفخخها المتربصون، ويغذيها الحزبيون والفئويون والمذهبيون المتعصبون والفضوليون، أسئلة لا تُستمد من الواقع، ولكنها تنسل من أفكار مرتابة متخوفة أو متربصة، تفترض أسوء الاحتمالات، وتشك حتى في اليقينيات، مقتربة من الشك الديكارتي، غير أنها لا تبحث عن الحقيقة. والتسيس الثوري لكل شيء أخطر من عسكرة الأمة، وفي كل منهما سلبياته القاتلة، وتلاحق الأسئلة عن الموقف من الأشياء والأناسي لقصد الاكتشاف والتصنيف مردهُ إلى ما تعيشه كافة المشاهد من ضغوط وتوتر، وما ترقبه من مخاضات، وما تتوقعه من تصرفات غير مأمونة العواقب، إضافة إلى صرعة التسييس والعصبية المقيتة. ولو أن السؤال منتج موقف ضاغط لتجاوز زيفه وتأزيمه، وأصبح قابلاً لجواب مفعم بالإيجابية. وحتى الفتيا التي تجيء في أعقاب سؤال ماكر ترفع نبض المشهد، وتعمق الخلاف، وتحشر الناس إلى ولاءات إقليمية أو فئوية. ومما أدركنا من تجارب سلفت استدراج المفكر إلى مصيدة المتماكر، ووضعه في موقف حرج أمام فخ السؤال المريب. والذين تتهاداهم قاعات التدريس أو منصات المحاضرات والندوات يحسون بالملاحقة المريبة، والاستدراج من حيث لا يحتسبون. والأسوء من كل ذلك أن تستدرج من حيث تعلم أو لا تعلم إلى وسيلة إعلامية ليتمتع بك الخليون، وتشفى بك صدور الحاقدين، ويملأ بك فراغ الفضوليين، ثم تنبذ بعد ذلك كسقط المتاع، لقد اشتركت القنوات والمستجيبون لها في إحراق السمعة، وليس من شك أن ملء الفراغات مهم ولكن بمقدار. والسؤال حين يتضلع من الافتعال والانفعال، ويفتقر إلى الضرورة والفعل، يتحول بذاته إلى إشكالية تتصدع عن نوابت سوء، تستفحل معها الإشكالية، ويستعصي تفادي أثرها السلبي. وكلما أتحنا فرصة لهذه النوعيات التي قد تحقر فعلنا إلى جانب فعلها أعطينا الدنية في ثوابتنا، وماذا علينا لو ملكنا الشجاعة، ووثقنا بأنفسنا وبمواقفنا، ولم نتح فرصة للمتخللين بأسئلتهم في نسجينا المتلاحم، وأعدنا السؤال إلى نحور أصحابه، بحيث لا ينالوا شيئاً، معتمدين على مشروعية «لا أدري» وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة استعلام وأسئلة تحدٍ، سئل عن: «الروح والساعة والأنفال والإنفاق والقتال والخمر والميسر واليتامى والمحيض وذي القرنين والجبال» فلم يجب على الفور، بل انتظر وحي السماء، ومن حقنا انتظار ناتج التأمل والمراجعة وتقويم المواقف، ومن حقنا التفصيل في الإجابة والتعددية والاحتمالية. والمشاهد الفكرية والدينية والسياسية حين تقع تحت طائلة هوس الأسئلة المفتعلة تصاب بدخن الفتنة، وتتحول متونها وهوامشها البشرية إلى متربصين تصفويين. وحين يبدهك إنسان من هذه النوعية بسؤال مصيري تكون حسب المفاهيم السائدة ملزماً بالإجابة الفورية، وكأنك في مسابقة تحسب زمن التأمل، وحين تتردد أو تتلعثم أو تتخلص كما «أسلوب الحكيم» تقع تحت طائلة الاتهام. ولأن السؤال يحمل ثنائية صارمة فإنك محصور بين «لا» أو «نعم»، وليس من حقك «قد يكون». وهذه الظواهر غير السوية ناتج تربية سيئة، من واجبنا أن نعيد النظر فيها، وأن نواجهها بقوة وثقة، لا نخشى فيها لومة لائم. والمسألة الدينية التعبدية وغير التعبدية والرؤى السياسية وسط أعاصير التحولات هي المجال الأرحب لصناعة السؤال المزيف من العامة والدهماء التي يتحاماها الجميع، لأنها تعيش تحت وطأة التجييش العاطفي الأهوج، ومتى تشكل وعيها من أسئلة الزيف تحولت إلى تيار جارف، يفرض الفوضوية وسيادة الجهل، وكيف لا يكون والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بنزول الجهل ورفع العلم وكثرة القتل. وتشكيل الوعي الجمعي من السؤال والجواب والشريط والمنشور والمواقع المتسربة من محدودي الفهم والعلم والتجربة يحول الرؤى والتعددية والفسح والاحتمالات إلى مواقف حدية صارمة كحد السيف. واحتدام العامة، وتدخلهم في اختصاص المؤسسات لا يكون ملفتاً للنظر إلا في الظروف المتوترة، وقد مر التاريخ الإسلامي بمثل هذه الحالات، والدراسات المثيرة عن أحوال العامة في بغداد في القرن الرابع والخامس انطوت على تصرفات غريبة. و«الحدية» تفوت على الأمة فرص التفكير، إذ المسألة عندها إما أبيض فاقع اللون، أو أسود قاتم اللون. وعندما لا يكون طرفان ووسط، ومواقع رمادية، تتعطل لغة العقل، وتنعدم فرصة الخيارات، وتلك قاصمة الظهر. ولست أشك أن الخطورة المترتبة على استمرار الأسئلة لا تقل عن الجرأة على الفتيا، ذلك أنها ناتج سؤال متوتر، وفي الأثر «أجرؤ الناس على الفتيا أجرؤهم على النار». إن افتراض إشكالية دينية لم تقم، تعني تعطيل الفعالية أمام إشكاليات قائمة. وهلوسة الأسئلة تستدعي كثرة المجيبين، ومن ثم يكثر المتعالمون والجهلة، ذلك أن مثل هذه الحالة غير السوية تدخل بالأمة نفق العرض والطلب، فإذا كان السؤال طلباً فإنه يفوق العرض، ومن ثم يختل التوازن، ويكثر الطلب على المهيئين للإجابة على الأسئلة، وإذا استشرت ظاهرة التعالم لسد الثغرات هلكت الأمة. وصرعة الأسئلة الاستدراجية حملت الكفاءات العلمية والفكرية على التراجع، وعرضت آخرين للمساءلة، ومتى أصاخ العالم و المفكر، وأوجس خيفة من القول والصمت تشكلت الذهنيات المرتابة، وأصبحت المشاهد مساحة ملغومة، ومما ضاعف الإشكالية هوس المواقع على «الانترنت» فكل من ضاقت به الحيل، وأرهقه الفراغ، تمطى على موقعه، واستقبل فيوض القول في الجرح والتعديل والتزكية والتخوين والوعد والوعيد، وكل داخل على الموقع للاستخبار يقول: اللهم سلم سلم. وسؤال الأسئلة: من المسؤول عن اندلاق أقتاب الأسئلة المريبة، ومن المسؤول عن إيقاف النزيف؟ التربية أم السلطة أم النخبة؟.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|