بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » من أبي جعفر المنصور إلى أبي زياد الصالح : من هرّب حبل المشنقة إلى عشيقتي..؟!!

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 17-01-2007, 02:44 AM   #1
أبو زياد الصالح
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 63
من أبي جعفر المنصور إلى أبي زياد الصالح : من هرّب حبل المشنقة إلى عشيقتي..؟!!

[frame="2 90"]


سيدة الرحيل.. وملاذ العشاق

الكلام في زمنهم عبث..
أن نحمل أحبارنا لنكتب على جباههم شهداء هي خيانة لذواتنا..
أن تتأبط محبرتك وتشرع دواتك لاستمطار الحرف.. والعراق يلفظ شهداءه على ضفتي نهريه فأنت تخوض معاركك بالورود..
لم أحلم يوماً وأنا أزور بغداد أن أكون كاتبها البعيد.. كاتبها العاشر.. كاتبها الذي لن يفي بوعده لها ليلة نحرها.. ولبغداد في كانون طعم آخر لمن يعرف ثلج بغداد..

أن تكتب عن بغداد وهي تودّع شمسها سوداء فلا بد أن تخفض رأسك، وتتوضأ حتى تتطهر من أنانيّتك.. من فرحك.. فهناك أناس لا يمكن أن تكتب عنهم وأنت في آخر القطار..
كان حلمي الكتابي أن أوشح العذارى خلاخل ليلى مهداة لها من قيس.. وأسكب عليهن مسك المعتمد بن عباد وأجلسهن على عرش بلقيس.. أما وقد فاز كل خليل بخليلته فإنني كاتبها الذي لا يمل.. ميمّم وجهي شطرها.. وأنا الذي هجرتها سنوات مستمتعاً بغربتي عنها.. وكنت أظن أن الأوطان تشيخ.. والنسور تموت طائرة..

عائد لها.. خافض الرأس.. معتذراً.. يوم أن تركتها وهي تصارع الموت وحدها.. وهل استيقظتْ يوماً على غير الدموع..؟!


أن تكتب عن بغداد في هذا الوقت بالذات فأنت تمارس نوعاً من جلد الذات.. كيف لك أن تكتب عن مدينة تسكنك.. مدينة ملطّخة بدمك.. أن تكتب عنها فأنت تخرجها من جسدك المنهك... تلفظها في فم المقابر... تمارس معها العهر على سرير تشرين..!!

أعرف أن بعض المدن هي أجمل حينما تكتسي حلة وتلبس ثوب البياض.. إلاّ مدينتي فهي أجمل حينما تكون عارية من أقنعتها..عارية من مساحيقها.. من لوثات الثعالب..؟!


عندما أكتب هنا فأنا أختار كلمات متسخة لأقوم بغسلها حتى يتحات النفاق عنها، ثم أحفرها للمناضلين الأبرار ممن يمدون كل يوم جسوراً بأجسادهم تبعدنا عن نرجسيتنا، عن غزلنا، عن خيبة حروفنا حتى تلتقي الأرواح مع حواصل طير.. وبغداد مدينة تغسلها الدموع مع كل حرف منافق يكتب لغيرها غزلاً..

منذ الأزل ومدن العراق تحمل خيباتها.. تحمل طهرها، ثم تتلفع بشالات السماء.. تستمطر الكوثر لشهدائها الذين هجروا الحرف إلى الحرف.
وناموا تحت منبر هارون..
هل قلتُ هارون..؟! آه ما أفجع الكلمات التي نقولها دون حياء، دون أن نلبس لها لبوس الوقار..!!


عمر مدينتي لا يمكن أن يُقاس إلاّ بعمر نخيلها.. بعمر المآذن المتهدمة.. بعمر مشانقها.. بعمر الراحلين عنها..
بعمر رائحة الموت الكريهة على ضفتي نهريها..


أن تكتب في هذا الزمن بالذات عن بغداد فأنت تفقد ثروتك اللغوية.. تفقد كل الزهور التي جمعتها للياليك الحمراء؛ فلا غيرها يستحقها..!!
تفقد كل عناق ليلي لتشاركها نخب مناضليها الشهداء والذين أستحي بذكرهم حينما أذكرهم في زمن البجعات الميتة..!!


غنيت كثيراً لها في المهجر بشيء من الخوف حتى لا أتجاوز قامتها.. كبرياءها.. صمودها فبدت لي غير عابئة بصوتنا، وكأنها بانتظار المشهد الأخير.. مشهد القوافل من طيور صغارها.. مشهد الحجارة والمقلاع في يدي زواريبها وأزقتها.. مشهد شنق آخر شوارعها الذكورية..!!


تفاجئك بعض المدن بأنها أكبر من الحرف.. أكبر من اللغة.. لا يمكن أن تطوّقها بأجمل الكلمات.. حتى لو غنيت لها طويلاً.. ونثرت أجمل مواويلك في قلوبها؛ فهناك حرف وكلمة واحدة.. هي وحدها من يزف هذه المدينة... تلك الكلمة لم تولد بعد.. لم تُنطقْ بعد.. عمرها أطول من لغتنا... أسمى من حروفنا التي ابتذلناها كثيراً لمن لا يستحقونها.. لمن بقوا من أجل أن تموت مدنهم.. هذه الكلمة يجب أن نبحث عنها في كل لغات العالم... في كل القواميس، ما بين الأهداب والقصص.. فقط من أجل أن تُقدّم عربون وفاء للمدن الخالدة في يوم زفافها، يوم أن تلفظ كل أوجاعها ممن تقنّعوا باسم الدفاع عنها، وهم من قبّلوا كف الخناجر ليلة الاغتيال..!!

عشر سنوات وأنا ألعن كل من يكتب عنها ..عن حريق عباءتها..كيف احترقت ومتى ومن الجاني..؟
عشر سنوات وتزيد وأنا ألهث وراءها لأطبب لها الجرح الأخير حتى إذا وصلت أجدني مفصولاً عنها بعشرات الجروح.. بعشرات الخنادق.. فأجدني غريباً عنها بمسافات لا يقطعها الحلم..

أجمل ما فيها أنها تصحو باكرة فوق مآذنها وتنام هادئة تحت نخيلها وكأن الدماء التي فيها وجع غيرها.. وكأن ذاكرتها معلقة بالمنصور طُهرها الأزلي..

بغداد كلمة لها جرس النعش منذ أزلها... لها دموع الخيبات في سهولها.. تركت على عيوننا قبل رحيلها بعض الأحبار لكي تستنزف ما تبقى فينا من أنانية العشق..


على سفوحها مات العشاق.. مات الأدباء.. ماتت حروفي هناك..

مات عاشقها الأول أبو جعفر المنصور..ثم هُرّبت الحبال لشنق آخرِ الـ ...!!!!


ـــــــــــــــــ

انتقل المعرف من اسمي الشبيه إلى اسمي الصريح ..إلى صالح الفوزان

sf_317@hotmail.com
..
[/frame]
أبو زياد الصالح غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 04:58 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)