[أبو عمر القصيمي]

[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
تعلمون جميعاً أهمية العلم الشرعي ومكانة التفقه في الدين ، فقد أثنى الله عزوجل في كتابه على أهل العلم كثيراً وجاء الحث على الإزدياد من العلم في الكتاب والسنة ، ففي هذا الزمن الذي أقبل الكثير منا على اللهو والغفلة وأعرض الكثير منا عن العلم الشرعي الذي هو نور وبرهان وضياء وبيان لمن أقبل عليه بصدق وإخلاص ، ومن أنواع طلب العلم الشرعي مذاكرة المسائل الفقهية ، وقد طلب مني أحد أساتذتي ( حفيد اعقيل ) على حسن ظن منه بي بحث مسألة من مسائل الفقه التي تقع كثيراً ألا وهي ( صلاة المنفرد خلف الصف ) فحاولت أن ألبي طلبه على تقصير مني أسأل الله لي وله العفو .
حاولت ترتيب الموضوع على عدة نقاط كما يلي :

أولاً / المعنى الإجمالي للمسألة :
المعنى هو حكم صلاة من صلى وحيداً في الصف خلف الإمام أو خلف المأمومين .

ثانياً / الأصل في هذه المسألة :
الأصل فيها عدة أحاديث بألفاظ مختلفة منها :
1 / حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة } رواه أحمد وحسنه وأبوداود والترمذي وحسنه وصححه ابن حبان وحسنه اسحاق وأبو حاتم وصححه الألباني في صحيح السنن وابن باز في الفتاوى والعلوان في شرح البلوغ .
2 / حديث علي بن شيبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ) رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وغيرهم وصححه ابن خزيمة وكذلك صححه الألباني وأحمد شاكر وابن باز والعلوان وغيرهم .
3 / ورد في حديث وابصة زيادة عند الطبراني وغيره ( ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً ) ولكن هذه الزيادة ضعيفة ولا تصح في الإسناد السري بن اسماعيل متروك الحديث .

ثالثاً / الخلاف في هذه المسألة :
اختلف أهل العلم رحمهم الله في المسألة على ثلاثة أقوال تقريباً :

القول الأول / صحتها مطلقاً ، وهذا قول جمهور أهل العلم سواء بعذر أو غير عذر ولكن كره بعضهم بغير عذر ، واستدلوا بأن صلاة المرأة خلف الصف صحيحة كما في حديث أنس في الصحيحين ، وكذلك استدلوا بحديث أبي بكرة رضي الله عنه في البخاري أنه ركع قبل أن يصل إلى الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم { زادك الله حرصاً ولا تعد } ووجه الاستدلال أن أبا بكرة ركع خلف الصف منفرداً ، فأتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ، وأجابوا عن حديث وابصة بأنه نفي للكمال .

القول الثاني / بطلان صلاة المنفرد خلف الصف مطلقاً سواء وجد فرجة أو لم يجد ، وهذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله مستدلاً بحديث وابصة المتقدم ، وأجاب أصحاب هذا القول على الاستدلال بصحة صلاة المرأة بأن هذا خاصاً بالمرأة لأنها ليست أهلاً لأن تكون بجانب الرجال ، وأما حديث أبي بكرة فإنه لم ينفرد إلا جزءاً يسيراً وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم { لا تعد } وأن أبا بكرة مشى ودخل مع الصف .

القول الثالث / هو الجمع بين الأقوال فقالوا بأن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح إلا إذا لم يجد فرجة ، فإذا لم يجد له فرجة في الصف ، فإن له أن يصف منفرداً ؛ لأن المصافة واجبة وتسقط مع العذر ، وهذا القول رواية عند الحنابله اختارها شيخ الاسلام ابن تيمية ورجحه ابن سعدي وابن عثيمين رحمهم الله ومال إليه الشيخ سليمان العلوان فرج الله عنه .

رابعاً / على القول بعدم صحة الصلاة مطلقاً وقد رجحه ابن باز رحمه الله فماذا يصنع من دخل ووجد الصف ممتلئ ؟
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في الفتاوى :
( لا يجوز للمسلم أن يصلي خلف الصف وحده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) وإذا صلّى وحده وجب عليه أن يعيد، لهذا الحديث وللحديث الذي ذكرته في السؤال وهما حديثان صحيحان.
وليس له أن يجر من الصف أحداً؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف، وعليه أن يلتمس فرجة في الصف حتى يدخل فيها أو يصف عن يمين الإمام إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك انتظر حتى يوجد من يصف معه ولو فاتته ركعة، هذا هو الأصح من قولي العلماء للأحاديث المذكورة وغيرها مما جاء في هذا المعنى. ) انتهى

خامساً / نقول مهمة عن بعض أهل العلم في هذه المسألة :

1 / قال ابن سعدي رحمه الله : ( اختار تقي الدين وابن القيم وغيرهما من المحققين ؛ أن من وجد في الصف محلاً يقف فيه ، فلا يحل له أن يقف وحده خلف الصف ، وإن لم يجد محلاً يقف فيه ، وجب عليه أن يصف وحده ، ولا يترك الجماعة ، وهذا هو الصواب الموافق لأصول الشريعة وقواعدها ) انتهى من توضيح الأحكام للبسام .

2/ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الفتاوى : ( الصلاة خلف الصف منفرداً لا تجوز ولا تصح على القول الراجح وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله – وإن كان عنه رواية أخرى أنها تصح وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك وأبي حنيفة والشافعي. ولكن الراجح أنها لا تصح خلف الصف منفرداً إلا إذا تعذر الوقوف في الصف بحيث يكون الصف تاماً , فإنه يصلي خلف الصف منفرداً تبعاً للإمام ؛ لأنه معذور , ولا واجب مع العجز كما قاله أهل العلم – رحمهم الله – وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المرأة تقف خلف الصف منفردة عن الرجال للعذر الشرعي,وهو عدم إمكان وقوفها مع الرجال,فإن العذر الحسي أيضاً يكون مسقطاً لوجوب المصافة ) انتهى .

3 / قال الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان وفقه الله في شرح التسهيل : ( والقول ببطلان الصلاة قوي جداً ، لأن الدليل عليه صحيح صريح .. لكن إن لم يجد مكاناً في الصف بعد المحاولة فالظاهر صحة صلاته ، وبه قال الحسن البصري ، واختاره شيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم ) انتهى

وبهذا انتهى ما أردت كتابته عن هذه المسألة ، فحاولت أن أجمع شتات هذه المسألة ، وأن أذكر الأقوال بأسهل طريقة مع تقصير واضح وخلل بيّن أسأل الله العفو والمغفرة ، وقد نقلت من عدة كتب منها فتاوى ابن عثيمين وشرح البلوغ للعلوان وشرح التسهيل للفوزان ، وأنتظر مشاركاتكم وفوائدكم في هذه المسألة التي تقع كثيراً وخاصة في الجوامع ، حيث تجد من يصف وحده دون أن يكتمل الصف والله المستعان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين [/CENTER]