|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#11 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 434
|
لا مخالفة في جوازه في الأعراس والزفاف والأعياد والأفراح .
هذا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهذه السلسلة اختلف فيها المحدثون بين مصحح ومحسِّن ومضعف ، والراجح حسنها ، إلا أن الراوي هنا عن عمرو بن شعيب هو : عبيد الله بن الأخنس ، وثقه أكثر العلماء ، وقال ابن حبان : يخطئ كثيرًا . والراوي عن عبيد الله هو : الحارث بن عبيد الإيادي ، قال فيه الإمام أحمد : "مضطرب الحديث" ، وقال ابن معين : "ضعيف الحديث" ، وقال أبو حاتم : "ليس بالقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به" ، وقال النسائي : "ليس بذاك القوي" ، وقال ابن حبان : "كان ممن كثر وهمُهُ حتى خرج عن جملة من يُحتَجُّ بهم إذا انفردوا" ، وقال الساجي : "صدوق عنده مناكير" ، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي : "كان من شيوخنا ، وما رأيت إلا خيرًا" ، وهذه الكلمة لا تفيد أنه ضابط ٌ لحديثه ، لأن كلمة العلماء اجتمعت على أنه ضعيف في الضبط ، وربما كانت كلمة ابن مهدي تفيد أنه عدلٌ في دينه واستقامته ، ولا تلازم بين العدالة والضبط كما هو معروف . فهذا الحديث ضعيف كما هو ظاهر . وأقوى منه الحديث الذي روي بمعناه مع زيادة تفاصيل مهمة ، وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه ، فلما انصرف جاءت جارية سوداء ، فقالت : يا رسول الله ، إني كنت نذرت إن ردك الله صالحًا - وفي روايات : سالمًا - أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا" . فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر ؛ فألقت الدف تحت استها ، ثم قعدت عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالسًا وهي تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف" . وهذا الحديث فيه علي بن الحسين بن واقد ، تكلم فيه بعض العلماء ، إلا أنه توبع ، تابعه زيد بن الحباب وغيره ، فصح الحديث ، ولذا قال الترمذي بعد أن أخرجه : "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة" ، ووجه الغرابة فيه : تفرد الحسين بن واقد بإسناده عن عبد الله بن بريدة ، والحسين بن واقد ثقة ، حسّن حديثه ابن سعد ، ووثقه ابن معين ، وقال أحمد وأبو داود والنسائي : "ليس به بأس" ، وذكر بعض العلماء أن له أوهامًا ، وهي غير مؤثرة في سائر رواياته ، ما لم يثبت وهمه بالمخالفة أو التفرد . فالحديث كما قال أبو عيسى : "حسن صحيح" . إذا ثبت كل ذلك ، يمكننا النظر في الرواية الصحيحة لحديث هذه الجارية ، وفيه المفردات الآتية : 1- جارية سوداء . 2- إني كنت نذرت . 3- إن ردك الله صالحًا - أو سالمًا - . 4- إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا . 5- إن الشيطان ليخاف منك يا عمر . ففي الجملة الأولى : أن العادة كانت أن ضرب الدف للجواري والإماء . وفي الجملة الثانية : أن هذه المرأة كانت قد نذرت نذرًا ، لكن هذا النذر مشروط بشرط ، فإذا تحقق المشروط تحقق النذر ، والشرط تبينه الجملة الثالثة : ففيها : إنْ ردَّك الله سالمًا ، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى غزوة ، وتعرض هو وأصحابه إلى القتل ، وردَّه الله - عز وجل - سالمًا صالحًا منصورًا = إنّ هذا مما يستدعي الفرح العظيم ، والاستبشار والسرور . ولهذا نذرت هذه الجارية الضرب بالدف في هذه الحالة . والنذر - كما في الروض - : إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى شيئًا غير محال بكل قول يدل عليه . ويشترط له أن يكون في غير معصية الله ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" . ولهذا فلا بد أن يكون المنذور به دائرًا بين الإباحة والطاعة ، والنذر الذي نذرته الجارية هنا هو : ضرب امرأةٍ الدف في حالة الفرح والسرور ، وهذا مباح - كما اتفقنا قبل - ، فهو كالضرب بالدف في الأعراس والأعياد ، الذي جاءت النصوص ببيان حلّه . وفيه وجه آخر ، هو أن هذا النذر نذرٌ بطاعة ، قال ابن القيم في أعلام الموقعين : "... أن يكون هذا النذر قربة ، لما تضمنه من السرور والفرح بقدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالمًا مؤيدًا منصورًا على أعدائه قد أظهره الله وأظهر دينه ، وهذا من أفضل القرب ، فأ ُمرت بالوفاء به" . وفي الجملة الرابعة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزمها بالضرب إلا إذا كانت قد نذرت ، وإلا فلا يجب عليها . ويدل على هذا أنها تقول في سؤالها : إني نذرت أن أضرب ... ، والمعنى : فهل يجب عليّ أن أضرب وفاءً بالنذر ؟ لأنه من المعلوم أن الوفاء بالنذر واجب ، فأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها إن كانت نذرت فلتضرب ، وإلا فمن غير الواجب الضرب . وفي الجملة الخامسة : نسب ضرب الدف إلى الشيطان ، وهذا لبيان الأصل في الدف ، وهو أنه من الشيطان ، ومع أنه مباح في هذا الموضع ، وحضره النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقرّه = إلا أن للشيطان مدخلاً فيه ، مثل ما لو زاد عن حده ، أو صاحبته معازف ، ونحو ذلك ، فالشيطان يفرح بذلك . وقد أسند الخلال عن الإمام أحمد أنه قيل له في بيع الدفوف ، فكرهه ، وقال : ( أذهَبُ إلى حديث إبراهيم : كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري في الطريق معهن الدفوف فيخرقونها ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف» ) . قال أحمد : ( الدف على ذلك أيسر الطبل ، ليس فيه رخصة ) . وهذا المعنى ( أن الأصل النهي عن الدف ) متقرر في نفوس الصحابة - رضي الله عنهم - ، وقد أقرّه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد أخرج البخاري من طريق عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغشٍّ بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه فقال : "دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد" ... فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على إنكاره ، لكنه بيّن أن فعل هذه الجواري جائز لأنها أيام عيد وفرح . وهذا المعنى انتقل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تابعيهم ، فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال : "كان أصحاب عبد الله - يعني : ابن مسعود - يستقبلون الجواري في الأزقة معهن الدفوف فيشقونها" ، وقال شريح القاضي وسويد بن غفلة - وهما من كبار التابعين - : "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه دف" . ويروى عن الحسن البصري أنه قال : "ليس الدفوف من أمر المسلمين في شيء" ذكره الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا - إن صح - كنقل إجماع التابعين ومن قبلهم على أن الأصل تحريم الدف . ودعنا نعد إلى كلام أهل اللغة في معنى الدف ، فقد قال ابن الأثير : "العزْفُ : اللَّعِب بالمعَازِف ، وهي الدُّفوف وغَيرها مما يُضْرَب" ، ونقله ابن منظور في لسان العرب , وورد عن غيره من العلماء أنهم ذكروا الدفوف في تعريف المعازف ، والمعازف محرمة بنص حديث البخاري . فثبت أن الأصل في الدفوف : التحريم ، فلا يقال : إن الأصل الحل فأين الدليل على المنع ، وإنما يقال : إن الأصل التحريم ، فأين الدليل على الإباحة . قال المباركفوري في تحفة الأحوذي في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا" : ( فيه دلالة ظاهرة على أن ضرب الدف لا يجوز إلا بالنذر ونحوه مما ورد فيه الإذن من الشارع ، كضربه في إعلان النكاح ... ) . وقد دلت الأدلة الصحيحة على إباحة الضرب بالدف في أحوال معينة ، كالأعياد ، والأعراس ، والأفراح عمومًا ، والوفاء بالنذر - كما في حديثنا هذا - . والله أعلم . ** لا يلزم من هذه المشاركة الموافقة على طريقة طرح الموضوع الأصلي أو مخالفتها .
__________________
كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم . أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد . وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ . أبو عبد الله
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|