[مخربها مررره]

الحب في قلوب العاشقات . . .
________________________________________
الحب نعمة طالما انقلبت عند كثير من الفتيات إلى نقمة , والحب داء إذا سكن قلوب المرهفات من بناتنا بلا احتراز لخطره ؛فقدت بسبب منه عقلها بلا تمحيص أو تؤدة , فتعذر الدواء وشق على الطبيب المداوي , وإني لأجد كثيرًا منهن لتطغى عليهن العاطفة الجامحة فينقلبن كسيرات وحسيرات على ما وقعن به من جرائه , حيث اشتمل عليهن الحب أو اشتملن عليه , فرحن يندبن حظوظهن بلا توقف , ملن إليه حين كان غيرهن قد احتطن من لسعته الدامية ...
الحب مباح حين يوضع في موضعه , ومذموم حين يكون غطاء للتنفيس عن شهوة , أو معاقرة نزوة , هو سلاح ذو حدين , يفتك بصاحبته شر فتك , فكم من عاشقة تنفست الصعداء حتى قضت نحبها قبل أن تنل منه ما ارتأته , وإنك لتجد الفتاة الصبة المستهامة لا ترى بدًّا من أن تتعاطاه وإن كان الإثم يحيق بصفو العقيدة , فترخص له الوقت , وتبذل له المال , وتجني على نفسها , وتجني على أهلها مالا قبل لهم به . . .
الفتاة في سن المراهقة تكاد لا تفيق من سكرته , إذ يتغشاها منه جذوة من نار تحسبها بلسمًا تتعاطاه لتطفئ به رغبات نفسها الجامحة بلا قائد , شأنها أن تؤثر في غيرها أو تتأثر به , لا ترى في الحياة شيئًا يستحق أن تبقى من أجله إن لم تجد من تحبه أو يحبها , سيان عندها إن كان الحب من طرف واحد أو من طرفين , فتراها تقلب مقولة : أنا أفكر إذا أنا موجود , لتكون : أنا أحب إذًا أنا موجودة !!!
في الحديث " الأرواح جنود مجندة , فما تعارف منها ائتلف , وما تناكر منها اختلف " , ومشكلة الفتاة أن قلبها كان قبل الحب خاليًا , ثم صادف قلبها ما صادف فوقعت به بلا تروٍّ وبلا تمهل , وبلا إمعان للفكر الذي تهتدي به من خلال طول التفكر والتبصر .
لو وقف أحدنا عند قوائم رجال الحسبة " هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " لشاب رأسه مما يطلع عليه , بنات في عز الشباب يقعن فريسة سهلة لتلك الذئاب التي تنظر انقضاء الوطر ولا شيء غيره , على أن قليلاً من الفتيات من تنظر من هذه الزاوية , بل يذهب خيالها إلى تصديق تلك الكلمة المعسولة من حبيبها " أنا أحبكِ , ونهاية حبنا الزواج " . . . وإذا جد الجد هرب كما يهرب الجبناء , فلا نامت أعينهم.
لست أدري أين تجد الفتاة المتعة في إيجاد علاقة محرمة مع شاب لا يدين لها بشيء سوى بالمشافهة الكذوبة , يتلو عليها كلمات الحب والغزل , كما يتلو الزوج لزوجته , وأدل دليل على شدة مكر هذا الذئب حين يسأل عن صدق وعده بالزواج بها , فتراه يقول : لا أتزوج من تهاتف أو تخرج مع شاب لا تربطه بها علاقة غير علاقة الحب المزيف .
وأشد حمقًا تلك الفتاة التي تهاتف وتواعد من لا تحسبه سيطلب يدها في يوم من الأيام , لا لشيء سوى ليقال : تعرف صديقًا !! ولست أدري كيف ضمنت مكره , وسعة حيلته إن سلب منها أعز ما تملك وهي مرغمة بلا حول لها ولا قوة أمام قوته ؟ إني لأصعق ولا أكاد أصدق أن هنالك فتيات يقدمن على مثل هذا , من أين لهن تلك الجرأة التي خولتهن إلى الإقدام على هذا الفعل الجنوني بحقهن وبحق أهلن ؟!!. . .
وإن تعجب فعجب تلك الظاهرة التي أكاد أتحرز منها حين أدعوها بظاهرة , ألا وهي ظاهرة الإعجاب المبالغ فيه فيما بين الفتيات , ترى شيئًا عجبًا يند عنهن , وما كنت أحسب أن يصدر مثل هذا عنهن , وأيم الله إنه لشيء يندى له الجبين , ويحز في النفس , إذ سمعنا مالا يحسن ذكره , ويتعفف الحر عن سرده , ويركن الكريم إلى عدم الخوض فيه , بل الإمساك عنه فيه غنية وعفة , وإن من بعض الفتن إخفاؤها طريق وسبيل إلى وأدها في مهدها .
كم هو الحب جميل حين يأتي طوعًا لا كرهًا , نجده في بيئته التي نطمئن إليه حين نجده فيها , تلك البيئة هي بيئة الزواج الذي يعصم الجنسين من الوقوع في المحذور , نجد الحياة سعيدة بجوار هذا الحب العفيف , نجد ينبوعًا دفاقًا ينساب على كل ركن من أركان منزل الزوجية , يجد الزوجان نفسيهما خالصتين من أوضار الماضي الملطخ بما يبدد سعادتهما , يجدان حياة لم تشبْها شائبة من تلك العلاقات الآثمة , علاقات ما قبل الزواج , حيث يهب كل واحد منهما نفسه وقلبه إلى الآخر , ويا لها من متعة حين يشعران بها لأول مرة وعلى حقيقتها , لست أدري كيف أصفها ؟ ولكنها حقًا وحتمًا جميلة أيما جمال .
لم يسبق لأحدهما أن عبث بمشاعره وأعطاها في يوم من الأيام لمن لا يستحقها فخدع بذاك السراب , ثم وجد من يستحق من يهبها له بعد فوات الأوان , لا شك أن المشاعر تختلف , فقد خدشت , وكادت أن تموت . . .