[طالب الفردوس]

بسم الله الرحمن الرحيم

سبحان الله .. تمر بالإنسان العظات .. وتلاحقه النذر والآيات .. كي يستيقض قلبه .. ويصحو ضميره .. ويرجع إلى ربه ، ويثوب إلى رشده .. فمن البشر من ينتفع بذلك .. فإذا بنفسه تتزكى .. وإذا بروحه تتعالى .. { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } وهناك أقوام قلوبهم كالصخور القاسية لا تلين وكالجبال الراسية لا تستكين .. وصدق الله { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }
لقد مرت علينا حوادث لأناس أظهروا ما يقبح إظهاره ويشين فعله .. ويحرم ارتكابه .. وحملوا على عواتقهم دعوة الناس إلى ما يغضب رب الناس ويفرح الوسواس الخناس .. كانوا يخرجون علينا في أزمان متفاوتة عبر وسائل الإعلام بأفعال مقبوحة ، ومشاهد ممجوجة .. بكل تبختر وكبرياء .. وصلف وخيلاء ويغالطون فيها الحقائق ، ويخادعون الخلائق , وربنا جل في علاه يمهل لهم.. لعلهم أن يتوبوا .. ويعودوا إلى رشدهم .. لعلهم أن يستيقظوا من رقدتهم ، ويفيقوا من غفلتهم ؛ ولكن دون جدوى .. لقد شاهدنا سقوط بعضهم على خشبة المسرح صريعاً مجندلا .. يحتضن عوده ومزماره .. ولكن تأبى بعض النفوس التي قد طمست ، والقلوب التي قد أغلقت إلا أن تصور هذا المشهد أنه شهادة .. لا في ساحات الوغى وميادين البطولة والفداء ، ولكن على خشبات المسارح وردهاتها .. بل بعضهم يتمنى ويرجو ويدعو أن يموت كما ماتوا !! روى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في مسنده عن عقبه بن عامر الجهني ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }. [الأنعام : 144.] وروى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل يملي للظالم . فإذا أخذه لم يفلته . ثم قرأ : {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } . [ 11 / هود / 102 ] )
ثم تتوالى العظات لأصحاب الإعلام والفن وغيرهم ممن يحملون أفكاراً ملوثة ومفاهيم مشوشة لعلها أن تصادف قلباً متهيئاً فيفعل فعلها من التأثير والتغيير .. ونحن نرجو الله تعالى أن يشرح صدورهم وينور بصائرهم ليكونوا عونا لأنفسهم وأمتهم بدلاً أن يصبحوا أداة في أيدي أعداءهم وسماً ناقعاً لأمتهم ..

يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى ما زال فتّانا
أمـا ترين المنايـا كيف تلقطنا لقطـاً وتُلحـق أُخـرانـا بأولانا
في كـل يوم لنـا ميـت نشيعه نـرى بمصرعـه آثـار موتـانـا
يا نفس ما لي وللأموال أتركهـا خلفـي وأخـرج من دنياي عريانا
ما بالنـا نتعامـى عن مصائرنـا ننسـى بغفلتنـا من ليـس ينسانا
أين الملوك وأبناء الملـوك ومـن كـانت تخـرّ لـه الأذقان إذعانـا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ورافـلاً في ثيـاب الغـيّ نشوانـا
مضى الزمان وولى العمر في لعبٍ يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا

إن ما أصاب المذيعة السعودية ريما الشامخ التي أخذت على عاتقها تقديم نموذج سيء عن المرأة في هذه البلاد من خلال برامجها في التلفاز وقبلها محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ في كتاباته المتشنجة وغيرهم ممن قضى بعضهم نحبه ومنهم من ينتظر .. إنما هي عبرة لأولي الألباب وعظة لذوي البصائر كما قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ (( السعيد من وعظ بغيره )) إنها ليست شماتة ـ ومعاذ الله ـ ولكنها العظة والعبرة التي أُمرنا بأخذها ممن نراهم ونشاهد حالهم !!
إنها مدرسة الحياة تعلمنا كيف تكون مصارع القوم ليزداد الذين آمنوا إيمانا
إنها دعوة لأصحاب الأقلام أن يتقوا الله في أقلامهم قبل أن يحل بهم الأجل وهم لا يزالون في غيهم سادرين !!
إنها دعوة لأصحاب الإعلام عموماً رجالاً و نساء، أن يعلموا أن العاقبة وإن طالت لهذا الدين ـ فكم الذين حاربوا هذا الدين فأصبحوا في مزبلة التاريخ ، وبقي الإسلام عزيزاً شامخاً ـ أين فرعون وقارون؟ أين الملوك والجبابرة ؟! أين دعاة القومية والاشتراكية والبعثية ؟!
كلهم زالوا وبقي الإسلام متلألأ في الآفاق .. عامراً في الأرجاء .. إنها دعوة للجميع لئن نكون أمةً واحدةً تاركينا خلف ظهورنا الأهواء معتصمين بحبل الله المتين ومتمسكين بهدي نبيه الأمين .
اللهم اشف مرض المسلمين وارحم موتنا وموت المسلمين يا رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .