[ألــــــــــم]

رفعت سماعة الهاتف ..
قلت ببساطة تناهية :
من المتكلم ..؟؟!!
قال بكل لطف وحسن خلق :
إنني متأسف جدا فالرقم يبدو خطأ ..
لم يمهلني مجالا حيث أكمل قائلا :
في أمان الله ..
ثم أغلق سماعة الهاتف ..



عدت إلى مكاني ..
أقلب صفحات الجريدة الحزينة ..
فهل لا تنقل لنا غير الأحزان والمصائب ..
أغلقت الصحيفة ..
وما زال الاحترام يتملكني تجاه هذا الشاب اللطيف ..
شعرت بالطمأنينة ..
وعلمت أن الدنيا لم تزل بخير ..



قمت لأجهز لنفسي كأسا من الشاي ..
وبدأت بغلي الماء ..
وإذا بالهاتف يرتفع جرسه ..
مشيرا إلى مكالمة جديدة ..
أَضعفت توهج النار ..
واتجهت للهاتف ورفعت سماعته ..
: نعم
: السلام عليكم ورحمة الله ..
: وعليكم السلام .. من معي ..
: أعتذر أختي الكريمة على اتصالي مرة أخرى ..
ولكن كان هذا لسبب بسيط حيث إن هذا الرقم مسجل ..
في ذاكرة جهازي ولكني للأسف لا أعلم لمن ..؟
: ومالمطلوب ..؟
: أرغب التأكد لمن هذا الرقم ؟
: إنه منزل ( عبدالله بن محمد ........) ..
: للأسف لا أعرف هذا الاسم ..
أعتذر أختي الكريمة وكلي أسف للإزعاج ..




بعد يومين ..
وكنت منهمكة في أحد كتب الفلسفة ..
أقرؤها ولا أكاد أبينها ..!!
حانت مني لحظة سكينة ..
وإذا بالهاتف يرتفع جرسه ..
: نعم ..
: منزل ( عبدالله بن محمد .......) ..
: من تريد ..؟
: نحن شركة الاتصالات ورغبنا التأكد من مطابقة الرقم للاسم ..
وانا شخصيا باسم الشركة أقدم لكم الشكر الجزيل لاشتراككم ..
هل ترغبين بشرح مجموعة من الخدمات التي تقدمها الشركة ..؟؟
: صاحب المنزل غير موجود الان اتصل مرة أخرى ..
: خدماتنا الجديدة تستهدف النساء لتلبية رغباتهن ..
كما أن لدي اسبتيان ارغب في أن تقومي بتعبئته ..
: أسفه ..
ثم اغلقت الهاتف



بعد ساعات ثلاث ..
شرحت لوالدي مادار ..
وأخبرته أنني أعطيته الاسم خطأ بقصد كشفه ..
وأنه اتصل علي باسم الشركة ..
وقال ما قال ..
ونحن نتحدث في ذلك ..
إذا بجرس الهاتف يرتفع صوته من جديد ..
نظرت إلى الرقم ..
فإذا هو نفس الرقم ..
أخبرت والدي بذلك ..



والدي : نعم
والدي : من الأخ ..؟؟
ثم دار بينهما حديث لم أرغب بالاستماع إليه ..
وكنت أعد الأكل لوالدي ..


أغلق والدي سماعة الهاتف ..
وانحنى على صحيفته المفضلة ..
وهو يرتشف كأسا من النعناع ..
ثم رفع رأسه ليقول :
ما أوقح هذا الشاب ..!!
لقد قال لي بأنه حينما سمع صوتك عشقك ..!!
كان يتحدث وهو ينظر إلى صحيفته ..
لم أعلق البتة على كلماته ..
قال مرة أخرى :
عجبي لهم ماداموا يريدون الفتاة لماذا لا يتقدمون إليها بالطريقة الصحيحة ..
عرفت أن والدي يستدرجني للحديث ..
وكان بيني وبينه دائما شجون وهموم ..
وكثيرا ما يكون نقاشنا بناء ..
عودني على حرية الرأي ..
وعلى التفكير بصوت عال ..
قلت ألبي له رغبته :
ومن قال أنهم يريدون الفتاة حقا ..؟؟!!
إنهم يريدون العبث ..
ويبحثون عن التسلية ..
ويعشقون الفتاة الغرة ..
ويحبون المغرورة التي يأكلون لحمها بكلمتين ..


بعد صمت يسير قال والدي :
لم أعطيته الاسم الخطأ ..؟؟
كان بامكانك الرفض أصلا أو إعطاءه الاسم الصحيح ..
قلت لوالدي :
لم أختر الطريقة التي أحادثه فيها ..
فجاءت كما هي ..
ولكني كنت أرغب في كشف حقيقته وهل هو من الشركة ام لا ..
إذ لو أنه من الشركة لعلم قطعيا بأن الهاتف ..
ليس عند صاحبه ..
ولما تأكدت من ذلك أخبرتك ..



ابتسم والدي كعادته ..
رشف ماتبقى في كأس النعناع ..
سألني عن أمي ..
وعن أخوتي ..
ثم تناولنا الغداء سويا ..




هكذا كانت إحدى قريباتي تحدثني عن قصتها ..
مع مكالمة مجهولة ..




وللذكرى ألم



ألم