[رجل الثلج]

[align=justify]

ظهر الخفاشُ الأسودُ ذو البشرة البيضاء في أحد الصحف ويعلو صورته البنط العريض ( الاعتزال للكتابة الانترنتيّة ) ومراجعاته الشخصيّة ....الكل بدأ ينظر للموضوع من زاويته ( هو ) ويحلل هذا اللقاء ويسبر أغواره , هجوم من هنا من بعض أصحاب الأمس ودفاع من بعض المتعاطفين من هناك , فرح المخالفون له حين كشف عن قناعاته بعد أن كشف عن اسمه تحت روايته ( انتحار حمار ) فقاموا يرمونه عن قوسٍ واحد ...

وحيث أن هذا الحدث هو حديث الشارع الانترنتي _كمايقال_ فسأحاول أن أنظر من زاويتي ( أنا ) بعيداً عن قوالب وعقليات الآخرين التي عادة مايغلب عليها القسوة لا الرحمة , لذا سأسرد جوانب برزت لي :

الجانب الأول : إن ماحصل للخفاش يؤكد على أن الإنسان مهما بلغ شأنه أو ذاع صيته بشرٌ يصيب ويخطيء وما يتعرض له هو امتحان مباديء آمن بها سابقاُ فهي الآن تحت المجهر الجمهوري الذي لايرحم , فكما أن الشيخ سلمان وسفر والعمر والقرني تعرضوا لأعنف من هذا الهجوم والسياط النقدي مع أن قدرهما لدى الجماهير أكبر , فما يحصل للأخ خفاش هو امتحان له , فالشهرة الجماهيرية عشق , والغضب الجماهيري صعب ...

الجانب الثاني : إن الجماهير حين تسلم عقلها لغيرها ليفكر عنها وتظل عقولها معطلة عن ملكة التفكير والقبول والرفض أو التخدير ( الدماغوجي ) فإنها لن تقبل لمن سلمته ذلك الجوهر ( العقل ) المُقدّس لدى الفلاسفة والمعتزلة , أن يغتال في عشيةٍ وضحاها , فهي تريد أن يستمر التخدير والخطاب الدماغوجي يسيطر على يومياتها ,فأي تراجع من ذلك المُفكر الذي رضيت الجماهير عقلاً لها هو خيانة لها لاتقبل الصفح ..

الجانب الثالث: إننا دائما ما نخلط بين العاطفة والحماس والشرع الذي لايعارضه عقل صحيح , فحين يخرج كاتب أو غيره ويلهب سياط العواطف لدينا ويشبع نهمنا بالقوة الخطابيّة التي يغيب عنها الشرع قبل العقل , فإن هذا الكتابة _قد_ تكون مشحونة ومضطربة مما يؤثر على ( سكيولوجية )الكاتب حال الكتابة فترى في خطابه الشتم والسب فنفرح ونؤيد و لانستطيع أن نعزل بين تأييدنا للفكرة ورفضنا للخطاب , لأن الفكرة قد تكون مشروعاً إسلاميّاً تنافح عن منطلق أصيل غير أن الألفاظ وهي القوالب التي نُزلت عليها تلكم الفكرة تناقض المقصد الشرعي بل الهدي النبوي الكريم ..

الجانب الرابع : التراجع في أدبياتنا الحياتيّة تُعد جريمة , وهذا التجريم لم يأت من منطلق شرعي بل من تربيّة ذاتيّة بيئة بعيدة عن الأصول الشرعيّة التي تُخبرنا عن أن ( كل ابن آدم خطاء ) ...و( ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) ...فنسبية الخطأ موجود ونسبية الصواب موجود ولم يسلم منهما سوى الوحيين , فافتراض الكمال في الآخرين أزمة تربويّة , وتجريم التراجع من الرموز أو المفكرين خطيئة تعاقب عليها العقول المتكلسة , وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابة صفحة بيضاء في تأطير هذه القضيّة وبيان أن الخطأ إن حصل فليعقبه تراجع واعتذار وهذه من سنة الله في عباده أن خلقهم على النقص يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويحتاجون للصاحبة والولد ...

الجانب الخامس : لنضع في مخليتنا أن هذا الدين ليس تجارة تكسد أو تبيد , لو اعتزل مليون كاتب أو أديب فسيقيم الله مكانهم من يسد الحاجة , لقد مات أئمة كبار كرام كالبخاري والشافعي والدرامي وابن حجر والذهبي وابن تيميّة والسيوطي وغيرهم كثير وما توقف العلم ولاكسد الدين , فماذا يضير الناس أن يتوقف فلان عن كتابة اعتقد أنها خاطئة , لندع الآخرين يراجعون أنفسهم , فهم أدري بأنفسهم , ولهم الحريّة في أن يتوقفوا أو يستمروا , فكما أن البعض بحريته مَلكه عقله , فعليه أن يتذكر أن للكاتب حرية أن يعتزل ويتراجع ويعدل ماظنه من الخطأ ...

الجانب السادس : كل مايقوله عالم أو كاتب أو مفكر هو بضاعةٌ يحملها تُعرض على الكتاب والسنة فما وافق قُبل وما خالف رُفض ولو كان القائل أبي بكرٍ الصديق , هكذا علمنا الإسلام , ليس في الإسلام كهنوتية النصارى ولا لؤم اليهود , غير أن هذا الرد يكون بما علمنا وأدبنا به الشرع ..الحجة بالحجة ..والدليل بالدليل .. ونعتذر لمن أخطأ , ونستغفر له ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) ..لانحمل في قلوبنا غلاً .. نتمنى للمفرطين الصلاح ... وننتصر للحق حيثما كان ...لانقر سياسة تكميم الأفواه ..ولانُشّرع فتح الأفواه لتلسع الآخرين بسياط الذم والنقيصة ...لندرس السيرة النبويّة بعقليّة متجرة للحق وننظر مافعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونكون سلفاً لهم تطبيقاً لاتنظيراً ...

آمل أن أكون وفقت للصواب ... وأسأل الله للأخ حسن مفتي ( الخفاش ) حياة كريمة سعيدة , وأن يدله للحق والخير حيث كان , وأن يعز هذا الدين , وأن يبارك في كل من يجاهد في سبيله صادقاً محتسباَ

![/CENTER]