بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الإنشاد .. والموسيقى ..

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 15-04-2007, 04:16 PM   #1
ارتقاء
عـضـو
 
صورة ارتقاء الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
البلد: بـريـــدهـ
المشاركات: 1,219
الإنشاد .. والموسيقى ..

ليس هذا مجال البسط في مسألة الموسيقى، فقد طرح الكثير من أهل العلم رأيهم فيها، والذي يهمني هنا ذكر بعض المفاهيم الرئيسة التي يمكن أن تشكل صورة جيدة للفن الإنشادي بما يتعلق بمسألة الموسيقى:

1- ليس كل خلاف فقهي مطروح يعني قبوله، وإسقاطه في واقع العمل. فالنظر في الأدلة، والتمحيص للأقوال مطلب صاحب الحق.

وفي موضوعنا هذا، فإن مسألة الموسيقى تعتبر من المسائل المطروحة بكل قوة في عالم الفن المعاصر.

والخلاصة الفقهية التي أراها حول مسألة النشيد والتي يمكن أن نبين مدى العلاقة بينها وبين الموسيقى إن وجد هو ما يلي:

جمهور الفقهاء على تحريم سماع الموسيقى مطلقاً، وعدد لا بأس به على الإباحة بشروط.

و أما استناد المبيحين فهو أن هذه الأحاديث المانعة إما أنها ضعيفة السند، وإما أن لها دلالات أخرى.

والذي أود قوله: أن قرابة الثمانية أحاديث في شأن الموسيقى ثابت صحيح، فالاتكاء على مستند تضعيفها لا يصح.

وأمَّا أن لها دلالات تصرفها على الوجه المباشر للتحريم، فإن بعض هذه الدلالات يمكن قبوله، وبعضها بعيد الاستدلال، أو يحتاج لإعادة نظر.

ولو افترضنا جدلاً أن هذه الدلالات يمكن اعتبارها، فإن رأي الجمهور قوي ودلالته أصرح وأوضح.

2- الفريق المبيح لسماع الموسيقى والغناء وضع ضوابط محددة، لي على بعضها تعقيب، علَّ المجال أن يتسع لها في مقال آخر -إن شاء الله -، وهذه الضوابط هي:

أ) أن لا يشغل عن واجب.
ب) أن لا يدعو إلى حرام.
ج) أن لا يخالطه الحرام.

والمتابع المنصف يجد أن فتح باب الموسيقى لابد أن يشغل عن المهمات عاجلاً أو آجلاً، والإنشاد رسالة، والمؤمن جاد في حياته، لا تسرقه الألحان عن واجبات الحياة فضلاً عن واجبات الشرع.

3- استطاع النشيد الإسلامي برونقه وشكله ومضمونه القديم والجديد أن يؤثر في شرائح كبيرة في المجتمع دون الخوض في مشكلة الموسيقى.

4- في الإيقاعات الصوتية المعاصرة غُنية عن الرعي حول الحمى!

5- ولأدب الخلاف وبيان الحق في آن واحد، أعجبتني التوصية المتعلقة بهذه المسألة في ختام المؤتمر العلمي الثاني لرابطة الفن الإسلامي العالمية، في الفقرة (4) ونصها:

(لرابطة الفن الإسلامي العالمية وأعضائها المنتسبين لها خصوصية في استخدام الوسائل التقنية المعاصرة التي ليس فيها آلات موسيقية، وترى أن فيها ما يُجِّمل ويُحرِّك الأنشودة في المجتمع. ومن رأى استخدام الآلات الموسيقية اعتماداً على فتاوى من يثق بهم من أهل العلم بعد التحري فهو خاصٌ به).

وهنا أود أن أضع عشرة خطوط تحت هذه الكلمات المهمة أهمس بها لإخواني المنشدين وخاصة المبتدئين منهم، يساعدني في التعبير عنها أخي المنشد أبو الجود:

ليس ضرورياً دائماً أن تشارك الإيقاعات فضلاً عن الموسيقى لمن رأى بها في كل الأناشيد، فقد يقرر المنشد صاحب الرسالة إدخال آلة إيقاعية واحدة أو أكثر لكلماته وألحانه المختارة، أو لربما اختار خلفية هادئة لتملئ فراغات هي من أساس لحن الأنشودة. وقد تسكت واحدة وتعمل أخرى، وأحياناً قد لا يناسب أداء الأنشودة أية آلة. ولا يدرك هذا المعنى المهم إلا المنشد الذي يعيش الكلمة واللحن والمناسبة والجمهور.

وبالتالي فإن المشكلة الآن ليست في قبول الإيقاعات من عدمها، بل المسألة الأهم لمن رأى بها، متى تستخدم الإيقاعات ومتى تترك؟ وكيفية استخدامها.

فهناك مواطن يفضل فيها عدم استخدام الإيقاعات بل حتى الدف، ومواطن أخرى يستحسن فيها استخدام الدف دون الإيقاع، وهكذا.

فالمسألة ليست إيقاع أو دف من عدمه.

وهذا يجعلنا نتحدث في مسألتين مهمتين وخطيرتين ألا وهما:

الإسراف في المباحات والخروج عن المألوفات:
فالإيقاعات والدف غاية القول فيها الإباحة، وخروجها عن هذا الإطار خلل في الفهم.

والمباحات لا ينبغي الإسراف فيها أبداً، لأنها قد تؤدي على السآمة وقد تؤدي إلى القسوة، مثلها مثل بقية المباحات.

والمسألة الثانية هي: الخروج عن المألوفات.
فلو أن مهندساً معمارياً أو جوياً ذهب إلى عمله بلباس الرياضة لاستنكر كل الناس فعله.

ليس لأن لبس الرياضة غير مباح، بل لأنه غير مألوف، ويعطي انطباعاً سيئاً عند الناس، ولو كان الأمر شكلياً.

والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بأن يحسنوا رحالهم حتى يكونوا كأنهم شامة بين الناس، وذلك لأن للمظهر العام رونقه وتأثيره.

وبالتالي فإن إقحام الدف والإيقاعات المجلجلة في كل حفل ولجميع طبقات الناس أمر مخل، وقد تكون آثاره غير مرضية، لأن العامة لا يفهمون أو لا يصدقون هذه الإيقاعات التي ربما يُسيء استخدامها البعض فتكون أشبه بالموسيقى. أو أحياناً هي الموسيقى بعينها.

تطاول الناشئة:

إنه ليحزنك ثم يحزنك تطاول بعض الناشئة -هداهم الله- المقتاتين على الفن الإسلامي الأصيل، الذين صكوا الآذان بالإيقاعات الصاخبة، التي لم تسمع معها أي كلمات، أو ألحان شجية فضلاً عن معرفة صوت المنشد جمالاً أو هذياناً!

وهؤلاء الناشئة وللأسف لم يدرسوا أصلاً على يد كبار المنشدين أصحاب الرسالة، ولم يتعلموا غاية النشيد، إنما نشـأوا في عصر الإيقاعات فصاروا هم كالإيقاعات لا تستطيع ضبط كلماتهم أو ألحانهم أو أصواتهم!!

وهذا لا يعني أكثر المنشدين الجادين المعروفين اليوم، إنما هو صورة مشاهدة ينبغي ترشيدها، وحسن توجيهها.

كما ينبغي على أساتذة وأرباب النشيد الإسلامي الأصيل في كل مكان في العالم، وهم موجودون -بحمد الله-، أن يتنادوا كل عام على أقل تقدير، وبحضور الناشئة خصوصاً، للتناصح والتذكير والتوجيه والتشجيع والتسديد والتقويم.

والتأكيد على الشباب الجدد المقبلين على المشاركة في إصدار الأشرطة أو الفرق الإنشادية أن لا يستعجلوا في مثل هذه الأمور، وأن لا يستسهلوها فالأمر جد صعب ومخيف، وأن يقبلوا على الموجه والمرشد والمجرب الحكيم.

راجياً من الله تعالى للجميع التوفيق والسداد، لرفع راية الحق، ونشر الصورة المشرقة الرائعة الصحيحة للإسلام.


المبحث الثالث: تحوّل بعض المنشدين إلى مغنيين:


يدعو الإسلام دائماً أن يتحرى المسلم الحقيقة، وأن يبحث عن الدليل، وينصت ويناقش أهل العلم الموثوقين، لكنه يمانع التقليد الأعمى، وتتبع ما تمليه النفس والأهواء.

فإن بعضاً من المنشدين - هداهم الله - لا يستند لأفعاله بحجة شرعية إلا أن فلاناً أو آخر أباح ما يقوم به، ولو ناقشته وحاججته بالدليل لسكت وما أجاب، واكتفى بتلقيه الفتوى من غيره، أياً كان هذا الغير!
وهنا يكمن الخطر، فنحن لا نحصر الرأي الفقهي، ولا نقول أنه لا خلاف في بعض المسائل، إلا أن الواقع الذي نعرفه يتجاوز الحد، والفتيا ينبغي أن تُبنى مع الدليل على معرفة الواقع والنظر للمآلات.

فقد بدأ بعض المنشدين - هداهم الله - بعد تلقي فتوى سماع الموسيقى، إلى دخول صالات العرض السينمائي المختلط، ومشاهدة قنوات الطرب، بحجة سماع الأنغام والألحان، وتتبع أين "الأكشن"؟!، وثمَّ حلقوا لحاهم وأطالوا ثيابهم، وأتوك بعدئذ ليقولوا: نحن صرنا مغنيين لا منشدين، ولكننا مغنيين أصحاب رسالة!

وهذا الذي نسمع عنه ونراه تَحوّلٌ في الرسالة الفنية والشخصية الإسلامية، وليس هو مجرد تبادل أدوار.

فدين الإسلام دين شامل، ولأتباعه خصوصيتهم وسمتهم.

ولا يعني بالضرورة أن وجود منشد ذي ثوب طويل، ومن غير لحية أن شخصيته غير إسلامية، أعوذ بالله من ذلك. إذ إني أُقدِّر ظروف البيئات، ومواقع الحاجة والضرورة المأذون بها شرعاً.

ولكني أقصد تلك الخطوة غير المحمودة، التي تخرج الفن الإنشادي عن دوره، إذ إني لا أتخيل الجمهور الإسلامي سيقبل من المنشدين بيانو وقيثار وعود على خشبة المسرح، أما غيرهم فنعم، فلو كانوا مغنيين لكان هذا لهم وأمرهم إلى الله بما سيعرضونه.

وإنني أنصح هؤلاء الإخوة - وهم قلة - أن يعيدوا النظر في هذا الأمر، ويتعرفوا على حقيقة جمهورهم، وينتبهوا لمداخل الشيطان عليهم، سائلاً الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.



المبحث الرابع: الاستفادة من المغنيين والملحنين:


الإسلام يسع الجميع ممن أقر بالأركان الخمسة، ومع ذلك فإنه يدعو لنشدان الكمالات -قدر المستطاع - في الواجبات والمستحبات، في الظاهر والباطن.

وفي دعوة الإسلام الرفق والتسامح والأمر بالمعروف، وفيها كذلك النهي عن المنكر وهجران المبتدع والفاسق في أحوال.

فعند بعض المغنيين (المطربين) خير كثير في فعل المعروف، وعندهم علم متميز في أصول المهنة الغنائية، ومثلهم الملحنون.

فالاستفادة منهم، والسماع لتجاربهم الحياتية لا حرج فيه، بشرط أن يكون الأمر متعلقاً بما هو مفيد، ضمن الأطر الشرعية، في السماع أو التطبيق.

ومما ينبغي التنبه له عدم فتح الباب على مصراعيه لهذا الأمر، لأن للنشيد الإسلامي رونقه وذوقه الخاص، الذي قد يصعب على بعض ملحني الغناء فهمه وتطبيقه!. فلماذا يتم النزول إليهم ونحن أصحاب الصنعة الإنشادية؟!



المبحث الخامس: الرقص المصاحب للإنشاد للرجال:

يتخوف البعض من ذكر لفظة "الرقص"؛ وذلك للأثر السلبي الذي أفرزته القنوات الفضائية الهابطة. وإن كان لفظ الرقص ورد ذكره في موضع الإباحة في حديث الرسول الكريم \.

فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبيه، لأنظر إلى زَفْنِ الحبشة، حتى كنت التي مللت فانصرفت عنهم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أُرْسلت بحنفية سمحة". [رواه أحمد (6/116) بسند حسن].

قال الزمخشري: "الزَفْن: الرقص وأصله الدفع الشديد والركل بالأرجل". [الفائق في غريب الحديث (2/112)]

كما ثبت أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حَجَل في محضر النبي صلى الله عليه وسلم في مقام فرح وسرور. [أخرجه أحمد برقم: (857) وهو حديث حسن].

والحَجَلُ: أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح ، وقد يكون بالرجلين إلا أنه قفز.[النهاية في غريب الحديث(1/899)].

والشاهد:
أن اعتبار اللعب المباح في الوقت المناسب هو من سماحة الدين الإسلامي، وإظهاره مما دعت إليه الشريعة ليعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة، بل لأثره في توازن النفس البشرية، ولتعميق مفهوم العبادة بصورتها الصحيحة، ليعلم المسلمون كذلك أن في دينهم فسحة حتى في أوقات أداء أركان الإسلام، وأنه لا حرج عليهم في إظهار ما يسرهم ويفرحهم.

فعن عائشة رضي الله عنها: "أن أبا بكر دخل عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، يوم فطرٍ أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بُعاث، فقال أبو بكر رضي الله عنه : مزمار الشيطان؟ مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم". [رواه البخاري برقم: 3716]. وفي رواية أحمد: تضربان بدفين، فنهرهما أبو بكر. [رواه أحمد (6/134) بسند صحيح].

وحال كلمة الرقص ككلمة الغناء، التي صارت رمزاً اليوم لما هو مبتذل وموجّه للعاطفة الجامحة، والخلوات المريبة، وإن كان أصلها شرعياً، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله: "أرسلتم معها من يغني". [رواه ابن ماجه برقم: (1900) وهو حديث حسن بشواهده]. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بُعاث - وهو يوم قُتل فيه صناديد الأوس والخزرج في الجاهلية -". [رواه أحمد (6/134) بسند صحيح].

إلا أن المهم هنا، هو معرفة دلالة الألفاظ كما يقول الأصوليون.

أما عن مسألة الرقص:
فقد بينا ورود اللفظ الموحي للمعنى. ولا بد أن نوضح أن رقص الرجال المقصود به هنا هو حركة البدن باللعب، مع حمل شيء أو من غيره، وفي وقت يناسب الحال، وبالضوابط التالية:

1) أن يكون الرقص والذي هو حركة البدن مؤدى بطريقة مقبولة عرفاً كبعض ما يجري في أهازيج القبائل والأرياف، أو الرقص البطولي بالحِراب والسيوف.

2) وبطريقة غير مهيجة، أو مستنكرة.

3) وليس فيها تقليد للفاتنين اللاهين، أو الفاسقين والكافرين.

4) وبلباس محتشم، لا إثارة فيه، ولا تنكشف معه عورة.

5) وأن تكون بكلام محمود.

6) وفي وقت محدود ومناسب.

فإن خرجت عن هذه الأطر مُنعت، وصارت من الميوعة وقلة المروءة، وفساد الطبع والهوية، والانحراف عن هدى الله.


المبحث السادس: وقت سماع الأناشيد:

مسألة السماع تعود ابتداءً إلى حاجة فطرية نفسية، وهذا أمر مهم في التصور. وهذا يعني تعلقها بحالة
النفس البشرية السوية المتزنة وما تمرّ به من ظروف.

فقد يتعرض الإنسان لمحن مختلفة كالغربة والتضييق، فيستمع في ساعة أو اثنتين إلى أناشيد عن الحنين والغربة، فتتجاوب نفسه معها مباشرة، وتلتقط أذنه تلك العبارات، وخاصة إن كانت بالمقامات الأصيلة المناسبة.

فسماعه هذا الوقت ليس غفلة أو ضياعاً للوقت، بل هو تجاوب إنساني فطري محمود مع متطلبات النفس البشرية، المخلوقة في كبد!

حتى إن حالات سماع النبي صلى الله عليه وسلم للشعر متفاوتة، فقد سمع في مجلس لعشرات الأبيات الشعرية، وفي آخر إلى مئة، حتى كان يقول لبعضهم: هِيْه! - أي: زدني -. [أخرجه أحمد في المسند (4/390) بسند صحيح على شرط مسلم].

وقد ورد عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم تغنيهم بالغناء المباح في أوقات مختلفة، ومن ذلك:

عن وهب بن كيسان، قال: قال عبدالله بن الزبير، وكان متكئاً: تَغنَّى بلال، قال: فقال له رجل: تُغني؟ فاستوى جالساً، ثم قال: وأيُّ رجلٍ من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النَّصْبَ؟ - والنصب كلمات ملحنة كالأهازيج الشعبية -. وفي لفظ: ما أعلم رجلاً من المهاجرين إلا قد سمعته يترنم. [أخرجه البيهقي (10/225) بسند صحيح].

وروى عبدالرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب في الحج الأكبر، حتى إذا كنا بالروحاء، كلَّم القوم ربَاحَ بن المُغْتَرِف، وكانَ حسنَ الصوت بغناء العرب، فقالوا: أسمعنا يا رباح، وقصِّر عنا المسير، قال: إني أَفْرَقُ من عمر، فكلم القوم عمر، فقالوا: إنا كلمنا رابحاً يُسمعنا ويُقصِّر عنا المسير، فأبى إلا أن تأذن له، فقال: يا رباح، أسمعهم، وقصِّر عنهم المسير، فإذا أسْحَرْتَ فأرفع. قال: وحدا لهم من شعر ضِرار بن الخطاب، فرفع عقيرته يتغنى وهم محرمون. [ذكره ابن حجر في الإصابة (3/250) وهو أثر حسن].

و(رفع عقيرته) تقولها العرب لمن رفع بالغناء صوته.

وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب، قال: سمع عمر رجلاً يتغنى بفلاة من الأرض (وفي رواية: وهو يحدوا بغناء الركبان)، فقال: الغناء من زاد الراكب. [أخرجه البيهقي (10/68) بسند حسن].

وعن محمد بن عبدالله بن نوفل: أنه رأى أسامة بن زيد في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مضطجعاً، رافعاً إحدى رجليه على الأخرى، يتغنى النَصْبَ. [أخرجه ابن عبدالبر في التمهيد (22/224) بإسناد صحيح].

فالأصل في سماع الأناشيد أنه ليس لها وقت بداية معينة، أو نهاية محدودة؛ لأن الأمر يعود إلى رغبة المستمع للسماع، وما تمليه عليه نفسه السويّة وما تسمح به أوقاته بعد أداء واجباته التي فرضها الله من صلوات وقيام بحقوق عمله وبيته وغير ذلك. فلا حرج حينئذ أن يسمع للنشيد يومياً ولو ساعة من أربع وعشرين ساعة.

وثمة أمر آخر وهو أن السماع من النفس السوية لا يتجاوز حدّه، وخاصة للشباب الذين رتبوا أوقاتهم ما بين دراسة ومذاكرة وحضور حلقة قرآنية في مسجد إلى بعض اللهو والمتعة المباحة.

وأعجب من بعض الفضلاء، الذين يستكثرون على بعض الشباب سماعهم للنشيد يومياً لمدة ساعة في زمن الفتن والإغراءات واللهو المفتوح، وقد أدّوا ما عليهم من صلوات مفروضة، ونوافل عبادية، وسنن مهجورة، كالرباط في المسجد بين المغرب والعشاء.

وهؤلاء الفضلاء يتمتعون مع أهليهم وزوجاتهم ساعات وساعات!!

إنه ما كان الرفق والتوازن إلا كان البناء سليماً، ولا فُقد أحدهما إلا كان الانحياز للنقيض، والانحدار نحو الهاوية!

وفي الوقت نفسه، فإن فتح باب السماع للأناشيد بشكل مفرط ساعات وساعات يومياً، مع غفلة عن العبادات، وكثرة السؤال عن حال المنشدين في كل البلدان، مع تتبع لها بشكل ملحوظ يعتبر مأخذاً سيئاً،
وخروجاً عن هدف النشيد من الإمتاع والتأمل، وشحذ الهمم نحو الغايات والقيم السامية النبيلة.

وثمة فرق بين من يحترف الإنشاد كمهنة مباحة قد تأخذ وقتاً من يومه كبقية المهن المباحة مع أداءِ الواجبات، والتنبه لما قد يطرأ على القلب من تغيرّ، وبين الاستماع الطويل للنشيد وفي كل الأوقات من غيرهم، وهؤلاء نذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعراً". [رواه البخاري (5/2279)].

والمراد بـ: (جوف) القلب. (قيحا) هو الصديد الذي يسيل من الدمل والجرح أو هو الأبيض الخاثر الذي لا يخالطه دم. (يمتلئ شعرا) هو كناية عن انشغاله بقول الشعر المباح وروايته وإنشاده بحيث لا يتفرغ لسواه.

ويأتي دور المربي والقدوة هنا: ليربي النشء على مسألة التوازن في ما تمليه النفس من مطالب.

ولعمرو الله إن دور المربي القدوة في هذا الزمان لهو قطب الرحى في تحقيق توازن الناشئة في كل أمور
حياتهم.

فلا الإغلاق والتعنّت وتجاهل وضع الشباب في هذا الزمان حل صحيح، ولا الانفلات وترك الباب مفتوحاً لساعات طويلة في الرحلات والسيارات والحفلات والجلسات حل صحيح.

وهنا نخلص إلى أن غاية سماع النشيد يعود لأمرين:

أحدهما: السماع للإمتاع المباح.

ثانيهما: شحذ النفس نحو القيم والغايات السامية النبيلة. فليس شرطاً أن لا يستمع المرء إلا لأنشودة بطولية أو اجتماعية، بل يمكن أن يستمع لأنشودة عن الطير والبحر والنخل، لعذوبة كلماتها، وجمال صوت مؤديها.

وسماع الصوت الحسن مذهب نبوي أصيل، كما في اختيار بلال للأذان؛ لأنه أندى صوتاً من غيره، وفي سماعه القرآن من أبي موسى الأشعري؛ لأنه أوتي مزماراً من مزامير آل داود.

ولذا علينا أن ندرك أن أذواق السماع تختلف،ولكن الخروج عن أركان الإنشاد من الكلمات والألحان والأصوات المتناسقة لا يختلف عليه إنسان سوي!



المبحث السابع: مراعاة حال السامعين:

سماع النشيد كأمر مباح هو كأنواع الطعام.
فكما أن لكل إنسانٍ اختياره وذوقه فيما يحب من طعام، فكذلك لكلِّ إنسان اختياره وذوقه فيما يحب من سماع.

فإذا كانت ألوان النشيد مختلفة، فإن لكل إنسان وجيل ما يحبه ويجد فيه سلوته وتحفيزه.

فللنشيد القديم جمهوره، وللنشيد المعاصر جمهوره كذلك، مادام أنه مؤدّى بشكله الصحيح.

ومما ينبغي مراعاته أثناء السماع حال المستمعين في قناعاتهم الشرعية المختلفة. فهناك من يرى سماع الدف، وآخرون لا يرون ذلك، والأمر يتعلق كذلك بالإيقاعات وأمثالها.

كما أن هناك من لا يرغب سماع النشيد بالدف والإيقاع لا لحرمته الشرعية، بل لأنه يذكّره بالأغاني القديمة، ويهيّجه نحو ما لا يرغب ولا يحب.

وهنا نضع قاعدة أصلية مهمة:

في الاجتماع يحسن الاتفاق، وفي الوحدة يحسن الاختيار.

فإذا اجتمع قوم في مجلس ما، أو حفل عرس، أو رحلة، وفيهم ولو 1% لا يحب السماع لأناشيد الدف مثلاً، وفي بيئة ليس فيها هذا اللون من الإنشاد فلا ينبغي فرضه على المجموعة الملتقية أو على بعض الأفراد مطلقاً. وأما إن وافق الجميع على السماع فلا حرج حينئذ.

وفي خاصة الإنسان مع نفسه، أو مع رفقة معينة، يحسن لهم أن يختاروا اللون الذي يريدونه دونما حرج.

وبهذا الأسلوب نحترم آراء الناس واختياراتهم الذوقية، في المجامع والمحافل العامة، التي يشاركون فيها.

ويعجبني الإعلان المبكر لبعض الحفلات أو الملتقيات أو الإصدارات عن نوعية ولون الأناشيد المعروضة، وما كان فيها بالإيقاع أو الدف أو غيره. فيكون للمستمع حرية الاختيار، وللإدارة أو الفرقة القائمة بالعمل حرية العرض لمن شاء.


المبحث الثامن: تعلّم المقامات:



كل إنسان ينطق بلحن كالترتيل أو الترنم فله مقام معين يؤدي به.

فالمقامات المشهورة هي علم يدرس طبقة الأصوات، وما يناسبها في فن الإنشاد.

فلكل مقام صفات معينة، وله ما يناسبه من حال.

فمقام "الصَبَا، مثلاً يناسب الأناشيد الهادئة؛ لأنه مقام يضرب على وتر الحزن والمشاعر، وبالتالي فإن أداء الأنشودة التي تحمل طابع الحنان والوداد يناسبها مثل هذا المقام، وهكذا.

وهذا العلم علم جميل لو وجّه أربابه توجيهاً حسناً.

وتعلّمه أمر جيد وخاصة لأصحاب الأصوات الجميلة، سواء أكانوا منشدين أو حتى قرّاء لكتاب الله.
فليس هذا علم موسيقي، ولا بدعة شرعية، وإلا لكان أصل كلام الإنسان وقراءته بدعة!!


المبحث التاسع: نشيد النساء:



يتبع المسلم شرع الله بما ثبت في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه، ويتنبه بشكل خاص للقضايا التي يراد منها إشغال الناس عن الطاعة وإيقاعهم في الفتنة، كما في قضية المرأة، فلا فتح باب الرذيلة مقبول، ولا سدُّ باب الخير لتأدية دورها بالصورة الشرعية مقبول، وفيما يلي مجمل المسائل المتعلقة بنشيد النساء وما يلحق به:

أ ) نشيد النساء للنساء:
وهذا أمر مباح، لما ثبت في عدة أحاديث من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ومنها أمره لعائشة بالمشاركة في عرس الأنصاريات، وغيرهن مما بيناه في بداية الفصل الفقهي.

وهنا يجدر التنويه على إعداد بعض المسلمات الفضليات الموهوبات بحسن الصوت، والمحتاجات للمهنة، والواعيات لقيمة الكلمة الطيبة ودورها في حياة الناس، إلى تكوين المجموعات الإنشادية الهادفة، ولا مانع أن تكون مهنة، في حفلات النساء كالزواج والأعياد ومناسبات التخرج، والقضايا المهمة.

فإن بعض المناسبات الشرعية من الهدي النبوي إحياؤها بالإنشاد الحسن الجميل. ونحن في زمن يجب حفظ المجتمع فيه من مخاطر الانفلات الأخلاقي عبر الأغاني السيئة، والبرامج الفنية الهابطة.

وقد يستغرب البعض من تحرك فتيات صالحات لإيجاد البديل في أعراس المسلمين، ولا يستغرب من عملهن في مؤسسات أو عامة أو خاصة!
وخاصة إذا تنبه إلى أن حرفة الغناء المباح كانت معروفة عند بعض النساء في الزمن النبوي. كما في الحديثين الصحيحين السابقين: "وعندها قينتان تغنيان" و" هذه قينة - أي مغنية - فلان تحبين أن تغنيكِ؟"


ومن باب الإحكام لعمل المرأة في الفرقة الإنشادية لأخواتها المسلمات في حفلات الأعراس وأمثالها، فإنني أضع هذه الضوابط:

1- أن يكون عمل المرأة المنشدة مقتصراً على النساء فقط.

2- أن يتم التركيز على الحفلات والمناسبات الثابتة المعروفة كحفلات الزواج والأعياد، أو قضايا الأمة الكبيرة، وفي أوقات محدودة.

3- المحافظة على الكلام العفيف، واللحن الجميل المناسب لأذواق وأعراف المجتمع.

4- الاحتشام في اللباس، والأداء.

5- التفنن المناسب للصوت، والأداء المراعي لحال النساء، ونوعية المناسبة.

6- الانضباط في الوقت.

7- التنقل في الذهاب والإياب بالصورة الشرعية.

8- التحرز من التصوير والتسجيل الصوتي المؤدي للانفلات والعواقب السيئة.

9- مراعاة أدب الاستئذان ممن هي تحت ولايته.

10- التوازن بين متطلبات الحياة المختلفة، وحقوقها المتنوعة.

ب ) نشيد النساء للرجال:
وأما عن نشيد المرأة في حضرة الرجال فهو محظور شرعاً، لاعتبارات عدة:

1- أن صوت المرأة المنشدة ليس كصوتها الاعتيادي، وما ينتج عنه من تحسين وتغنّج لا يباح للرجال الأجانب.

2- ما تمليه الأنشودة من تفاعل وتحرك، لا يجوز للرجال النظر والتمعّن فيه.

3- إخراج المرأة عن مكانها الصحيح، والعبث بدورها ورسالتها الرائعة السوية.

وإنشاد المرأة للرجال يشمل أداءها للأنشودة مفرداً أو ضمن مجموعة "كورال".


ج ) سماع النساء صوت الرجال:
ولطالما أن المبحث في نشيد المرأة، رأيت وضع هذه المسألة في هذا الموضع.

فإن المتفق عليه ورود بعض الأحاديث في سماع النساء أصوات الرجال، ومن ذلك:
سماع بعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن صوت أنجشة الجميل، حتى قال له : "رفقاً بالقوارير يا أنجشة" [رواه مسلم (4/1811)].

وهنا نكرر مرة أخرى قضية التوازن، وضبط المسائل، وترشيد المسيرة الفنية بالصورة الصحيحة.

لذا أود التنويه إلى ضوابط ينبغي مراعاتها في مسألة سماع المرأة لنشيد الرجل، سواء ما كان منه في الأشرطة، أو في الحفلات الإنشادية:

1- استشعار طبيعة المرأة الأنثوية التي تحافظ على حيائها، فلا تنشغل بمتابعات المنشدين وكلماتهم وصورهم وأرقامهم.

2- الانهماك في البرامج النسائية المفيدة لها ولمجتمعها بشكل أكبر، حتى لا تقع في مشكلة الفراغ والهوى العاطفي.

3- عدم التركيز على صورة المنشد بشكل واضح أثناء النقل التلفزيوني عبر الشاشات للنساء في الحفلات الإنشادية. . . أكتب تعليقكـ
ارتقاء غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 08:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)