|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
22-04-2007, 09:12 AM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
|
وبعد سنوات الفراق ، لازلت أردد : رحمك الله ياعمَّاه ... !
[align=justify]لم يغمض لي هذه الليلة جفن ؛ ولم يرتح لي هذا اليوم بال ، عبرة في العين تكاد تخرج ، وشوق عجيب أجده في نفسي لعمِّي الراحل منذ قرابة العشر سنوات ، هذا الرجل الذي أحبه حبًّا كبيرا جدًّا ؛ لاأخفي - يشهد الله - أني أحبه أكثر من والدي وأخوتي ؛ وكل من خفق قلبي حبا له في هذا الزمن ، شمعة في حياتي انطفأت أمام عيني ، وسراج كان يضيء لي شيئا ليس بالهين من طريق السعادة قد خبا على مرأى ناظري .
رحمه الله تعالى ... ! لي ذكريات جميلة لاتنسى مع هذا الانسان ؛ كيف لاأنسى تلك الرحلات التي يأخذني فيها معه ؛ عاش شريفا يعيش وأهله من عمل يده ؛ كان يعمل سائقا لـ ( تريلة ) أو شاحنة الحمولة ؛ متعهدًا لجلب الأعلاف من شعير ونحوه من المنطقة الشرقية إلى منطقتنا ؛ فطلبت منه أن أرافقه ، لكنه رفض خشية علي من قسوة السفر ، ومع الإصرار والبكاء والإزعاج وواسطات الوالد والوالدة والجدة والجد ... والعائلة الكريمة ؛ وافق - رحمه الله تعالى وطيب ثراه - على أخذي معه ، وبدأت معه رحلات جميلة ؛ صارت اليوم ذكريات يحتويها قلب يخفق شوقا لمرأى هذا الرجل ، وحنين يحز في الفؤاد . كان طوال الطريق يجعلني على السرير العلوي خلف السائق ، وقبل أن ننطلق ؛ يذهب إلى الجمعية ويشتري مالذ وطاب من الحلويات والفشار ومجلات الأطفال وكل مايسلي طفلا في مثل سني ( كنت في أوائل المرحلة الابتدائية ) ، ثم ننطلق في رحلتنا من منطقتنا إلى المنطقة الشرقية ؛ كان - رحمه الله - يؤنسني بحديثه وكلامه وطرافته ؛ وكنا نستمع إلى الراد ( الراديو ) ونستأنس بجميل البرامج الإذاعية ؛ فلا ملل في الطريق ، وحين نصل إلى الدمام ؛ يذهب بالشاحنة إلى المصنع لكي يتم التحميل عليها ، ونذهب نتجول بالأجرة في المدينة ، من البحر إلى الأماكن الترفيهية إلى أرقى المطاعم البحرية وأطيبها ، إلى مقابلة من نعرفهم من أقارب ... سقى الله تلك الأيام الجميلة . وهكذا في جميع الرحلات التي آخيته فيها ، كان نعم الأنيس - رحمه الله تعالى - . مشاهد أخرى تعرض أمامي ، أرى فيها طفلا يتجه إلى منزله شاحب الوجه ، مرتعد الفرائص ، غمره خوف عظيم ، قد علق شنطة المدرسة على ظهره ، ويحمل في يده المتراخية من الخوف تقرير المدرسة الابتدائية الشهري ؛ وفيها مايخفض الرأس ، ويحل المصيبة على رأس والده ووالدته ، وفيه مايجعل أيدي الوالد والوالدة تنهال عليه بالضرب الشديد ، ولماذا لاتضربه ؛ وقد نال علامة الممتاز الكاملة إلا في مادة واحدة قد نال فيها 14 من 15 !! يالها من مصيبة ؛ فلا يجد الطفل إلا أخته لتذهب بالتقرير إلى الوالدين ، أما هو فيتجه إلى المخزن في الدور الثاني من البيت ويختبئ بين الخزائن والتحف والفرش القديمة ؛ وقد بلغ منه الخوف والقلق والرعب مبلغا عظيما ، ليفاجأ بعد وقت طويل بصوت رقيق يناديه باحثا عنه ، وليزيده اطمئنانا فإنه يعده بألا يلمسه أحد نهائيا ؛ فيقفز الطفل من مكانه متجها بسرعة إلى مصدر ذلك الصوت ؛ فإذا عمُّه الحبيب الرقيق يضمه إليه ويرفعه ؛ ولايني يخفف عنه الرعب الذي أصابه ، ويدفع عنه الخوف ، ويذهب به إلى أمه التي تشتعل غضبا ، وإلى والده الذي يكظم غيظه ؛ ويأخذ منهما الوعود الإلزامية بألا يصيب حبيبه الثائر الصغير أي مكروه ؛ فيذهب الخوف ، ويطمئن الطفل ..... حرم الله النار على ذلك الوجه الصبوح . عاش عصاميا يأكل من تعب يده ، لم يركب السيارات الفارهة ، ولم يسكن القصور ؛ بل وحتى لم يمتلك بيتا ؛ ومع قلة ذات اليد إلا - وأشهد الله على هذا - أنني لرهبتي من أبي لم أكن أطلبه ، فكنت أذهب إلى عمي ، فيدخل يده في جيب الصدر ويقدم لي مافيه ؛ عشرة ريالات ، خمسين ريال ، مائة ... لم يكن يهتم أبدًا ، وكم عاتبه والدي على هذا فلم يكن يهتم ولايبالي ، كانت سيارته ( galant ) غمارة واحدة ، قديمة جدا وبالكاد تمشي ... ، لاأنسى ذلك الموقف الذي حصل معي قبل أشهر وأثر فيَّ بشكل كبير ؛ حيث كنت أمشي بسيارتي المرسيدس في مدينتي وقت الظهيرة ، فتوقفت فجأة ، وحاولت جهدي لأشغل المحرك ففشلت ، وكان الجو حارًّا جدًّا ؛ فنزلت من السيارة وركلتها برجلي ، ثم اتكأت عليها ، وحانت مني التفاتة سريعة نحو مبنى قريب لازال قيد الانشاء ؛ فلمحت سيارة عرفتها بسرعة فاتجهت إليها ؛ فإذا هي سيارة عمي - رحمة الله عليه - ، وقد مر على وفاته تسعة سنوات ، وإذا السيارة عليها شعار احدى المؤسسات ..... إنها هي ؛ سحبت نفسي إلى سيارتي وركبتها ، وأخذت أنتفض بلاوعي من البكاء الشديد ، رحم الله ذلك الوجه وحرمه على النار . كان دائمًا مايأخذ جدي ( في التسعينات من عمره ) وجدتي أيضا ويتجول بهما في البر من الصباح حتى الليل ؛ أذكر رجوعهم إلى البيت في وقت متأخر وقد انشرحت صدورهما ، قبل مدة كنت جالسًا عند جدي - أطال الله عمره بصحة وعافية وطاعة - فتنهد عميقا وذكر أن عمي - رحمه الله تعالى - دخل عليه يومًا في احدى أيام رمضان ، واقترح عليه بأن يفطرا في البر ؛ فوافق جدي ، يقول : فأخذنا فطورا ( دَسِمًا ) وخرجنا للبر وأفطرنا ثم صلينا . دمعت عين جدي حين حديثه وأخذ يردد : الله يرحمه ... الله يرحمه . ليتني قريب من الصور التي يمتلئ بها منزلنا ، لكنت نشرت بعضها ، صور كثيرة تجمعني به رحمه الله تعالى ، طلبت من والدتي يومًا أن أشاهد الصور التي تجمعنا به طيب الله ثراه ، فأتت بها ، وأثناء انتقالي بين الصور ؛ كانت أمي تستظل معي تحت الذكريات التي تنبع من هذه الصور ، كانت تنتقل بينها وتدعو لعمي بالجنة ، ثم دمعت عينها ، وقالت : الله يشهد إنه كان يحبك أكثر من أولاده ، وأنه كان يقدمك عليهم حبا وعناية واهتمامًا ورحمة . قلت في نفسي ولازلت أقول : وأنا - والله يشهد - لازال حبي له راسخا في قلبي رسوخ الجبال ، ولساني لازال يدعو له في السجود وفي كل أوقات الإجابة ، وليس في هذا رياء ؛ بل هو الحق والفخر .... والحب . قبل وفاته بليلة واحدة ، أخبرته زوجته بأن أحد أجهزة تسخين المياه قد تعطلت ؛ وأنه يلزم أن يصلحها في الغد ، تقول : فابتسم وقال ( بالعامية ) : ماتدرين ياأم فلان لو مانلحق على بُكرا ... ! في الأربعين من عمره ، وفي ظهيرة آخر اثنين من شهر شعبان لعام 1419 هـ كان يوم الوداع ، وآه والله من يوم الوداع ، إن كان من سبب يجعلني أتمنى أن أكون شاعرًا ؛ فلأرثي هذا الرجل النقي الخلوق المتدين . وهكذا .. تجد لكل واحدٍ منا شخص يحبه حبا كبيرًا ؛ لما رأى وعايش من ذلك الشخص من محبة وتقدير واحترام ، فكان عاقبة الأمر محبة جميلة علقت في قلوبنا ، وفتح لأبواب الأمل الثلاث التي يدخل الخير عبرها إلى صحيفة أعمال الميت ؛ العلم النافع والصدقة الجارية والدعاء له ، وتأثيرٌ ينعكس على شخصيتك ، بالنسبة إلي فقد انعكست تصرفات عمي معي ؛ فأجد من نفسي الحب الشديد لأبناء الأخ وأبناء الأخت ؛ لي ابنة أخت أجد في قلبي حبا كبيرًا لها ، وأستمع في لغة عينها حين تعلق بصرها نحوي نفس الحديث الذي كنت أجده في نفسي حين أعلق بصري نحو عمي رحمة الله عليه . أسأل الله العظيم بمنه وكرمه أن يغفر لعمِّي ، وأن يجعل له مالعباده المؤمنين في القبر ويوم الحشر ، وأن يعتق رقبتي ورقبته ورقبة كل أحبابي والمسلمين جميعًا من النار ، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى . آمين وصلى الله على الحبيب وسلم .[/CENTER] |
الإشارات المرجعية |
|
|