[مقارف]

منذ عهد زرياب تلميذ أسحق الموصلي وآلة العود رفيقة درب الذين لا يشغلهم همٌّ إلا اللذة ولا شيء غيرها , جل همهم أن يضيفوا وترًا آخر لتلك الآلة كما أضاف زرياب الوتر الخامس وهو الجواب حسب السلم الموسيقي , فكلما كان الطرب والغناء متمكنًا من قلوبهم كان الاجتهاد في تنميقه وتجديده كما يفعل الفقهاء في اجتهاداتهم .

يقال : أزهد الناس بالعالم أهله , ومطربنا ممن زهد فيه كثير من الشباب , ليس لضعف الضرب على العود وهو العزف ؛ وإنما لصوته النابي الذي لا يتماشى مع عزفه , ليس له صوت عذب كما عزفه , وإن كان النقاد يقولون : ليس كل شاعر ناقد , فإنني أقول هنا : ليس كل عازف حسن الصوت , فالصوت موهبة طبيعية , والعزف موهبة مكتسبة وليس أجهل من ذلك المطرب الذي يطوِّع صوته قسرًا لكي يجاري عزفه , فيفشل , وتذهب ريحه من حيث لا يدري .


مطربنا الشهير بـ ( عزازي ) , وهو اسم الشهرة والاحتكار الطربي , كان مغمورًا بادئ ذي بدء , لا يعرفه العامة , بل الخاصة وحسب , فكان أن اتبع سنن المطربين السابقين من أمثال بشير حمد شنان , وعيسى الأحسائي وفهد بن سعيد – عفا الله عنهم - وغيرهم , اتبعهم في قول ما لا يرضاه مسلم من القول المتهتك , كان بشير يتقصد الجنس والإغواء في أغنية ( قبل أمس وسط السوق ) , و ( يا ليت سوق الذهب ) , حين يفعل الفنان ذلك ؛ فإنه كيما يشتهر , فالقاعدة تقول : خالف تُعرف , وهو معنيٌ بهذه المخالفة , والإنسان فيه غريزة الشهرة بشكل مهول ومرعب في كثير من الأحايين .


سمير مقالنا – عزازي – التفت إلى هذه المخالفة , فجاء بأغنية ( غزال يا عرب بالفايزية ) و ( السادة ) . . . , بمعنى أن الشهرة كانت تلاحقه أو هو كان يلاحقها على غرار سابقيه , فكان له ما أراد , وحفلت تسجيلات السلسال الذهبي عندنا بجلسات خاصة كما المحضارات الخاصة , ثم لم يلبث كثيرًا أن أخرج لنا ( فيديو كليب ) الأول له, كانت الأغنية في هذا الكليب تحكي عن ( صغير السن يا مدلل ) بينما الفتاة التي معه في العقد الرابع من عمرها , فلا صبية في الصورة , ولا دلال نلحظه فيها , وإنما في كلمات الأغنية , فحظنا منها كان السماع دون المشاهدة فهو لم يوفق في هذا الفيديو مع الأسف الشديد .


مطربنا دخل قفص الزوجية من امرأة من خارج بلادنا تحمل الجنسية الأردنية , فليس بمستغرب أن يقترن بزوجة من خارج البلاد , فلن يرضى ولي أمر أن يزوج ابنته فضلاً عن بناتنا , فالمطرب لا يفتأ يحمل شعارًا مغايرًا لشعار الواعظ , وإن كانا في بيع الكلام سواء , هذا مطرب , وذاك مثالي لا يستفاد من روحانياته .


أهل الطرب والغناء قلما تجدهم في وظيفة من وظائف القطاع العام أو الخاص, وقلما تجدهم في تجارة , فالطرب وظيفتهم , تجدهم منغمسين في اللذاذات الدنيوية , يلاحقون اللحن , كما يلاحقون الكلمات للأغنية الجديدة , قلوبهم مرهفة , ومشاعرهم رقيقة , وفيهم نـزق في تعاطي مالا يخفى على أحدكم , فالحياة الفنية لها طقوسها المريبة , ولها ما يقف الحليم عندها متعجبًا .


مطربنا قد يكون ضحية مجتمع أودى به إلى هذا إلى هذا الاحتراف الطربي , فلا فرق بينه وبين سائر المنحرفين , فالمجرم لم يخرج من بطن أمه مجرمًا قد طُبعت على جبينه هذه الكلمة , وإنما المجتمع يصيره مجرمًا , بدءًا من الأسرة , وانتهاءً بالبيئة المحيطة به , والله نسأل أن يرده إلى الحق .