|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
13-05-2007, 09:21 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 63
|
مهزومٌ في حدائق الملك ..!!
[frame="2 90"]
مهزومٌ في حدائق الملك ..!! فليتـَكَ تحلو والحيـاةُ مريرةٌ ... وليتكَ ترضى والأنـامُ غضابُ وليتَ الذي بيني وبينـكَ عامرٌ ... وبيني وبيـنَ العـالمين خرابُ إذا صـحّ منكَ الودُّ فالكلُّ هيّنٌ ... وكلُّ الذي فـوقَ الترابِ ترابُ أستفتح بهذه المناجاة لمن يستحقها .. له وحده عندما عصفت رياح نيسان ..!! ,,, عشرون عاماً أبحث عن ذاتي في حدائق الملك..عشرون عاماً والجلد متآلف مع العظم..عشرون عاماً وشجيرات نبتت في عيوني من دموعي.. كم عليّ أن أهدر من عمري كي استحقّ العيش في حدائق الملك دون أن تؤذيني تلك الطفيليات..؟!! كم عليّ أن أتخلى عن إنسانيتي كي لا تسحقني صقور الحدائق..؟!! كم عليّ أن أفقد من ذاكرتي كي أبني عشاً في حدائق الملك..؟!! يقولون لكي تكتب لا يكفي أن يهديك أحد دفتراً وقلماً... وأقول لتعيش لا يكفي أن تُهدى بقايا عش وتبقى أياديك معطوبة... لا تستطيع أن تكتب على عشك بقايا حرمانك.. يموت الشهداء دائماً من أجل السماء فقراء .. ويموت الخونة دائماً وأفواههم مشدودة لثدي الوطن على صفحات كتاب مفتوح .. كم علينا أن ندفع من أرواحنا لنكون شهداء في وطننا دون أن نتحسّس تراب وطن آخر.. سمع الله بكاء طفل تشبّث ذات عتمة بأسمال والده وهو يبحث في حدائق الملك عن مكان يليق أن يواري جثمان زوجته فيه، فكان الدفن بستاناً من الأنين.. حتى على الموت لا أخلو من الحسد .. لا أخلو من سياط تقتسم كسرة الخبز من يد الراحلين.. أنا الذي أحرقت شهادات العمر لأحيا ولو ساعات واقفاً تحت ظلال حدائق الملك فيغتالني الموت مخنوقاً بخرائب الذاكرة .. أتساءل الآن: أولئك الذين لم يعرفوا غير الطين سكناً... غير الطين رائحة... غير الطين لحافاً وأقدامهم تحترق فوق البترول، كم عليهم أيضاً أن يدفعوا من أعمارهم كي يجربوا المقيل في حدائق الملك..؟!! قلت يجرّبوا ولم أقل يسكنوا..كم عليهم أن يصمّوا آذانهم كي لا يسمعوا أخفاف أقدام حارسي الحدائق وهم يقطفون الزهور ليهربوها خارج الأسوار..؟!! ما كنت أجيد رقصة الطاووس في القصور حتى إذا خرجت ابتزتني العقارب ..يبدأ حزني دائماً عندما أرى تلك الوجوه التي احتمت بالصفيح من لهيب حدائق الملك.. مثلي هو تماماً يعرف أن للنصر ألف أب، وللغنى ألف طالب، بينما الهزيمة والفقر يولدان يتيمين ويموتان كذلك .. يموتان من رحم التنصل من مسؤوليات الموت الجماعي.. هكذا وُلدنا في حدائق الملك لنموت بمهنية عالية من العري.. إنه قانون الرجوع للخطيئة الأولى حينما أرادوا أن يُحمّلوا آدم المسكين جرم التبعية.. يقولون: الخطيئة الأولى وكلنا نطف تلك الخطايا في عيونهم .. سأحدثكم عن تلك الحدائق.. ولأمنحكم مزيداً من الهدوء.. هي تلك الحدائق التي خُلِقت لنا وأحرقها حاشية نيرون.. من كان الأكثر قسوة: أهو هوميروس الذي ألهب بشعره نيرون ليعزف اللحن الأخير والخيل تصهل محترقة في روما..؟ أم نيرون ذاته الذي أراد تجديد حدائقه على جماجم الفقراء..؟! هناك اختار الراحلون عن روما مقاماً يليق برحيلهم... اختاروا أن ينشدوا نشيدهم الأخير على مقام الصبا.. نامت بعدها المدينة والحدائق أكثر هدوءاً وفاز باللذة المرتزقة.. كم على العاشقين أن يبذلوا من أعمارهم ليحافظوا على فراشات تتخطفها نيران الحرس كي يحافظوا على ضوء باهت ربما يكشف المتآمرين.. لماذا أيار بالذات؟ أهو موسم الهجرة إلى الخريف عندما تتحات الأوراق عن الحدائق كما تتحات المروءة من أياديهم ..؟! زاد الفقراء فقراً وسقط التين مشوّهاً تحت شجره .. هم الذين جرّبوا كيف يقتلعون السياط من حدائق الملك ليلفوها شالات حزن جميلة على رقاب الفقراء ..يتعلمون كيف يذكّرون ضحاياهم أن الأخدود لم يُهدم بعد، وأن نيرانه لم تُخمد بعد، وأن الأيادي التي أضرمت تلك النيران كانت على قدر من الرقة وهي تسرق حرية الناس وجيوبهم، وأن الغلام مات حينما كان على قمة الجبل، وربما تأخر أجله إلى أن وضع على القرقور، وأن الملك لم يقل: بسم الله رب الغلام... إنما العفاريت هي التي أوهمت الناس .. بين حزنين ينتابني شعور عجائز نيسابور وكهول بيوت الصفيح حينما ينامون ضامين إليهم شياههم التي هي رأس مالهم قبل أن يخطفها الذئب وهماً وكذباً كما خطف ذئبهم الأول يوسف عليه السلام. أبا متعب متى تجرّد من تخصّروا بعباءاتهم السوداء حتى خنقوا الناس بها راقصين على بقايا وطننا ورفاتنا... إن كان لنا مقابر يعرفونها فقد كتبوا فوق الأضرحة آخر صفقات الخيانة..وكتبوا لنا الفقر في حدائقك.. متى نشعر بظلها دون أن يتلفها بعض الحرس.. أبا متعب.. " نلتقي بعد قليل بعد عامٍ بعد عامين وجيل..." ,,,, "سنمضى إلى وطن الطّير سربًا من البشر السّابقين نطلّ على أرضنا من حصى أرضنا، من ثقوب الغيوم نطلّ على أرضنا، من كلام النّجوم... نطلّ على أرضنا من هواء البحيرات، من زغب الذّرة الهشّ، من زهرة القبر، من ورق الحور، من كلّ شيء يحاصركم، أيّها البيض، موتى يموتون، موتى يعيشون، موتى يعودون، موتى يبوحون بالسّرّ، فلتمهلوا الأرض حتى تقول الحقيقة، كلّ الحقيقة، عنكم وعنّا... وعنّا وعنكم! هنالك موتى ينامون في غرفٍ سوف تبنونها هنالك موتى يزورون ماضيهم في المكان الّذي تهدمون هنالك موتى يمرّون فوق الجسور الّتي سوف تبنونها هنالك موتى يضيئون ليل الفراشات، موتى يجيئون فجرًا لكي يشربوا شايهم معكم، هادئين كما تركتهم بنادقكم، فاتركوا يا ضيوف المكان مقاعد خاليةً للمضيفين.. كي يقرؤوا عليكم شروط السّلام مع... الميّتين!" ...... "عندما كنت صغيرًا وجميلاً كانت الوردة داري والينابيع بحاري صارت الوردة جرحًا والينابيع ظمأ - هل تغيّرت كثيرًا? - ما تغيّرت كثيرًا عندما نرجع كالريح إلى منزلنا حدّقي في جبهتي تجدي الورد نخيلاً والينابيع عرق تجديني مثلما كنت صغيرًا وجميلاً.."* ــــ * محمود درويش أبو زياد الصالح sf_3172hotmail.com |
الإشارات المرجعية |
|
|