|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
17-05-2007, 04:24 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Dec 2006
البلد: الرياض
المشاركات: 710
|
تفسير سورة العصر
و العـصر}
بدأت السورة بقسم وهو و (العصر) و الكل يعلم أن سور عديدة و ردت في التنزيل الحكيم تفتح بقسم مثل: ( والتين والزيتون، و الشمس وضحاها، والفجر،..)و هذا اليمين الذي تفتتح به السورة يعود إلى حكمة ربانية في إختيار موجودات من دون غيرها في هذا القسم أو غيره ، و هناك من يقول أن السبب يعود إلى أن الله يشير إلى أن كل الموجودات الكونية هي موجودات مقدسة مهما تنوع أصلها. أما (العصر ) فقد اختلف حول ما المقصود منه، غير أن أغلبها تُجمع على أنه الدهر، وهذا ما جاء في تفسير الطبري : ( ...اختلف أهل التأويل في تأويل قوله(والعصر) ...و الصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر (والعصر) اسم الدهر، وهو العَشي و اللَيل و النَهار، و لم يخصص مما شمله هذا الاسم معنىً دون معنىً، فكل ما يلزم هذا الاسم فداخل فيما أقسم به جل ثناؤه) انتهى قول الطبري(2). وهناك من قال أن الله عزوجل أراد من (و العصر) الليل و النهار، وهناك من قال أنه قسم بصلاة العصر و هناك قول بأنه الفترة الأخير من النهار أي ما بين زوال الشمس و الغروب، غير أن التفسير الأقرب للصحة هو المذكور في الأول و الذي أجمع عليه العديد من المفسرين . أما ما نستشفه من هذا القسم بالزمن فهو أن الإنسان في خسران دائم لأنه كل يوم يفقد يوما من عمره فربط آخر النهار و هو العصر بالإنسان له هذا معنى أن الإنسان وجب عليه تدارك أيامه و لياليه قبل أن تنقضي. { إن الإنسان لفي خسر } و (الإنسان) هنا قد جاء بصورة عامة، لأن المراد به هو الجنس عامة، و(الـ ) هي دليل هذا القول، لاعتبار أنها حلت محل (كل) أي (كل إنسان في خسر)، و معنى هذه الآية الكريمة تُظهر أن اله قد اقسم على أن الإنسان في خسر أي في خسران و نقصان دائمين و هنا يقول أحد الإمام الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي: (3) ( إن الإنسان في منتهى غاية الخسران في حال أنه لا يشعر بشيء من ذلك الخسران بما زين له من سؤ عمله، وتحكم شهواته،حكمة من الله :"وكذلك زينا لكل أمة عملهم ")(4)،أما حرف الجر (في) فيعني أن الإنسان منغمس غارق في الخسران و أن هذا لأخير يحيط به من كل جانب . و حديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم يثبت ذلك فنعن أنس بن مالك قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه و جمع له شمله و أتته الدنيا و هي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه و فرق عليه شمله و لم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له) و هذا ما يدلل على أن الإنسان يسعى في هذه الدنيا محاطا بكل ما يدفعه إلى البحث عن الدنيا و من خلال ذلك ينغمس في الخسران تاركا فضل الآخرة ، وفي هذه النقطة يقول الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي : ( أما وجه الخسران فقد يبعد أن يتصوره الإنسان، على ما هو عليه، إلا بعد مقارنته بحالته الحاضرة.) انتهى قول الشيخ. { إلا الذين ءامنوا و عملوا الصالحات } بعد معرفتنا بأن الإنسان هو خسران دائم، فقد استثنى عظيم الشأن من هذه الحالة (الذين ءامنوا وعملوا) ومعنى ذلك أن الناجي و السالك من حالة الخسران هو من المؤمن إيمانا لا تردد ولا شك فيه، والإيمان كما يوضحه الحديث الشريف و الذي يروي قدوم جبريل عند النبي و الصحابة عنده فبدأ يسأله و الرسول (صلى الله عليه وسلم يجيبه ) ومن ضمن ما جاء في الحديث أن سأل جبريل (عليه السلام ) الرسول عن الإيمان فرد عليه : (... أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله و اليوم الآخر وبالقدر خيره وشره..) في هذا إيجاز لمعنى الإيمان بكل وضوح. و العمل الصالح ، و الاستقامة، وترك النواهي، أن تبذل في سبيل الله، أن تفعل الخير و تساعد عليه وتساهم فيه، و الحياء شعبة من الإيمان ، وكل ما يمكن أن يقرب لله فهو من معاني العمل الصالح .كل ما ذكرنا عن الأعمال الصالحة و مناحيه فإنه لا يصلح إذا لكم يكن خالصا لوجه الواحد الديان فالإخلاص لعمري هو الأساس في كل الأعمال. وهنا يقول الشيخ العلاوي: ( وقليل ما هم أعني من تتوفر فيهم تلك الخلصال الكريمة، و النعوت العظيمة التي تضمن لم السعادة غير المشوبة بأدنى شقاوة...)(5). { وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر} من الاستثناء الذي وضعه رب العباد إلى الشطر الثاني المُحدِد لصلاح العباد، والذي حدده سبحانه عظم شأنه في ( التواصي بالحق و التواصي بالصبر) و نفصل الأمرين: التواصي الحق: و التواصي اشتق من الوصية و التوصية، أي بما معناه على الناس وعلى المؤمنين على الفاعلين للخير أن يتواصوا فيما بينهم بالحق و الذي يعرف بأنه الشرع أي ما شرعه الله لهذه الأمة من أوامر ونواهي من هذا الباب فإن كل واحد من عباد الله المؤمنين يوصي أخاه إن رآه مفرطا في أمور دينه وينبهه لذلك لأن هذا الأمر هو من شواهد الإيمان (أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك)، هذا التوجيه الرباني يعطي لنا صورة على أن الإسلام يرى الفرد في مجتمعه مؤثرا متأثرا به ويجب عليه من خلال هذا أن يساهم و يحاول أن يصلح وأن يكون ذا شخصية (إيجابية) تعطي و تساهم ولا تلقي بالا للأقوال المثبطة للجهد. أما التواصي بالصبر: و الصبر يعرف على انه ( حبس النفس عما لا ينبغي فعله)وقد قسمه أهل إلى العلم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: صبر على طاعة الله :أي أن يجاهد المسلم نفسه من أجل أن يأتي بفرائض الدين على أحسن وجه لأن النفس تدعوك دائما على التراخي و التكاسل . القسم الثاني : صبر على محارم الله: أي أن يسعى المسلم جاهدا من أجل مجانبة كل ما حرم المولى العزيز. القسم الثالث: صبر على أقدار الله: أي يرضى ويحتسب المسلم على كل ما يأتيه من عند خالق الأكوان من دون تضمر و لا بدون قنوط من رحمته. من خلال هذا العرض لأنواع الصبر ندرك مدى عظم هذه الخصلة وما لها من تأثير على حياة المسلم ، ونريد أن نشير إلى نقطة حرجة في هذه السورة، فالصبر هنا ليس مقصورا على التواصي بالحق فقط بل هو متعلق بالإيمان و بالعمل الصالح و بالتواصي على الحق، فمن اجل أن تشد على إيمانك يليق لك الصبر و من أجل عمل ما هو صالح يجب لك الصبر و من أجل أن تتواصى مع إخوانك حول ما فيه صلاح للدين و للدنيا فتحتاج إلى الصبر . ختاما سورة العصر وأقصد من هذا العنوان أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا عند اجتماعهم أو تفرقهم من مجلس مع الرسول الأكرم( صلى الله عليه وسلم) أو من دونه كانوا يقرؤون هذه السورة ولهذا الموضع دليل على ما ذكرناه من اشتمالها على معاني ربح أو خسران بن آدم في حياته عامة. و تذكيرا لما سبق عرضه وحتى نستجمع كل ما جاء في هذه السياحة القرآنية نُجمع القول في نقاط هي (6): 1. القسم بالعصر يدل على عناية الإسلام بالوقت أو الزمن. 2. أن الخسران نصيب الإنسان إلا من آمن وعمل صالحا. 3. تربط السورة بين العمل الصالح والإيمان . 4. التواصي بالحق و الصبر بيان على اثر الرفقة والصحبة الصالحة. 5. وتخصيص الصبر بالذكر له دليل على أننا عرضة للأذى و يجب علينا الصبر. و ختاما فقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله- عن سورة العصر: ( لو لم تنزل على الناس إلا هذه السورة لوسعتهم ) و يقصد هنا في مناحي الوعظ و الدفع إلى فعل الخير . جعلني الله و إياكم ممن آمنوا ويعملون الصالحات و يتواصون بالحق و يتواصون بالصبر – آمين. |
الإشارات المرجعية |
|
|