عرفه المحيطون به متعثر المضي في الدراسة , ليس له عقل نابه كما لداته وأضرابه , وإنما قفر من الذكاء الذي يستوعب المعلومات التي فاز بلذاتها غيره , فراحت البطالة تتمطى في حياته , وتغزو عزيمته على البحث عن عمل يقتات منه , فكان رهين التسكع والتسدح في بيته كما تتسدح المرأة الحامل الموشكة على الوضع في أشهرها الأخيرة , فقد رابته صحة نيته في التطلع إلى ما يعود عليه بالرزق الكفاف .
لم يلبث غير بعيد في تأميله – وقلما يتأمل - حتى التصق جسده محاسبًا في محل ملبوسات نسائية وما يتبع النساء من صبيان وبنات ومواليد , لا يزال هذا المحل يُعرف باسمه حتى اليوم , ولا يزال يحتفظ بشهرته منذ فارقه , هذا المحل يُعرف بـ ( سامرة ) , كان صبيًا من الصبيان الذين يعملون بالأجرة كما حال كثير من أبنائنا المثابرين , سيما الذين يجمعون بين الدراسة والعمل , لكن صاحبنا قد خرج من زمرتهم منذ أن فارق الدراسة في المرحلة المتوسطة .
شملته لوثة من لوثات الشباب الذين يبلعون الغث بلا سمين , ثم يتقيئون الضحك على الذقون , وقلما نجد الناصح المصلح منهم ؛ ذلك لأنه انكب على الشعر العامي الذي يبرز في غرضين غالبًا : التغزل , والمديح المداجي , وذان الغرضان يوقعان الشاعر في المهالك من حيث لا يدري , فما رأيت متغزلاً منهم إلا أورث عليه غضب الكريم , ونقمة اللئيم , أما المديح فإنه مطية كسب الوقَّـاح , وطعمة الشحاذين , وهم كاذبون , ويقولون مالا يفعلون , وبكل واد يهيمون بغية الشهرة أو التكسب , وإن أردت أن تنظر إلى غرض أكثر خسة ودناءة ؛ فانظر إلى غرض الهجاء الذي طالما كانت العصبية القبلية له رفيقة مسامرة , وصاحبة مومسة , فهي تأمره بأرذل القول , وبأرفاث الكلام , والتجني على العباد بما لم يأمر به دين ولا خلق , ولولا جواز غيبة العاصي المجاهر لما سطرنا هذا المقال .
جاء في الحديث من أن امرأ القيس هو حامل لواء الشعراء الماجنين يوم القيامة , فهو إمامهم في الخسَّة والقبح حين يعترف على نفسه على لسان بغيه ( عنيزة ) , حيث قالت له : ( لك الويلات ) , فإن هذه الكلمة لا تقال إلا لخسيس , والعرب تعرف ذلك , وما مجاهرته بالفسق بأكثر من موضع إلا دليل إدانة , و رسم خطوط بنان متهتك معلوم التهتك , فقد أثخن , وأوغل , واقترف ما هو مقترف .
هؤلاء الشويعريون يتهافتون على امتداح ذوي المناصب , ويحبذون القول في المحرمات أو المكروهات , فمن قائل في معاقرة الكبائر كما فعل أبو نواس في التغزل بالمذكّر , ووصف الخمرة , وكما فعل سابقه عمر بن أبي ربيعة حين أفسد الشبان والشابات وقتذاك وحتى اليوم , وإذ جئنا إلى عصرنا وجدنا هذا الشاعر الذي نحن بصدد الحديث عنه قد نظم قصيدة في تزيـين الدخان , ووصفه كما توصف أطايب الأطعمة , يهيم فيه , ويَستحسن تعاطيه , ورب كلمة قالت لصاحبها دعني .
أشواقي .