بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » كان هذا الدرب نهراً ...محمد حامد الأحمري.

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 30-06-2007, 08:05 PM   #1
،، نـرجس ,,
عـضـو
 
صورة ،، نـرجس ,, الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2007
البلد: بريدة
المشاركات: 25
كان هذا الدرب نهراً ...محمد حامد الأحمري.

كان هذا الدرب نهرا




محمد حامد الأحمري
25/10/2001






ها أنذا أرفع رجلي عائدا من البحر المحيط، وقد كنت رحلت إليه، جائعا للمعرفة، وراغبا في البعد، رائدا للكمال، وراهبا رخص الوجود، أبحرت عشقا للعواصف، غير هياب للزوابع، يرن في أذني "ابن دارك على بركان فيزوف." عدت من البحر "إنه وحيد، موحش وخواء، إنه لا يزهر ولا يذبل، إنه قبر أبدي خلا من الزينة." أو هكذا قيل عنه.
أُبْتُ متجها إلى الدرب القديم، وقد كان هذا الدرب نهرا، ومجرى للماء الزلال، ثم يدلف للمحيط. كان نهرا دفاقا، واسعا وسريعا، يأتي ماؤه من الأعالي، ومن الأودية، ومن الشعاب البعيدة، ولكنه الآن صخور ملساء، ورمال هي ميدان الصخور!
كان هذا النهر ينهل ماءه من البقاع البعيدة، من الأودية والسهول والتلال النائية، تلك التلال الجميلة الخضراء. وكان جاريا دائما فما تخيل المتخيلون من الأقدمين أن يصاب بهذا الجفاف.
استقبلتُ الدرب الذي كان نهرا، وتركتُ البحر ورائي، يلتطم موجه. موجٌ على موج، ظلامٌ من فوقه ظلام، ورواء.. أسماك، ورطوبة، وملح أجاج، هديرٌ يصم الآذان، وموج لا يهدأ، حياة سريعة مرهقة.. يا للأودية وهدوئها، فيها عناكب، وحشرات، وثعابين، وأعشاب، ونبت يابس. تماوُجُ الرمل يحكي سيلاً قديماً مرّ من هنا، تَرَك آثارَه القديمة وعَبَر، ثم لا شيء بعد.
وأنا في طريقي نحو التلال القديمة الخضراء، أتأملها قبل الوصول :
أتراها على عهدي بها جميلة وادعة خضراء؟!
هل العجائز لم يزلن بجانب البيت القديم في الزاوية التي سمينها منتدى؟ ينتدين هناك؟ يتحدثن عن عجائب الدنيا التي تقال، عن خبر الطائرات والسيارات!
واحدة منهن رأت السيارة، وقريب لواحدة منهن رَكِب طائرة، لا ليس هذا فحسب، فابن سلمى دَرَّبوه على القفز من الطائرة في تبوك! وشَفْيا تقول: إن ابنها يسوق سيارات الجيش،سيارات ليست كالتي مع الناس إنها أقوى وأكبر!
هل رفاقي على عهدهم؛ لم يزالوا يَتَحَمّطون.. يصعدون أشجار التين، أم يصعدون الجدران العالية بحثا عن بيض الفرفر والفروخ؟ العجوز تصرخ:
- بالله عليكم خَلُّوهُمْ.. أمّهم مسكينة. والأخ الصغير ينادي:
- بالله هاتهم ؛ والله لي واحدة. ويجيبه طفل آخر:
- إنهم كثير سوف نقسمها عليكم.
والأم تصرخ وتسأل بوجه الله أن يترك البيض في جحره: ألا ترحمون؟!
يا قاتلِ الهدهدْ وْفَرخِ الحمامة يا وِيلِكِ امْنِ النيرانْ يومِ القيامة!
أتراهم إلى الآن عند أبواب العرشان.. يحمون الذرة من الطير: بأيدي البنات الْمَحَامِي، والغلمان بأيدهم الْمَفاقيع، يُدوّي صوتُها فتنفرُ الطير؟
رمالٌ أَسمعُ فَرْك أقدامي عليها، وأرى الذكريات كلها هنا حاضرةً ماثلةً للعين، ما أزعج الذاكرة! أتراهم لم يزالوا هناك؟!
ليتني جِذْعاً عندما جئتُ للبحر المحيط! أو ليتني بقيت هناك في تلك التلال القديمة الخضراء! إنهم قد غادروا المكان القديم، تركوا تلك التلال، وهاجروا من سفوح الجبال، ليحلوا أطراف المدن وحواشيها.
قليلون من القرويين من يَحُلُّون قلوبَ المدن، أفواجُ الهجرة الأولى دائماً هامشية والنادر النادر من يذوق قلب حياة المدن منهم. أولاد المهاجرين يشقون لأنفسهم الدروب في قلوب المدن.
ويبقى المهاجر وابنه على أطراف مجتمع المدينة، يتصنعون أنهم منها. الجيل الثالث يندمج، وتنتهي عنده الفوارق.
الجيل الأول يتمنى الاندماج، ولا يحسنه، يتمنى لو استطاع أن يتخلص من جلده ولغته. أما الجيل الثاني فيحن لذكريات الوالدين، ويتمنى لو أحسن لغتَهم وثقافتَهم بجانب ما جَدَّ له في المجتمع الجديد، الذي يتنكّر له وهو منه، ولكن المهجر لابن المهاجر وطن! أما الجيل الثالث فينشد أنشودة السود في أمريكا" وت إز أفريكا تو مي؟!" ما ذا تعني لي أفريقيا؟!
أما أنا فما ذا يعني لي أولئك؟ إنهم صحابي فأينهم يارفيق الدرب أين؟ وهل لي من رفيق؟!
تركتُ القرية نَهِمَ العينين، أُحب أن أراها، فارقتُها لمدينة بل قرية كبيرة، ولما ألفتها وعرفتها تركتها! تركت قلبي ممزقا بين بيوتها ودروبها وأصدقائها، تركتها مزدحمة بالأفكار الأولى، وأبحرتُ في البحر المحيط، بما فيه من المرارة، والملوحة والغربة والبعد، مذاقٌ يكاد أن يتحول من الذاكرة إلى اللسان، خليط من المرارة والملوحة، والحرقة اللاذعة، والغنى الفاحش والفقر المذل! والأمواج العاتية. أقول: إن مرّتْ هذه الموجة رجعت للتلال الخضر للمنازل القديمة. وكلما وصلت محطة زاد تطلعي لميناء جديد.
صور الزمن الكبيرة والغنية ألهتني عما حولي، قطعها عني سؤال ولدي الذي تعودت سماع أسئلته العديدة، حتى لم تعد تقطع حبل التفكير لكثرتها يقول:

-أَبَهْ، أين التلال القديمة الخضراء؟
أعادني السؤال للطريق وللحاضر الجديد، ترى هل تذكرت أن معي في الطريق ركباً؟ مالي لا أراهم؟ إن معي من الشجون والتذكار ما يمنع رؤية الركب القريب
-بُنَيّ، التلالُ الخضراءُ ستراها جميلةً جديدةً، ستراها كما لم يرها أحد من قبل، أما أنا فلم تعد قريتي هناك!
-كيف؟ ألسنا نتجه لقريتنا التي ولدتَ فيها أنت يا أبي، وفيها كل العائلة والأقارب؟
- آآه.. نعم.. نعم. ولكنْ يا ولدي : إن ممتهن الاغتراب لا يصلح لشيء، ولا يخلص لأرض، إنه سُمّ المجتمع أو ملحه!
قلتُ له هذا، ثم تأسفتُ؛ لأنه لا يحب أن يسمع هذا ، بل اللائق أن أمدح له ما أمامه، وأبتهج لعله لا يرى في المستقبل غربة. أما أنا فليس أمري كما يراه ابني.
إيه.. أنت يابن البحر لا تعرف دربي.. لا ولا تعرف صحبي، ولا تعرف مدارج الصبا، لا لا بل أنا يا ولدي لستُ أعرف هؤلاء الذين سنراهم، ولا الذين سنلقاهم هناك، في قريتنا.
قريتـ(نا)؟!
لم أسميها قريتنا؟ إنها لم تعد كذلك، غادرها الرفاق، غادرها اللاعبون، ومات الكبار وتغضّنت وجوه الصغار، تغير الطعام، واللباس، والمزاح، واللغة، والهم، واللعب! ولم تزل تقول:
قريتـ(نا)؟! وتقول: رفاقـ(ي)؟! يا لرفاقي.. هل تراهم بعد يتصيدون الطير، أم يحفرون عن الدعبب؟ إنهم لم يتحضروا بَعْد كأولاد (أبها) يلعبون البرجون، كَثُر العدد وقَلّتْ الطير، وبُنيت الأرض بيوتا، وهدمت البنايات الحجرية القديمة، وتعايب النساء لقاءات العشايا والمنداة.

-هذا الدرب يبدوا بعيدا يا أبي.
-كنا نظن هذا يا ولدي، ولكنْ ليس كما تتوقع، الليالي قريبةٌ والبعيدُ أقربُ مما تراه، هذا يا ولدي لغوُ الصبا، كلُّ شيء بعيد ليس كذلك، بل إن كل شيء قريب!
يا ولدي كان العقاد يقول عن الدرج الذي كان يصعده في البيت: كنت أصعده درجتين درجتين، ثم واحدة واحدة، ثم واحدة مع العصا. ثم لم يستطع بعد أن يكتب لنا انه بقي في غرفة نومه حتى حملوه للمنزل الأخير. والمتنبي ياولدي بكى شبابه باكرا فقال:

ولقد بكيتُ على الشباب ولِمّتي مُسْوَدّةٌ ولماءِ وجهي رونقُ!
حَذَراً عليـه قبل يوم فراقـهِ حتى لَكِدْتُ بدمع عيني أَشْرَقُ

- وت ديد يو ساي؟
وهنا صحوتُ! ولدي لا يعرف قولي، لا يعرف المتنبي، لا يعرف العقاد، لا يعرف اللمة، ولا ماءَ الوجه، ولا الرونق، ولا الفراق، ولا الشرق!
-إيه.. نعم ياولدي، طريقنا طويل نحو القرية القديمة الخضراء!
-أبي، إنك غَيّرتَ الكلام! ألا تشرح لي الكلامَ الجميلَ الذي قلتَه؟ وَقْعُه على أذني جميل!
-نعم يا ولدي، ولكن وَقْعَ قولِكَ على أذني حزين!
-لم يا أبي؟ هل أزعجتُك بالسؤال؟

-لا لا.. لا تنزعج، ولكنْ يا ولدي عندما كنتُ في سنك كنت أسمعُ مثل هذا القول فأطرب له، وقد أحفظه بلا إعادة! وأنت اليوم لا تفهمه.
- أبي ليست هذه مشكلة، إني أفهمك وتفهمني بالعربية والإنجليزية!
- يا ولدي هناك روحٌ للغة.. لم أتذوقها في لغة البحر، وهناك روح في لغة الجبال لا أضنك ستتذوقها.
- وما هي هذه الروح؟
- أكاد أن أقول مِنْ أمر ربي، ومما لا أعرف بيانَهُ لك، هل سمعت: "الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان" ؟

- كأنه قرآن يا أبي!
- هو كذلك، ولكنْ يا ولدي ليس وقعه على النفس الأصيلة فيه كوقعه على غيرها.
- لأنه القرآن.
- نعم يا ولدي، ولكن أيضا لولا أن جمال العربية على القلب واللسان وإلا فلن يتذوق ضعيف في العربية القرآن. إنك لو عشت في قرانا القديمة، ثم سمعت شوقي يقول:

جَبَل التوباد حياكَ الحيا يا سقى الله صبانا وَرَعا
كم تناغينا على أطرافه ورعينا غنمَ الأهل معا
قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً وتهونُ الأرضُ إلا موضعا

لو لم يتلوث لسانُكَ يا ولدي لفهمت، ولكان القول عندك عجبا.
- تبالغ يا أبي في مدح هذا الكلام الجميل، لم له عندك كل هذه الأهمية؟
- يا ولدي الفكرة من ورائه مهمة، بل ومتعبة، وليس الكلام الذي سمعت.
"تعبنا من السير طول الطريق / نكدحُ في نصفه الأول" وآن لنا أن نستريح في ظل سرحة نقترب منها، بَعَثَ جمالُها فينا الرغبةَ في ظلها أكثرَ مما بعث التعبُ. والكبيرُ قريبُ التعب! وهل لي إلى الراحة من سبيل؟! ألا ليت الشجرة لا تثير الفكرة! ها أنا لما أويتُ إليها كاد يهمس غصنها في أذني: "فيا شرخ الشباب وكنت تندى/ على أفياء سرحتك السلام" هذه السرحةُ لا تسكت،وولدي أيضا كثيرُ السؤال.. لا أظن أنه سيسمح لي بأن أنعم بالتأمل والتفكير منفردا.

وما أن جلسنا، ومَدّ كلٌّ منا صوتَه بآهة التعب حتى قال:
- أبي لم لا تثمر أشجار هذا الوادي؟
- ولدي : "وهل شجر في قبضة الظلم يثمر؟"
- وما هو هذا الظلم الذي يجعل الأشجار لا تثمر؟
- الظلم يا ولدي هو الحجّاج.
- يبدو أن الحجّاج هذا شخص، فهل له كل هذه الطاقة لا بد ان يكون أقوى من الشيطان!

- الحجّاج يقول عنه الجاهلون إنه شخص، ويقول العاقلون: إنه فكرة! ولم أره ولكن رأيتُ عملَه. لأن الظلم يا ولدي جَفّف منابع هذا النهر، وهو لا يسمح بزرع الأشجار المثمرة. بل والمزروع منها يتوقف عن الثمرة، والحجاج لا يحمد ولا يكبر في عهده الرجال. ولكن عملاقا عجيبا يا ولدي اسمه سعيد بن جبير رأى الحجاج يجفف نهر الحياة هذا فصرخ به وتحداه، وأقسم أن يحاول أن يجري الماء في النهر، وأن يُحْيِيَ المنابع، فلم يقدر إلا على دمِه.. سَفَحَهُ في مجرى النهر لعل النهر يجري مرة أخرى!

- كان رجلا -والله- فهل حاول غيره؟
- مئات ومئات.. منهم أحمد، والخزاعي، وأبو حنيفة، بل والشافعي كاد أن يسفح دمه في النهر بعد نحو مائة عام من سعيد بن جبير، فلما رأى الناس وقد نسوا أنه كان نهراً هَرَب لمصر، وانتحى ناحية بعيدة، وقال بمذهب جديد. فكان يُشير ولا يملك أكثرَ مما فعلُ وفَهِمَ الجاهلون أن موقفه الأول كان من نزق الصبا! يا ولدي كان هذا النهر ضخاخا زاخرا حيا، بل وكان لنا البحر المحيط.

- والدي لا أكاد أصدق أنه كان نهرا!
- طال الزمان يا ولدي منذ كان النهر يُروينا ويجمعنا، ولكن لا تستغرب إن قلت لك: إن تحت هذا الرمل ماء!
- تحت الرمال الجافة هذه؟!
- نعم!
- أبي، وهل في القرى ماء؟
- خافت القرى فتجمد الماء والدم في عروقها! ولم تعد تقدر مياهُها على الجريان، ولا النزول إلى الأودية، فيها مياهٌ آسنةٌ قليلةٌ لا تكاد تكفي الرمق، لذا تراها لا تتفق بالحياة.
- كيف يحيا الناس بلا ماء؟
- الذين عاشوا في البحر المحيط لا يفهمون الحياة في الصحراء، ألا تعلم أن في الصحراء حيوانات لا تشرب الماء؟
- وماذا تصنع؟ وأي حياة تلك؟
- جلودها في غاية الجفاف، تفتح أفواهَها للهواء الرطب الذي يمر، وبخاصة بعد المطر، وذاك شرابها، تماما كما يفتح الناس في قريتنا أفواههم و آذانهم لإذاعة لندن وأورشليم القدس!
- وهل عندهم في لندن والقدس أنهرٌ جارية؟
- نعم، ولكن الأنهار المجاورة لليهود لا تجري! هل تسمع عن أزمة المياه؟ يقولون إن العالم العربي قد يموت عطشا،وليس عندهم أشباه سعيد بن جبير الآن.
- كيف تجري أنهارهم وتجفف أنهارنا؟
- لأنهم لا يسمحون للحجاج بالوجود؛ فأُجريتُ الأنهارُ من تحتهم وأَورقتْ وأثمرتْ أشجارُهم، وكَبُرَ رجالُهم.
- لكنْ كيف نستطيع أن نحذر الناس من الحجاج؟
- يا ولدي، علينا أن نجري الماء في النهر رغما عنه.
- هل تعني أن نفعل كسعيد؟
- نحتاج لسعيد وربما مئات من أمثال سعيد، يا ولدي، ونحتاج أن نسمح بل ونحفر أرضَ هذا النهر للمياه العميقة وللمياه القريبة، لتمتد على وجه الأرض، ونلقح الأشجار بلقاح "الكرامة" الممنوع، ولكنه الوحيد الذي يجعل أشجار الوادي تثمر رغم حقد الحجاج على الحياة. إن صانع الموت والجفاف يا ولدي عنيد، يتظاهر بالمهابة والقوة، ولكنه أجبن خلق الله، له دائما وقاية من المنافقين والعبيد، وللحجاج قصة عجيبة مع غزالة، امرأة أذلّتْه أيما إذلال، وبقي شِعْرُها يُروى على الدهر.

- أبي كنتُ سمعت في بداية الكلام أن الحجاج ليس شخصاً، بل هو مبدأ أو هو الظلم، ولكني أفهم منك الآن أنه شخص؟
- نعم يا ولدي، لأني هناك سمعت مرة مَن يقول إنه رجل! ولهذا رأيتَ في كلامي هذا الخلط. فدع الشخص لأنه رَمَّ من قرون، وإنني أريدك يا ولدي أن تعيد الحياة في النهر، ألا ما أعجب أن تجري المياه فيه، يا ولدي إن أنا مت فوصيتي لك وللرجال أن تعيدوا الحياة للنهر، وأن تكافحوا الجفاف فيه، وأن تلقحوا الأشجار على ضفافه بالكرامة، فلن تروا بعدها الخوف ولا الفقر اللذين حَلاّ بنا منذ جفّ النهر على يد الحجاج. يا ولدي قد لا أملك أن أقول لك شيئا إلا أن الماء كان يجري من هنا، وعليك أن تبدأ في وسيلة لإجرائه.

- سأفعل جهدي لإعادة المنابع العظيمة منابع الحياة.
رأيته يتلمظ وتلمع عيناه قناعةً بالفكرة، وهمةً للعمل بها، رأيتُه يَتّقِدُ بالفكرة، ففرحت بميلادها المخيف، وخفتُ عليه خوف الأول "أُشفِقُ عند اتقاد فكرتِهِ / عليهِ منها أخافُ يَشْتَعِلُ!"..
وأخجلتني حيوية ابني وهمته، وقلت في نفسي: لا أَعْدَمَكَ اللهُ من رجلٍ كسعيد!
شرقتُ بدمعة الأمل، وانسابتْ فأحرقتْ ملوحتُها حلقاً موجعاً بملح البحر من قبل، إني لا أرى البحرَ الآن، ولا أرى البيت، ولا أرى البركان!
سمعتُ صدى افلاطون يَهذي مِنْ قَبْل لسجينٍ بعد إطلاقه من القيد، ولا يَقْصُدُ العائدين إلى جبال السراة يقول: سيقول الناس إنه عادَ مِن المكان العالي مطفأَ العينين! وإنه كان من الأفضل له لو لم يَعِنّ له أن يفكر في الصعود، وإن حاول أحد أن يَفُكَّ قيودَ شخص آخر، وأن يقوده صُعُدا إلى النور فإن جميع السجناء سيعدمون الجاني إن أمسكوا به! "فالسجين يهاب المُطْلَقين أكثرَ من رهبته من السجان المألوف".

تركت افلاطون يهذي في جمهوره وجمهوريته، وعدتُ بأساطير قليلة، منها أن الكائنات ومنها البحر والبيت والبركان تتناسخ، فتصبح أفكارا موحشة، كَربتُ من هول الكلام، وعزمت على السير نحو القمم الموحشة الباردة ففي بردها دفء، وفي بعدها قرب، وفي وحشتها أنس! وسمعتُ صدى لخريت السهوب: "يرى الوحشةَ الأنسَ الأنيسَ ويهتدي / بحيثُ اهتدتْ أمُّ النجومِ الشوابكِ".




.
__________________
اذا كان هناك ثــمة حــياة ..

فهناكـ أمـــــــل ..!
،، نـرجس ,, غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 03:56 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)