[الفارس الملثم]

بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


والوقت أنفس ما عُنيتَ بحفظه = وأراه أسهل ماعليك يضيع ..

قال الإمام أحمد رحمه الله : ماشبهت الشباب إلا بشيء كان في كُمّي فسقـط .

وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله : واعلم أن الأيام تبسط ساعات ، والساعات تبسط أنفاسا ، وكل نفس خزانة ..
فاحذر أن يذهب نـَفـَس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم .


عندما أنظر إلى من هم مثلي وفي سني ونفس عمري ، بل وإن نظرتُ إلى من هم أصغر مني ..
ورأيت ما قد فاقوني به من تحصيل ونتائج ، تغرقني موجة من التحسر والندم وعض الأصابع ..
ولكن هيهات لما مضى أن يعود فقد فات ، والمؤمل غيبٌ .. ولي الساعة التي أنا فيها .. وما ومضى قد كتب إما لي أو علي ..


دعني أسرد عليك حبيبي شيئا من واقع مررت عليه ، وأرجو - وكلي أمل - أن تتجاوز ذلك النهر الجارف بجسر متين ، حتى لا تضطر للسباحة فيه ..


دخلت الحلقة عندما كنت في ثاني متوسط ، وكان النشاط والحماس إذ ذاك بلغ مدى قوياً جداً ..
كانت الحلقة مجموعتين في الحفظ ، إحداها تحفظ وجها يوميا ، والأخرى تحفظ نصف وجه ..
اخترت الأولى لأن ألهبة الحماس تشتعل في كوامن النفس ، ولازلت أذكر والله في الأيام الأولى من التحاقي بالحلقة كيف حققت النجاح ، حتى أتت أيام متوالية لا يحفظ من مجموعتي إلا أنا ..
فهَمّ شيخنا - حفظه الله - أن ينزل من معي للمجموعة الثانية ، حتى أبقى وحدي ..
وأمهلم يوما واحدا .. فأتوا من الغد وقد أتقنوا حفظهم ..
هكذا كنتُ متميزا في البداية ..


نحن الآن في بداية ثالث متوسط .. عندما كانت بداية ولوجي لعالم النت المتباعدة أطرافه ..
ولا يزال جهدا باقيا وعملا دؤوبا ونشاطا يسري في العروق ..

سُنة الله في الحياة أن لا تستمر الأمور على مجراها الطبيعي ..
فلا بد من أن تطال المرء فترة من كسل أو خمول .. هذا حدث معي ..
لكن الفترة طالت ، والكسل أناخ رحاله ، ونصب خيامه ليقيم فصول السنة في كياني ..

أضحى إبحاري في عالم النت والتعرف على المواقع يؤثر سلبيا على الأولويات في حياتي ..
فأصبح النت الشغل الشاغل ، والأخ الحبيب المؤلم فراقه ..

الدقائق تسير .. والأيام تمر مر السحاب .. ولا أزال في رقدتي هائنا في نوم عميق ..

لم يدخر شيخي - حفظه الله - جهدا معي .. إلا أن عقلي وأذناي كانتا كحديدة مجوفة بالية ..
تدخل الماء من هنا وتخرج من هناك .. وربما عكرته بالصدأ ..
النشاط يخبو ويعود .. والأيام تتوالى ..
واستمر الحال كذلك في أولى ثانوي ، والأمور تسوء وتصلح .. مرة ومرة ..


- انظر مافعله صديقي ورفيق ربي ..

نحن الآن على أبواب ثاني ثانوي ..
انضم إلينا مجموعة من الأشخاص من ضمنهم شخص كان حينها لا يحفظ سوى خمسة أجزاء ..
إبان تلك الفترة قطعت من القرآن شوطا لا بأس به .. وكنت أترقب تلك اللحظة التي آتي فيها قد أتممت كتاب الله حفظا ..

جدّ صاحب الخمسة أجزاء في السير .. وأخذ في الجدية والنشاط والهمة العليّة ..
اختار القسم الطبيعي في الدراسة ..
وراح يبذل ما في وسعه .. كان طالب علم .. يحفظ المتون .. والاختبارات تحاصره من كل جانب ..
والبرامج تأخذ من وقته .. والزيارات تشغله ..

إلا أن كل ذلك لم يكن عائقاً يكسر همة بلغت ذرى السحاب وحققت الأمجاد ..
فاستطاع بعزيمة قوية .. وإرادة لا تعرف القهر .. أن يصلني ويتجاوزني في حفظه ..
ولا زلت ألهو .. ثم ما لبث أن ختم القرآن في أواخر ثالث ثانوي ..
وقد بلغت في الحلقة من العمر عتيا قرابة الست سنين .. وهو لم يُمضِ سوى سنتين فقط !

فأكبر به من عزم .. وأعظم بها من همة ..
وإني يوم كانت تغمرني الفرحة العظيمة والغبطة ذلك اليوم يوم أتم هو الحفظ .. اجتاحتني جيوش الحزن
والتحسر على ما مضى ..

و لم يكن التحسر يوما مفيدا ولا معيدا لأيام مضت .. ولا لأوقاتٍ أهدرت ..
إن لم يُقرن بعزم على تقويم الحال وإرادة تصلح النفس ..
وإلا لنفع المشركين والمفرطين تحسرهم يوم القيامة ..

فاحذر عزيزي المبارك أن تخدعك نفسك بآهات الحزن .. وتوجعات الحسرات ..
وينزغك الشيطان بنزغه الفاسد ، بل استعذ بالله ..
واجعل ذلك في سبيل النجاح ..

واحذر النت ولا تجعله يطغى على أمور دينك ودنياك .. إنما أجعله أمرا فرعيا ..
وسبيلا لك إلى صراط الخير والتوفيق ..


- هذه بعض الأسس والمعايير التي ستساعدك بإذن الله في تحقيق النجاح ، انتقيتها من بعض الكتب :

1- دعاء الله سبحانه وتعالى أولا وأخيرا ، بأن يوفقك ويعينك ويسدد على دروب الخير خطاك .
2- حدد مسارك واعرف ماذا تتقن ، ولا تلتفت لرغبات الناس أو مادة الحياة .
3- اجعل من العوائق وسائل لتحقيق الأهداف .
4- عدم إعطاء الأمور أكبر من حقها ، وأنزل كل شيء مكانه .
5- استكشف ما لديك من مواهب وطاقات ، وصيرها في طريق نجاحك .
6- تفحص الأشياء بدقة ولا تبهرك المظاهر .
7- احذر من إيهامات النفس ، واكسر اليأس بالمحاولة .
8- احذر من اتباع الناس في الخطأ (لا تكونوا إمعة ، تقولون إن أحسن الناس أحسنا ، وإن ظلموا ظلمنا ...) أخرجه الترمذي .
9- تجنب الوقوغ في فخ : جلد الذات .
10- توقع جميع الاحتمالات ، ولا تنظر للماضي وتتحسر عليه .
11- اجعل لنفسك نَفَساً طويلا ، ولا تتعجل الأمور قبل أوانها .
12- حدد أولوياتك ؛ فلا تجعل تحقيق هدف ما على سبيل إهمال الأولويات ، كالإهتمام بالأسرة مثلا .



هذه بعض اللمحات السريعة التي أرجو من الله العلي العظيم أن يجعلها عون لك في طريقك ..

واعلم أخي الحبيب ، أنه لن تتحقق لك الأماني والأهداف في طريق الراحة ..
ودون عناء ومشقة ..
فإنه لم تأتِ الأمجاد يوما على فُرُش من الحرير ، بل بنضح الدم وبذل الروح والمُهَج !

[poem=font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اطلب ولا تضجر من مطلب = فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بطول المدى = على صليب الصخر قد أثرا[/poem]

فاصطبر وصابر واستعن بربك ولا تعجز ، وستلقى بحول الله ما يرضيك ويسعدك دنيا وأخرى .


هذه تجاربي أقطفها لك من بستان قلبي على طبق مفروش بالريحان قد غشيته المحبة ..
وإني لأرجو من الله تعالى أن تكون معينة لك على دروب الخير ..
ومبصّرة لمسالك النور والهداية ..

وأن يجعلها خالصة لوجهه ، وأن يتقبلها مني ويجعلها حجة لي لا علي ..
اللهم آمين ..



أعلم أني أطلت الحديث .. ولكن ما إن بدأ القلب بالكلام .. فما أحببت أن أقطع كلام المحب لحبيبه ..




أبو الوليد ..
الفارس الملثم - قناص الروس - ( سابقا ) ..
وفي الذكرى بقــية ..