[معلم]

[3mr=backgrounds/16.gif]عجيبة هي الحياة في مكوناتها . وفي وقفاتها . وفي العبر التي يستخلصها المرء من خلال الأيام والساعات التي تكونها حياته السالفة . يعيش الناس في غمار تجاربها كالسمك في البحر بمختلف الألوان والأحجام والفصائل التي تحاكي فيهم مواقع العمل والتطلعات والخصائص لكل منهم . فهذا مثلا مديرا عاما في المنطقة كان يصول ويجول ويعطي الأوامر ويفرض القرارات التي تجسم له الهيبة على من حوله ويتخذ من زياراته لمواقع العمل ورعايته للمناسبات سوطا يلّوح به أمام منسوبيه دون خوف من الله أو وازع للضمير .
وبعدما يصدر القرار بإعفائه من العمل تخف حركات زعانفه فتضعف نبرات صوته وتبطل قدراته ويلجأ إلى اختيار ألفاظ الود والإلفة ويوزع الابتسامات والمجاملات لكل من يلاقيه بل ويلجأ أحيانا إلى الاعتذار عن كل إساءة تسبب فيها للآخرين وكأن لسان حاله يقول لقد فشلت في تعاملي مع الناس ويجب الآن المعالجة . كان التصور لديه أنه سيملك الهيبة والمحبة من خلال الفرض والتمييز بين الناس لتبقى تلك الصورة دائما ولكن يفاجأ أن الذين أساء إليهم ينتقمون منه من خلال نظراتهم إليه المتسمة بالاحتقار والتشفي وهنا تتشكل عنده أصعب المواقف لأنه لا يملك الزمن فيرجعه ليفرض هيبته أو يصلح من أخطائه وأوضاعه . والأغرب أنه حتى الأشخاص الذين صنعهم بقراراته وقربهم منه يتنكرون له لأنهم يرون أن ذلك من حقهم وأنهم قد دفعوا الثمن فترة العمل معه . أنها صورة مصغرة لحياة المستقبل الموعود يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم .[/3mr]