[عبد الله الحميدة]

أن تختلف مع أحد فهذا شأنك ، لكن أن تظلمه حقه فذا لا يُرتضى منك .، ويجب أن تعترف بالحقيقة الدامغة حتى وإن كانت مدحاً للخصم، فالحجاج بن يوسف رغم ظلمه إلا أننا لا ننكر أشياء لصالحه كالشجاعة والدهاء على أقل تقدير .
وكمثال على هذا الموضوع : الموقف من الملك عبد العزيز كشخصية لا كموقف شخصي أو فكري ونحو ذلك . وكتوضيح أكثر( هيكل ) رغم الاختلاف الايدولوجي مع الملك عبد العزيز إلا أنه اعترف بأن الإنجليز أعجبوا بالملك عبد العزيز وثقته بنفسه وذكائه الفطري أكثر من الملك فاروق رغم الفارق الكبير بين الاثنين من حيث البيئة والحضارة والتعليم وغيرها ...
والبعض يضع مقارنة بين الملك عبد العزيز وابن رشيد أيهم أفضل بشكل عام أو أيهم أشجع بشكل خاص ومحاولة ًمن البعض التقليل من قيمة عبد العزيز بن سعود يشير إلى أنه مدعوم من بريطانيا وأنه جبان ولا يتحلى بالشجاعة ومحظوظ !؟
وكأن ابن رشيد لم يتلق دعماً من الأتراك ومن بعض الزعماء المحليين وشجاعة ابن رشيد جرأته على الضعفاء من الناس فظلمهم ظلماً شديداً أشد من ظلم ابن سعود لأي أحد ، أما شجاعة الملك عبد العزيز فهو شجاع بالجملة لأنه قام بفتح الرياض وبعمل التوحيد ودعك من التفاصيل التي تدل على تراجعه أحياناً فالعرب تفتخر بالشجاعة و الإقدام التي برز فيها ابن رشيد أكثر لكن تفتخر بالدهاء والذكاء الحاد أكثر ...، وتعتبر الداهية عملة نادرة ، ولذا لما قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان ــ رضي الله عنهم جميعاً ــ أشجاع أنت أم جبان فقال :
شجاعُ إن تكن لي فرصة ٌ و إلا تكُ لي فرصةُ فجبانُ
أما الحظ فإن ابتسم مرة فلا يبتسم مرات .
ودعونا نستعرض الصعوبات التي واجهت ابن سعود :
1 ــ في بداياته كان لاجئ سياسي في دولة مستعمرة وصغيرة .
2 ــ والده لم يكْ صاحب سلطة مسبقة تذكر في البلاد .
3 ــ لم يتلق الملك تعليماً نظامياً وإعداداً معيناً وإنما هو يقرأ ويكتب وعنده بعض الخلفية الشرعية لكن عنده سليقة ذكية .، ودعم بريطانيا إنما هو مبالغ فيه وهو مشروط وكان ينبغي أن تستفيد منه هي أكثر لا أن يستفيد منه هو كما فعلته مع كثير من حكام العالم الثالث والدول النامية حيث اعتصرتهم كالليمون ومن ثم تخلت عنهم لخصومهم كالملك فاروق .
4 ــ استفاد من حياة أجداده دروساً مهمة فاستفاد من الدولة السعودية الأولى كيفية التعامل مع القوى والدول العظمى المحيطة واستفاد من الثانية أهمية توحيد الصف وهذا ما سنسوقه لا حقاً .
ولقد مر بخصوم شديدي المراس ففي البداية فتح الرياض ومر بخصوم نجد المستقتلين والذين لا يهمهم شيء في الحياة إلا القتال في الشرق الخوالد والعجمان ومن ثم مطير وعتيبة وزعماء القصيم في بداياتهم وابن رشيد وشمر بأكملها والمقاتلين في الشمال والأشراف في الغرب وابن عائض ويام في الجنوب وغيرهم و غيرهم والقائمة تطول وضرب الخصوم ببعضهم كالإخوان ، كما ناسب القبائل ودخل معهم في مصاهرات حتى يضمن ولائهم كالعرير والمعمر وآل الشيخ وشمر ..و .و ..الخ وحتى يكثر نسله ويطول حكم أولاده كما هو مشاهد وعنده تدرج في التعامل مع الخصوم وتطبيق قاعدة فقه الأولويات .
5 ــ الحكمة في التعامل مع الدول المحيطة فاحترم العثمانيين في زمن السلطان عبد الحميد ولم تخنقه أمريكا كغيره .، ومن ثم انسحبت بريطانيا .
في مقابل كل ذلك أقام دولة أحاطت بها الدول القومية الثورية في مصر والشام والعراق ومن ثم اليمن وهي مسلحة بأسلحة أقوى وجنود أكثر ولم يكْ حوله من الملكيين إلا من هم أضعف منه ومع ذلك تهاوت عروش تلك الدول وتساقطت كأوراق الخريف رغم أن قادتها يلبسون أفضل الِبزات العسكرية بينما هو وجنوده معهم الإبل والخيل وبنادق [ المقمع ] وبقيت دولته قوية إلى يومنا هذا .