بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » بيـن أدب الإنـصاف وشَـبَق الفـوقـيَّـة في الـحوار

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 30-08-2007, 02:24 PM   #1
الناقد1
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 410
بيـن أدب الإنـصاف وشَـبَق الفـوقـيَّـة في الـحوار



بيـن أدب الإنـصاف وشَـبَق الفـوقـيَّـة في الـحوار

إن وجود الاختلاف في الآراء و التنوع في الأفكار والأطروحات داخل المجتمع هو الحالة الطبيعية التي يجب أن يكون عليها أي مجتمع ، ولا يمكن أن يعتبر تعدد الآراء تعزيز للانهيار الفكري أو الانحلال العقدي أو تشتيت للحمة الأمة " وفق ذهنية الإلغاء " ، فلا يمكن أن يكون الاختلاف شراً محضا ، والفيصل فينا ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُول )
لكن مع أن الاختلاف داخل المجتمعات مظهر حضاري وسنة من سنن الله الكونية ، إلا أننا نرى من ضاق ذرعاً بهذا الاختلاف ، فلا تكاد تجد للتمايز و الاختلاف مساحة عنده ، بل يطالب بأن يكون المجتمع كله كتلة واحدة وفق نـَسَـقه ، أو كما يريد جنابه ، وإن خالفت فقد أتيت ببدع من القول واقترفت ردة فكرية لابد أن يستتيبك عليها !

و الأقبح من هذا .. ذاك الذي يأتيك مدعياًً احترامه لتعددية الرأي ، ثم يعتريك مع أول حديث بنظرة فوقية استعلائية تحت ذريعة أنه مثقف !
هذا هو مفهوم التعددية عنده
أنه لوحده العارف .. لذا .. فما أريك إلا ما أرى .. فإن خالفت وبقية " المستمعين " رأيه .. صيَّـرك .. " غلطان " .. " كلامك غير صحيح " و " لا يقول به عاقل " و" كله مغالطات " و " غث و ركيك "
يريد أن ينضوي الكل تحت رايته المقدسة في حوار الطرشان هذا ، دون النبس ببنت شفة عن أي تساؤل أو نظر في التفاصيل
يريد أن يكون الكل
قوله لشيء لا إن قلــــــت لا *** و إذا قلت : نعم , قال : نعم

فتحت راية هذا الدستور السلطوي المحدد بالسمع والإجابة ولاغير ، تجد بعض الآباء يتسلط في ما يسميه حوار مع أبناءه فيأخذ رأيهم ثم يعرضه أمام رأيه فيوهنه ويكون القرار الأخير في كل مرة هو قراره ! .. ويعتبر نفسه بذلك في منتهى التعددية ، دون أن يتيح لهم فرصة حوار " حقيقي " ينمي من خلاله قدراتهم ويعززها بالتحاور والتعبير عن الذات
المدرس مع طلابه يطالبهم بالكتابة والحفظ و" النصية المطلقة " دون إيغال في معاني السطور وتساؤلاتها الملحة ، وإن سألت " صرّفك " أو مال بحديثه يمنة أو يسرة و " ياويلك " إن عدت في تساؤلك مرة أخرى ، فستصنف مشاغب و" قرقه " و محب للجدل !
المدير مع موظفيه يأخذ رأيهم ثم ينسفه نسفاً فيذره قاعاً صفصفاً ليقيم عليه بنيان استعلاءه تحت مسمى " خبرته وتجاربه " ، ويقرر لأنه الأعرف بالمصلحة العامة ورأيه هو ما تقتضيه تلك المصلحة ، دون مراعاة لأكثريَّة أو رأي آخر قد تنكَّـر له وسفَّـهَه وألغاه !
إذاً
كل ما عليك فعله أن تسمع وتنفذ تلك الأوامر الفوقية مستجيباً خانعاً ، دون نقاش أو بلبلة أو تضجر

أما في دهاليز هذه الشبكة فلا تسل ، فلم نحلم بأن التقنية يوما ، ستضعنا على المحك أمام أهواء نفسية وأطوار تعاملية لم نظنها موجودة في فئات من الجنس البشري
والأدهى من ذلك نزغات الفوقية والاستعلاء الحادة و ذهنية الإلغاء التي تعتري البعض وتسكن ذواتهم ، لمجرد أن كتب سطرين في هذه الشبكة فأحدث ضجيجاً حول سوقيـَّة أو نكارة ماطرح ، أو أن يكتب " كما كتب غيره " ، فيرد عليه آخرون بطريقة عاطفية يشبع بها معهم " هواية " الكسب لأصدقاء جدد يقضي معهم أوقاتاً سعيدة
ومع هذا لو خرجت عن صراطه مقدار أنملة ، بتحليل المعلومات التي أورد أو النظر في التفاصيل بمنطقية بعيداً عن منطق الصداقات و التشكرات ، فستجد خلافك معه في الرأي قد تحول إلى أمر جنائي يستلزم منه أن يضرب عليك سياسة الحصار بأسلحة الفوقية والاستعلاء ، تحت ذريعة أنني المثقف الذي تنزَّلت لمحاورتك !
ولو بحثت بين ثنايا كلامه لما وجدت مضموناً يستحق منحه تسمية " قارئ " أو حرف الميم فقط من كلمة " مثقف " ، كيف لا ، وهو الذي أخذ بناصية فوقيته ليدخلها كأداة في الحديث يسلبك بها اعتدالك وتوازنك ، ويغلق عليك بها بحر العقل ليرميك سجيناً في زنزانة العاطفة " وقد ينجح في ذلك " فيستنطقك مالا ترغب قوله في حالة الاتزان ، فيدخلك في ممرات ضيقة مليئة بالعاطفة الغوغائية البعيدة عن أي عقلانية أو علمية ، وقد تجد في تلك الممرات شيئاً من الحلول المماثلة في المستوى الدوني ، فبعض " المخلوقات " إن تبسَّـمت له قطـَّب حاجبيه وصرخ ، و إن كشَّـرت في وجهه تبسم ، إن جهلت عليه تحلـَّم ، وإن حلمت عليه جهل فوق جهل الجاهلينا !
ويبقى الهدف الأخير في " معركته " تلك ، هو حلم الغلبة الذي يلهث وراءه منذ بداية الحديث البعيد عن الأسس الموضوعية للحوار ، وتلك برأيي من أعتى و أقبح الممارسات القمعية ، فهو في برجه العاجي قد استخدم فوقية الحديث والبعد عن مفاهيم الحوار غطاء ً لضعفه الفكري وعجزه عن حوار البنـَّائين
مع أن الإبداع يعني للمثقف تحرير الذات ، والبعد عن تهميش الآخر أو إقصاء خطابه ، لكن لأنه لا يمت للثقافة بصلة تجده يعتريك بظلم الإقصاء والاستعلاء ، ويسرف في تمجيد ذاته مستغرقاً بأحلام نرجسيته
وما ذاك إلا لهوى في النفس ، ولذلك يروى عن علي رضي الله عنه " أشجع الناس من غلب هواه "
ومن الذين تغلبوا على هواهم فأعلى " مع نور العلم " مقامهم وشأنهم إمامنا الشافعي " رحمه الله " حيث يقرر بتواضعه وطلبه الحق :
رأيي صواب يحتمل الخطأ , ورأي غيري خطأ يحتمـل الصواب
ويقول :
ما حاورت أحدًا إلا وتمنيت أن يكون الحق إلى جانبه
ويقول :
ما حاورني احد فقبل الحق مني إلا عظم في عيني , وما رد الحق إلا سقط من عيني ، فليكن قصدنا هو الحق , سواء جاء على لسانك , أو على لساني, فمن قال لك الحق فعليك أن تقبل منه, سواء أكان صغيرا أو كبيرا, عظيماً أو حقيرا, امرأة أو طفلاً , كما قال عمر " رضي الله عنه " : أصابت امرأة واخطأ عمر، وكان بعض السلف يقول: رغم انفي للحق
ولاشك أن التواضع للحق قد يصعب على بعض النفوس ، ولكن لابد من استحضار مثل ما يروى عن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام " لم أقف على صحته " : ( اقبل الحق ممن أتاك به من كبير أو صغير ولو كان بغيضاً واردد الباطل على من أتاك به من صغير أو كبير وإن كان حبيباً )
ويقول حاتم الأصم : " معي ثلاث خصال أظهر بها على خصمي ، قالوا : وما هي ؟ قال : أفرح إذا أصاب ، وأحزن إذا أخطأ ، وأحفظ نفسي حتى لا تتجاهل عليه "

وتعر من ثوبين من يلبسهما *** يلقى الردى بمذمة وهوان
ثوب من الجهل المركب فوقه *** ثوب التعصب بئست الثوبان
وتحل بالإنصاف أفخر حلة *** زينت بها الأعطاف والكتفان

فمادام المدار حول حمى الحق ، فيلزم معه التعامل بالاحترام اللائق مع المخالف ، في قول لين لا يذكي للعزة بالإثم ناراً ، ولا يعلي عقيرة الكبرياء اللعين
فمتى استعلى أحد الطرفين على الآخر فلن يحقق الحوار مقاصده ولن يؤتي ثماره ، وكيف يكون ذلك وهو يريد من الآخر أن يقف موقف المطيع والمسلـّم بكل ما جاء عنه
بل قد تكون حالة الفوقية والاستعلاء مستعصية وحادة فـ" يزودها " ويحقر من يحاور ويتعالم عليه رجاء أن يظهر له الخضوع ليستمتع بتثبيت نظريـَّته الفوقيـَّة عليه ، وقد يولي مستكبراً دون تعليق على عبارات الاستكانة التي قيلت له " كأن لم يسمعها " ، أو قد يكون وقر النرجسية المفرطة قد أصم أذنيه فعلاً !
ولكي نتجرد من التعصب لذواتنا لابد من العدل والموضوعية والإنصاف مع من نحاور ، ليكون حواراً يحيي القلوب علها تتدبر أو تتذكر فتخشى
فقبول الحق لا يقاس بالمزاجية أو الأهوائية ولا بالتقلبات النفسية والنزعات الاستعلائية ، وإنما يتمحور القبول والرد حول الحجة المعضودة بالدليل والقول الحسن
وللتخلص من تلك النزعات لابد من الاهتمام بمسألة الاستعداد النفسي عند المحاور ، ليتحقق الإنصاف والرقي بحيثيات الحوار بعيداً عن رد الحق وازدراء الخلق
بعيداً عن الفوقيَّـة ووهم النخبويَّـة .. فكما يقال : " العُجب آفة العقل "


دمتم بعيداً عن العُجب
__________________
فـاطر السـماوات والأرض أنت وليي في الـدنيا والآخـرة تـوفـني مـسـلـماً وألـحـقـنـي بـالـصـالـحـيـن

آخر من قام بالتعديل الناقد1; بتاريخ 30-08-2007 الساعة 02:28 PM.
الناقد1 غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 11:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)