[ابوفراس]

تلازم الانهزامية وفتوى مشائخنا .. اليوم الوطني نموذجا


للفتوى مكانة عظيمة لا يمكن بحال تجاهله وأنها شيء لا يتنازع عليه اثنان، فهي الموجه الأساسي للقطاع العريض من الأمة، ذلك أن المفتي والمتكلم في أحكام الدين يتكلم من منطلق حكم الرب أو رسوله في هذه الواقعة، أو النازلة، أو المسألة، ولذلك عبر الإمام القرافي -وهو من فقهاء المالكية وأصولييهم- عن المفتي بأنه ترجمانٌ عن الله تعالى، فإنه مترجم للنص الشرعي، ولابن القيم كتابا سماه بـ " إعلام الموقعين عن رب العالمين "، فاعتبر أن المفتي أو المتكلم في مسائل الشرع كأنه موقع عن الله تعالى، وقد أنيط أمر الكشف عن الحكم الشرعي بمجموعة من الأشخاص المختصين في أمور التشريع الإسلامي هم "الفقهاء" الذين يتمتعون بقدرة استخراج الأحكام من نصوصها الشرعية، بأدلة وأساليب خاصة،وهذا يتطلب من الفقيه المعرفة العميقة بالنصوص الشرعية والإحاطة الشاملة بـ(مقاصد الشريعة) و(القواعد الفقهية) و(المذاهب الإسلامية)إضافة إلى الإحاطة العميقة بواقع ما يريد أن يتصدى للفتيا له وذلك عن طريق استشارة الخبراء فيه لأنه الواسطة بين النص والحادثة وإذا كان واقع الفقهاء السابقين محدودا فإن الواقع المعاش من الضخامة والتعقيد والشئآكة ما ينوء بمعرفته الجماعة من الفقهاء مجتمعين فضلا عن الفقيه الواحد فنوازل العصر ومستجداته ومشكلاته أكثر وأعمق من أن يتصدى لها فقهاء بلد واحد من بلدان العالم الإسلامي وهذا ما اصطلح على تسميته ب"الاجتهاد".
ومن عظم شأن الفتوى يخشى منها السلف فقد كانوا يدرءون الفتيا ما استطاعوا ويحاولون أن يتخلصوا منها، ويسندوها إلى غيرهم. روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه سُئل فقال: لقد أدركت بهذا المسجد عشرين ومائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ما منهم رجل يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا]]
مائة وعشرون من خيرة أصحاب الرسول ومن كبارهم، وممن طالت أعمارهم فحصلوا علماً كثيراً غزيراً، ومع ذلك كانوا يتدافعون الفتيا ولا يتجاسروا على إصدار الفتاوى
وتعتبر الفتوى معيار دقيق لما يحمله فقهاء عصر أو مكان أو زمان من علم ولعلنا نلج إلى فتوى علمائنا الأجلاء في قضايا معاصرة وفي متناول الذاكرة ومكتوبة وموقعة بأسمائهم لا يمكن تغافلها وغض الطرف عنها والراصد السطحي يجد أنها تمتاز عن فتاوى السلف بميزتين التعجل في الحكم الشرعي وعدم مراعاة ظروف العصر والشواهد على ذلك تغص بها الكتب ومن باب التمثيل على عجل مدارس البنات والبرقية والسيارة ولعبة البيكمون والدش وكمرة الجوال ودمج مدارس البنات وإجازة اليوم الوطني ونحن الآن نعيش فترة ولادة فتوى جديدة ترى حرمة زحزحة الإجازة إلى يوم السبت بحجة التشبه باليهود والنصارى ....؟
فالراصد لمآلات فتاوى علمائنا وخاصة بكل ما هو جديد يجد أن المطاف ينتهي بها إلى بر التهميش وتنتهي صلاحيتها بسرعة والذهنية الصافية لا تمرر هذا الانتحار المتكرر لهذه الفتاوى بدون فلترة ...يلازمني التعجب دائما كيف أن المذياع والبرقية والسيارة والتلفزيون وتعليم البنات والدش وطاش ماطاش وكمرة الجوال والسفر للسياحة والعمل في البنوك وغيرها كثير كانت من أكبر المحرمات، بينما هي اليوم من أبسط أبجديات ما نتعاطاه من أمور حتى غدت تلك الفتاوى فاكهة الاسترخاء الذهني وتجلب الابتسامة ....وفي أحايين كثيرة الضحك ...ولك في تحريم جوال الباندا خير شاهد
أعتقد أن الإدمان على تحريم كل جديد هو المعين العذب لهذه الفتاوى البائسة حيث أن الجديد لا بد له أن يمر على بوابة التحريم وعلى النادر أن ينجو من هذا الجمرك بدون رتوش
أليس من الظلم أن جميع من في الأرض يتمتعون في أعيادهم الوطنية ونحن لم نتمتع به إلا في عهد خادم الحرمين الشرفين الملك عبد الله حفظه الله ..شكرا لك يا خادم
الحرمين على أن أطعمتنا حلاوة الأعياد الوطنية قبل أن نموت
العيد الوطني أو اليوم الوطني كما يحلو للبعض مناسبة غاية في الأهمية لغرس عقيدة وقيم المواطنة لدى الناس وتحريم اليوم الوطني أو العيد مخالفة صريحة للمصالح العامة وهذا ما أجمعت عليه شعوب الأرض
وأخيرا كل عام ووطننا الغالي بخير وأقول لأجيالنا الصاعدة واللاحقة وهم يتمتعون بعيدهم الوطني حلو أعيادكم بابتسامة عابرة في تذكركم أن يومكم هذا كان محرما على أسلافكم سنين طويلة بسبب فتاوى مشائخنا
تحياتي للجميع

د . خالد بن صالح الزعاق
بريدة
العيد الوطني 23/9/2007م


رأيكم ؟؟!!