على غير شيء ؛ غير أنني أكنُّ لثقافتي العربية الأصيلة همًّا لو وزِّع على أقطار السماوات والأرض لوسعها , فما كنت أروح وأغدو بعلم إلا وجدت من يحول دون أن يرى النور كما سطع شَعاعه في تلك الأصقاع البعيدة , وكان قدر ثقافة عربيتي أن تكون الأعلى بلا منازع وبلا مدافع .
أي شيء أثقل على المثقف من أن يرى دعي العلم قد أخذ مكانه في تلك الأماكن المحسوبة على العلم وأهله ؟ ! فكان أن جادت جنايته على العلم , وأفسدت المتلقين من أبناء عربيتي . . . ويل للإسلام إن لم ينهض أهله وأربابه بتلمس المثقف غاية التلمس , فيحتضنوه غاية الاحتضان , ويكتنفونه أيما مكتنف , فلم يكن المثقف بدعًا من تلك الأدوات التي تسير الأمم نحو السلاح بحديه , فكم من كلمة فاقت جيوشًا جرّارة حين صدعت في حوض الجلبة , فكانت مدوِّية بلا حد .
مؤسساتنا تعج بالظلاميين , ويعكر صفوها أناسيٌّ ليسوا من العلم في شيء , وليسوا من الحنكة في أمر , وإنما ساقتهم الأقدار إلى تلك الأماكن بلا وجه حق , فتسكاب الغلو في قولهم وفي أنفسهم لا يطمئن إليه عاقل حصيف , ولا يسبر لتلك النهضة العربية والإسلامية بطائل , وإنما آمال غدرت بها الأيادي البوار على من كان شبابهم يتوقد حماسة وشعلة , فليتني لم أرَ هذا الزمان , وما كنت أحسب أنني سأبقى فيه إلى أن أرى تلك الوجوه الكالحة بمناصبها المزيفة .